زواج متلازمة داون حين تخاصم الشاهدان «الدين والعلم»
12-حزيران-2025

أسر مصرية تبرره بحاجة الشخص إلى "جليسة دائمة" ومتخصصون يحذرون: مهما بلغ عمر المصاب يبقى فاقداً الأهلية ومأذونون: نحن نتعامل مع الأوراق السليمة والشهود فقط
صلاح لبن
أثار مقطع مصور لا تتجاوز مدته ثواني معدودة موجة تفاعل واسعة في مصر، بعدما وثق لحظة زفاف ظهرت خلالها فتاة تحبس دموعها بلا جدوى، بينما تزف إلى شاب مصاب بمتلازمة داون، وسط محاولات من والدته لمساعدته في الاندماج والتفاعل في أجواء الزفاف، في مشهد أعاد للواجهة قضية زواج ذوي الإعاقات الذهنية ومدى قبولها مجتمعياً في مصر.
سرعان ما تصدر المشهد منصات التواصل الاجتماعي، إذ عبر كثيرون عن تعاطفهم مع العروس، وطرحت تعليقات المستخدمين تساؤلات حول مدى توافر الأهلية العقلية في مثل هذه الزيجات. وفيما يؤكد مأذونون شرعيون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" أن دورهم ينحصر في التحقق من استيفاء الأوراق الرسمية، وفي مقدمها الشهادات الصحية، من دون صلاحية للتدخل ما دامت الشروط الشكلية مكتملة، يرى مختصون أن غياب التقييم النفسي والعقلي قبل إتمام الزواج قد يفضي إلى ارتباط يفتقر أحد طرفيه إلى الأهلية القانونية الكاملة.
جليسة دائمة
وبينما تتيح الإجراءات الحالية إتمام زواج المصابين بإعاقات ذهنية، تبدي عبير التميمي، استشارية في الصحة النفسية الأسرية ووالدة لفتاة مصابة بمتلازمة داون، انزعاجها من الواقعة. تقول لـ"اندبندنت عربية"، "الزواج يفترض أن يكون المقدم عليه بالغاً وعاقلاً، بينما يواجه المصابون بالمتلازمة مشكلات إدراكية تجعلنا نبقي عليهم تحت وصايتنا، لعدم اكتمال أهليتهم القانونية".
وتتساءل التميمي: "كيف يسمح لغير مكتمل الأهلية بالزواج من شخص سليم؟"، وبحكم تجربتها في رعاية ابنتها، وما اكتسبته من معرفة عبر احتكاكها بأسر مصابين، تؤكد أن بعض العائلات تهيئ أبناءها لفكرة الزواج بإخبارهم أن "العروس مثل لعبة يملكونها"، ليستوعبوا الحياة الجديدة.
وتعرب التميمي عن قلقها من الأبعاد البيولوجية والنفسية لهذا النوع من الزواج، مشيرة إلى أن أحد أبرز المخاوف يتمثل في إنجاب أطفال يحملون الجينات ذاتها، مما يؤدي إلى زيادة أعداد المصابين بالمتلازمة. كما أن هؤلاء الأزواج، بحسب تجربتها، غير مؤهلين للتعامل مع الأبناء، سواء من حيث الرعاية أو الفهم أو المتابعة الصحية، مضيفة أن بعض العائلات تقدم على مثل هذه الزيجات تحت وطأة الإغراءات المالية، مما يجعل الطرف الآخر من الأسر محدودة الدخل ضحية لهذا الشكل من الزواج. وتتفق أستاذة الطب النفسي بجامعة الأزهر صفاء حمودة مع الطرح السابق، إذ تعد تزويج المصابين بمتلازمة داون من الوقائع التي باتت متكررة في المجتمع المصري، موضحة أنها تحدثت مع عدد من الأمهات اللاتي أقدمن على تزويج أبنائهن، إذ أبدين رغبة مشتركة "في إيجاد من يتولى رعاية الأبناء مدى الحياة"، كما لو أن الزواج يستخدم وسيلة لتأمين "جليسة دائمة"، مؤكدة أن الفتيات اللاتي يدفعن إلى هذا النوع من الزيجات غالباً ما ينتمين إلى أسر محدودة الدخل، ويأتين في الغالب من القرى والمناطق الريفية.
