د. علاء إبراهيم محمود الحسيني
تتضمن المبادئ المستقرة في ضمير الإنسانية ان المساواة وعدم التمييز تعد وبحق بمثابة القلب إلى جسم الانسان، فالحد من الحرمان أو على الأقل اتاحة الفرصة المتماثلة للجميع من شأنه ان يعزز شفافية الانتخابات المحلية التي يقبل الشعب العراقي عليها في شهر كانون الأول من هذا العام، إذ من شأنها ان تعزز التمثيل المتكافئ للناخبين وتحد من الهدر الانتخابي في أصوات المقترعين، وتجعل الناخب على علم ومعرفة بالمرشحين الذين يجري التصويت لمصلحتهم، وليتمكن من المفاضلة بينهم وفق ما يعتقد أو يريد.
وبما ان الترشح حق مكفول لجميع العراقيين بموجب المادة (20) من الدستور العراقي للعام 2005 التي تنص على أن "للمواطنين، رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح" لذا ينبغي صيانة الحق بالترشح وتكافؤ الفرص في الفوز بثقة الشعب على نحو متساوي للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو العراق أو اللون أو الطائفة وهو ما أشار اليه الدستور العراقي للعام 2005 في المادة الرابعة عشر التي تنص على أن "العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي".
ويضيف المشرع العراقي بقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل بالمادة (4) بأنه "أولاً: الانتخاب حق لكل عراقي ممن توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في هذا القانون لممارسة هذا الحق دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي" والنص المتقدم بحاجة إلى ترجمة على أرض الواقع ولذا تختص المفوضية العليا المستقلة للانتخابات المؤسسة بموجب القانون رقم (31) لسنة 2019، بترجمة النص المتقدم على أرض الواقع بوضع الضوابط الخاصة بالانتخابات بدءً من تحديث سجل الناخبين مروراً بفتح باب الترشح والتأكد من توافر الشروط المقررة بالمرشحين وانتهاءً بإجراءات يوم الاقتراع وإعلان النتائج، بيد ان الملاحظ احتمالية ان لا تتحقق المساواة بين المرشحين في العديد من المواطن ومنها: 1. احتمالية استبعاد البعض منهم لأسباب غير مقنعة.
2. التفاوت الكبير في الإمكانيات المادية ما يسم الحملة الانتخابية للبعض بالمبالغة في الانفاق وبالتالي التأثير على إرادة الناخبين في الوقت الذي لا تتاح هذه الميزة للمرشحين الأخرين.
3. التفاوت بين المرشحين في شروط الترشح.
4. التفاوت بين المرشحين في حق الوصول إلى الناخب.
وبالعودة لقبول الترشح من عدمه نشير إلى ان قانون الانتخابات أورد شروطاً بالمادة السابعة من أخصها الجنسية وكمال الأهلية واتمام سن (30) ثلاثين سنة من العمر، وهو ولا شك عمر كبير جداً قياساً مع أهمية الانتخابات المحلية، فمن المفترض الموازنة بين الطاقة الشابة والخبرة العملية ونعتقد ان سن (25) سنة هو الأنسب للشروع بالترشح للانتخابات المحلية، كما اشترط المشرع الشهادة أو المؤهل العلمي وأن لا يقل عن شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها وهنالك هامش من الحرية لتجاوز ما تقدم بحدود (20%) من المرشحين، وبخصوص كوتا المكونات يشترط في المرشح عليها الحصول على الشهادة الإعدادية أو ما يعادلها، وفيما تقدم اجحاف بحق الترشح فالشهادة المتطلبة لمرشحي كوتا المكونات أقل بكثير مما هو متطلب لبقية المرشحين وكان الأولى المساواة بين الجميع بلا تمييز في هذا الخصوص لاسيما ان علمنا ان المجالس المحلية تتخصص بالعمل الإداري المحلي وتكون لبعض التحصيلات العلمية دورها المتميز في النهوض بالأعباء الملقاة على مجلسي المحافظة والقضاء كتخصص الهندسة والقانون والإدارة وغيرها من العلوم.
أما بخصوص الدعاية الانتخابية فقد وضع قانون الانتخابات المحلية، ضوابط تحقق الشفافية والحيادية في الدعاية الانتخابية إلى حد كبير في محاولة المرشحين إقناع الناخبين لاختيارهم، وذلك عن طريق الاجتماعات والمهرجانات والدعاية والملصقات واستئجار المكاتب والقاعات وإقامة الفعاليات الثقافية وغيرها أضف إلى ذلك أجور الأعوان ممن يسهمون في التثقيف والدعوة لانتخاب الشخص وبالفعل قامت المفوضة العليا المستقلة للانتخابات بإصدار التعليمات رقم (5) لسنة 2023 والخاصة بنفقات الحملات الانتخابية وبينت في المادة (6) بأن يكون الحد الأعلى للإنفاق الانتخابي للمرشح مبلغ متغير مقداره (250) دينار مضروباً بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية.
وما تقدم مؤشر خطير وينذر بانتهاك مبدأ المساواة بين الناخبين فمحافظة كبيرة مثل بغداد أو البصرة أو الموصل عدد سكانها كبير جداً والناخبين فيها المسجلين في سجل الناخبين كبير فلو تم احتساب السماح بالإنفاق على أساس ما تقدم ستكون هنالك مبالغ هائلة تنفق بشكل رسمي، واضعافها سينفق بشكل غير رسمي ما يصعب المهمة على المرشحين المستقلين والتحالفات والأحزاب الجديدة أو الصغيرة.