إنتاج ضحايا جدد تصف حمودة هذه الزيجات بأنها أشبه بـ"صفقات مالية"، تفرض فيها الموافقة تحت وطأة الحاجة، مما يولد لدى الزوجة شعوراً بالمهانة، وإحساساً بأنها سلعة معروضة، أجبرت على الدخول في حياة لا تملكها، مما يفتح الباب أمامها لاحقاً أمام الانفصال أو الهرب أو الانخراط في علاقات خارج إطار الزواج. وترجع حمودة تصرف الفتاة إلى ما يعرف في الطب النفسي بـ"الحيل الدفاعية"، موضحة أنها لجأت إلى "رد الفعل العكسي"، حين احتضنت والدة زوجها، على رغم ما كانت تشعر به داخلياً من رفض وعدم تقبل، إذ لم تكن قادرة على التعبير عن مشاعرها الحقيقية. وتقول إن الغالبية ممن يخضن هذه التجارب ينتهين إلى الانفصال النفسي عن الواقع، واللجوء إلى عالم داخلي متخيل ينسجن فيه صورة لحياة لم يعشنها.
أفراح المصريين تخلع تقاليدها بحثاً عن الترند
تعود التميمي، أم لفتاة مصابة بداون إلى الحالة التي أثارت الرأي العام المصري أخيراً، مشيرة إلى أن الفتاة، على الأرجح، كانت تسعى إلى زوج طبيعي يتحمل مسؤوليتها، لا أن تتحول هي إلى طرف يتحمل عبء رعاية زوج غير مؤهل. كما لا تخفي نقاشات خاضتها سابقاً مع مسؤولين في المجلس القومي لشؤون الإعاقة، أبدوا خلالها تأييدهم لزواج ذوي الاحتياجات الخاصة، معتبرة أن هذه الفئة في حالات الإعاقات الذهنية تندرج ضمن فئة فاقدي الأهلية القانونية.
وحول أسباب تمسكها بهذا الرفض، على رغم كونها أماً لطفلة من المصابين بمتلازمة داون، توضح التميمي: "اتخذت قراري الرافض منذ ولادتها عن قناعة تامة، بعد أن بذلت مجهوداً هائلاً على مدى سنوات، كي تتمكن من النطق، والغناء في دار الأوبرا، وممارسة رقص الباليه. هذه مهمات مرهقة للغاية، ولا يمكنني تكرار هذا الجهد مع أبناء قد تنجبهم لاحقاً".
وتضيف "الموافقة على الزواج تعني في نظري إنتاج ضحايا جدد من الأطفال الذين قد يولدون من هذه العلاقة، إذ سيحتاجون إلى علاج طبيعي ليتمكنوا من المشي، وجلسات تخاطب للنطق، ورعاية صحية دائمة لمشكلات القلب التي يعانيها غالبهم، وأنا مثل كثر غيري لم نعد نمتلك القدرة على خوض التجربة من جديد". في المقابل، يرى حسام المساح، الأمين العام السابق للمجلس القومي لشؤون الإعاقة، وهو من الحالات التي تعاني تأخراً ذهنياً، أن المصابين بمتلازمة داون لا يمكن التعامل معهم ككتلة واحدة، "إذ تختلف قدراتهم من حالة إلى أخرى، فبعضهم يستحيل تزويجه، وآخرون يصعب أن يخوضوا التجربة، في حين توجد حالات متوسطة أو مؤهلة يمكن معها التفكير في خطوة الزواج".
ويعتبر المساح أن الحالة التي أثارت الجدل أخيراً تندرج ضمن الفئة المتوسطة، لكنه يشدد على أن زواج المصابين بالمتلازمة "لا ينبغي أن يتم إلا إذا كان الطرف الآخر لديه قابلية تامة لهذه العلاقة، ويستطيع تحمل ضغوط المجتمع ونظرته"، مبدياً رفضه لما جرى في هذه الواقعة التي بدا فيها عدم قبول من الطرف الثاني.
ويضيف "لا بد من إخضاع المصاب لكشوف طبية لتحديد مدى القدرة على الإنجاب وتكوين أسرة بصورة طبيعية من عدمه"، متابعاً "شخصياً عشت هذه التجربة، فقد تزوجت قبل 30 عاماً، وبحكم أنني أعاني إعاقة ذهنية، توجهت قبل الإقدام على الزواج إلى أطباء متخصصين، وأجريت جميع الفحوص اللازمة للتأكد من قدرتي على خوض هذه العلاقة، لأن من حق الطرف الآخر أن يعرف، إذ قد يؤذي أحدهما الآخر إذا لم يكن هناك توافق حقيقي بينهما".
يقول المأذون الشرعي حسن علي إن الشهادات الطبية التي يطلع عليها هي المعيار في تحديد قدرة أصحاب متلازمة داون المقدمين على الزواج، موضحاً أنه "لا يوجد ما يمنعهم من عقد القران، ما دام أن التحاليل الطبية تظهر أهلية الطرفين. نحن نتعامل مع أوراق رسمية، وبعض هذه الحالات يتمتع بذكاء، ويعاني فقط من صعوبات في النطق"، مضيفاً "نحن خاضعون منذ قرابة عام ونصف عام لنظام متكامل يحدد مدى صلاحية الزواج، ومنها شهادات طبية إلزامية تقدم ضمن الأوراق المطلوبة". ويذهب المأذون الشرعي إيهاب طلعت في الاتجاه ذاته، إذ يقول لـ"اندبندنت عربية"، "من شروط الزواج أن يكون الطرفان عاقلين، لكننا كمأذونين ندرس الشريعة ولسنا متخصصين في الطب النفسي أو الاجتماعي، ولا نملك الأدوات التي تتيح لنا التحقق من وجود إعاقة عقلية من عدمها، ما دام أن الطرف المعني يقدم الأوراق المطلوبة ويوقع أمام شهود".
ويشير طلعت إلى أن "زواج من يعاني خللاً عقلياً هو زواج باطل شرعاً، لكن تطبيق هذا المبدأ عملياً يظل معقداً في ظل عدم وجود فحوص نفسية ضمن منظومة الفحص الطبي"، مضيفاً "الشهادات الحالية تقتصر على التحاليل الصحية، ولا تتضمن فحوصاً نفسية، وهناك من يتلاعب أحياناً في إصدار الشهادات، لتتحول إلى مجرد إجراء روتيني، نحن دورنا فقط نوثق الزواج بإرادة الأطراف".
وتصف التميمي، بحسب تجربتها الإقدام على هذه الخطوة، بأنها "نوع من التعذيب للأطفال"، قائلة: "نلقي بهم في النار". وتلفت إلى إشكال بالغ الحساسية يتعلق بالعلاقة الحميمة، إذ إن المصابين بمتلازمة داون غير قادرين على ممارستها من دون مساعدة أحد، لا سيما في الأيام الأولى من الزواج، مما يضطر الأسرة، الأم أو أحد أفرادها، إلى الوجود في تلك اللحظات، وهو أمر تراه "مرفوضاً شرعاً وأخلاقياً ومجتمعياً".
وتتساءل "هل يمكن لزوجة أن تظل متزنة نفسياً في ظل وجود أشخاص في أثناء علاقتها الحميمة؟"، وتشير إلى ما وثقته من حالات سابقة تظهر انقساماً بين أسر مصابي داون: فريق يرى في الزواج وسيلة لضمان مستقبل أبنائهم، خوفاً من تركهم وحيدين بعد وفاة الأهل، وفريق آخر وهي منهم يرى فيه استحالة، وقراراً لا تحتمل تبعاته، وعبئاً يتجاوز قدراتهم وقدرات أبنائهم. وبينما أجازت دار الإفتاء المصرية زواج المعاق ذهنياً، باعتبار أنه حق من حقوقه، تختم التميمي بالإشارة إلى أن مثل هذه الزيجات تعقد غالباً مع أسر فقيرة تعاني أوضاعاً مادية صعبة، مما يتطلب معه نشر وعي مجتمعي يقر بأن مصاب المتلازمة مهما بلغ عمره بحاجة إلى رعاية دائمة.