أضف لما تقدم أن قانون الانتخابات حظر بالمادة (27) وما بعدها من المواد:
1- استغلال أبنية الوزارات في تنظيم الاجتماعات الانتخابية أو يكون الغرض منها الدعاية للمرشح خلال الحملة الانتخابية.
2- استعمال شعار الدولة الرسمي في الاجتماعات والإعلانات والنشرات الانتخابية وفي الكتابات والرسوم التي تستخدم في الحملة الانتخابية.
3- عدم جواز قيام موظفي دوائر الدولة والقطاع العام والسلطات المحلية باستعمال نفوذهم الوظيفي أو موارد الدولة أو وسائلها أو اجهزتها لصالح أنفسهم، أو أي مرشح بما في ذلك الأجهزة الأمنية أو العسكرية. بيد ان السؤال الملح ألم تستثمر الموارد أعلاه في مناسبات سابقة للدعاية الانتخابية ما تسبب بانتهاك صارخ لمبدأ المساواة بين المرشحين، فما الضمانات التي تمنع من تكرار ذلك، ولماذا المشرع لم يورد نصاً بمنح الموظف أو المكلف بخدمة عامة المرشح للانتخابات إجازة إجبارية أمدها ستون يوماً؟ تبدأ قبل يوم من انطلاق الحملة الانتخابية وتنتهي في اليوم التالي للانتخابات العامة في عموم البلاد.
أضف لذلك ان القانون والتعليمات الصادرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تكاد تخلو من تنظيم مسألة غاية بالخطورة تتمثل بوسائل التتبع الالكتروني والواقعي للحملات الانتخابية لضمان التزام الجميع بالقانون وآداب الحملات الانتخابية، وحظر كل خطاب غير موضوعي، وبوجه خاص التعرض لحرمة الحياة الخاصة لأي من المرشحين المنافسين أو استخدام الوسائل غير القانونية كالتهديد أو تعمد الإساءة لسمعة المنافسين، كما ينبغي تجريم كل فعل من شأنه المساس بالوحدة الوطنية أو إساءة استخدام الشـعـائر الدينية أو غيرها. ومن الواضح ان الكثير من الأحزاب والكيانات استعملت في المناسبات الانتخابية السابقة بعض الأساليب التي تنطوي على تقديم هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقـديـة أو عينية أو غير ذلك مـن المنافع أو الوعود الانتخابية للبعض لدعم موقفهم الانتخابي، فما الحل للحد منها في الانتخابات المقبلة فلا يكفي تنظيم العقوبات لمالية أو التنظيمية إذ يفترض ان تكون المفوضية على قدر المسؤولية وتتولى بيان المخالفات للرأي العام وتستبعد المتسبب بها المباشر ان كان من المرشحين، ويشار إلى ان لائحة السلوك الانتخابي التي نشرتها المفوضية والزمت المرشحين بتوقيعها تتضمن ما ذكر سلفاً إذ ورد فيها "على المرشح الامتناع عن:
1- نشر أو ترويج مزاعم كاذبة أو تشهيرية أو تحريضية.
2- تخريب لقاءات أو اجتماعات لأي حزب سياسي أخر أو منعها.
3- سرقة المواد الانتخابية لأي حزب سياسي أو اتلافها أو تشويهها.
4- استخدام صور أو رموز تشجع أو من المحتمل ان تشجع على الكراهية تجاه الآخرين..."
وهو ما أشارت اليه مواد قانون الانتخابات ذات الصلة كالمادة (32) التي منعت استخدام الوسائل التي تنطوي على الخداع أو الغش، والمادة (33) التي منعت الانفاق على الحملة الانتخابية من المال العام أو أموال الوقف أو الدعم الخارجي، بيد ان المشرع لم يلتفت إلى منع مساهمة الشركات التي تعمل في العراق في نطاق القطاع الخاص ان كان أحد مساهميها من الأجانب، وكذا لم يشر إلى ضرورة حياد المصارف والمؤسسات المالية الأهلية كونها تملك وسائل التأثير المالي وتنعدم بتدخلها لصالح جهة معينة فرص تكافؤ الترشيح والمساواة بين الجميع. وفي الخاتمة نجد ان من أهم التوصيات التي يمكن ان تؤسس لمبدأ لمساواة في نطاق الانتخابات ما يأتي:
1- التأكيد على استقلالية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ودعم هذا المبدأ وتعزيزه بمواجهة الأحزاب السياسية الطامحة إلى الهيمنة على مجلس أمناء المفوضية.
2- السعي الحثيث على توحيد سجلات البطاقة الوطنية مع سجل الناخبين في بطاقة واحدة لتمنع قدر المستطاع من عمليات التزوير، أو الهدر الانتخابي فقد يهمل المواطن تحديث بطاقته الانتخابية ما يحرمه من المشاركة في الانتخابات، لذا يمكن الاستفادة من معلومات البطاقة الوطنية لتصحيح الأخطاء والحصول على البيانات الشخصية للمواطن بشرط المحافظة على سريتها.
3- السعي الحثيث إلى تدريب الموظفين والملاكات البشرية التابعة للمفوضية لتتمكن من النهوض بواجباتها على أتم وجه بالانتقال التام إلى الأتمتة واتباع الوسائل التقنية الحديثة والاستفادة من البيانات التي تكتنزها وزارتي الداخلية والصحة في تحديث سجل الناخبين، ومتابعة المخالفات التي تكتنف الحملة الانتخابية بمعاونة الوزارات القطاعية ذات الصلة.
4- تحسين طرق وأساليب عد وفرز الأصوات بشكل الكتروني أمن.
5- اتباع برامج توعوية هادفة من شأنها تصحيح المسارات والقضاء على احتمالات التزوير الانتخابي أو التأثير السلبي على المرشحين أو الناخبين.