وتصف التميمي، بحسب تجربتها الإقدام على هذه الخطوة، بأنها "نوع من التعذيب للأطفال"، قائلة: "نلقي بهم في النار". وتلفت إلى إشكال بالغ الحساسية يتعلق بالعلاقة الحميمة، إذ إن المصابين بمتلازمة داون غير قادرين على ممارستها من دون مساعدة أحد، لا سيما في الأيام الأولى من الزواج، مما يضطر الأسرة، الأم أو أحد أفرادها، إلى الوجود في تلك اللحظات، وهو أمر تراه "مرفوضاً شرعاً وأخلاقياً ومجتمعياً".
وتتساءل "هل يمكن لزوجة أن تظل متزنة نفسياً في ظل وجود أشخاص في أثناء علاقتها الحميمة؟"، وتشير إلى ما وثقته من حالات سابقة تظهر انقساماً بين أسر مصابي داون: فريق يرى في الزواج وسيلة لضمان مستقبل أبنائهم، خوفاً من تركهم وحيدين بعد وفاة الأهل، وفريق آخر وهي منهم يرى فيه استحالة، وقراراً لا تحتمل تبعاته، وعبئاً يتجاوز قدراتهم وقدرات أبنائهم. وبينما أجازت دار الإفتاء المصرية زواج المعاق ذهنياً، باعتبار أنه حق من حقوقه، تختم التميمي بالإشارة إلى أن مثل هذه الزيجات تعقد غالباً مع أسر فقيرة تعاني أوضاعاً مادية صعبة، مما يتطلب معه نشر وعي مجتمعي يقر بأن مصاب المتلازمة مهما بلغ عمره بحاجة إلى رعاية دائمة.
كما حذرت من عواقب ما تسميه "نشر نسل الداون"، إذ يكون الطفل المولود حاملاً لكروموسوم 21، حتى وإن بدا شكله طبيعياً، مشيرة في الوقت نفسه إلى إمكان زواج بعض الحالات التي تعاني درجات بسيطة من التأخر العقلي، مع ضرورة منع حالات متلازمة داون أو التوحد الشديد، الذين تراهم "غير مؤهلين إطلاقاً للزواج".

جنوب بغداد.. مواطنون يدفعون 3 مليون دينار «إتاوة» لبناء منزل «زراعي»
12-حزيران-2025
مفوضية الانتخابات: نحتاج إلى 250 ألف موظف اقتراع
12-حزيران-2025
أوجلان يطلب حواراً مع بارزاني وطالباني وعبدي
12-حزيران-2025
لجنة نيابية تكشف انحسار فرص تعديل قانون الانتخابات
12-حزيران-2025
نائب: موازنة 2025 قد تصل البرلمان مطلع تموز
12-حزيران-2025
روسيا: مستعدون لتلقي اليورانيوم المخصب من إيران
12-حزيران-2025
جنوب بغداد.. مواطنون يدفعون 3 مليون دينار «إتاوة» لبناء منزل «زراعي»
12-حزيران-2025
رئيس الجمهورية: أهوارنا المدرجة على لائحة التراث العالمي تعيش حالة مأساوية
12-حزيران-2025
المجلس الاقتصادي: ملتقى العراق للاستثمار سيطلق 150 فرصة استثمارية بـ12 قطاعاً اقتصادياً
12-حزيران-2025
«النقد الدولي» يحذر من تداعيات الحرب التجارية على الأسواق الناشئة
12-حزيران-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech