قصة قصيرة: ذوو الشعر الكثيف
16-تشرين الأول-2022
قصي الشيخ عسكر*
لم ألتفت حتما إلى أي من الشروط الواردة في النص الطويل الذي وضعوه بين يدي كنت متعجلا أمر خلاصي فقرأته من دون تأمّل وعبرت بعض فقراته. وقد بدت لي هذه الأرض طيبة بجوها وزرعها وناسها وحيوانها الأليف الذي يربونه في البيت.
هكذا فعلت فذيّلت أسفل الورقة بتوقيعي وكأنّي فهمت دستور البلد بكامله..
كنت قدمت من بلاد عنيفة وهنا في هذه الأرض الطيبة طلبت الأمان. قلت لهم إن أنا عدت إلى بلدي واجهت عقوبة الموت أو السجن فأشفقوا علي قبلوني على شرط أن التزم بقوانينهم التي قرأت على عجالة وذيلتها بتوقيعي.
بهذه الصورة تم الأمر بيسر وسهولة حتى أني لم أتخيل ما أصبحت فيه من حال جديدة وثقة بالنفس.
وجدتني أتنفس الحرية في كل مكان: الشارع والمحلات العامة ودور السينما والمسرح، أماكن حرمت منها في بلدي ولا يضايقني شئ حتى نظرات الناس الغريبة الي تحققت من أنها نظرات إعجاب لا شفقة ولا ازدراء
عالم غريب عجيب أعيشه في هذه البلاد والأعجب فيه رئيس البلد أو الملك كان وسيما اصلع دائم الابتسامة لا اثر له إلا تمثال من البرونز في الدّوار العام منتصف البلد. وأقسم أني رأيت مرة طائرا ما يقف على صلعته ويذرق وسمعت أحدهم يقول هذا أصل الحكمة التي جعلتنا ننعم بالسلام والازدهار .أصل الحكمة أن يقف طائر على تمثال كبير البلد الذي نادر ما أرى له صورة في وسائل الإعلام. كنت أتأمل التمثال والناس يتأملونني ويتأملونه يشيرون إليه بنظراتهم وإلي وقد اصبت بإحباط شديد وكدر حين اندلعت الأخبار مثل النار فجأة تُعْلن وفاة الرئيس الاصلع أو الملك
كان يبدو أنه كبير السن تركت وفاته اثرا في وجوه الرعية تعابير وجوههم.. الدموع المكبوتة.. ملابس الحداد.. إنهم يبكون بصمت ثم ينظرون إلي بارتياح
النظرة نفسها التي لم تتغير
بدأت اشك
لو كنت علامة شؤم لما قابلوني بمثل هذه النظرة الحانية المتفائلة الودود
لم تكد أيام الحزن تنقضي حتى استوقفني كبير مجلس الحكماء وطلب مني القدوم معه إلى قصر جلالة الملك الرئيس دخلت القصر الذي مازالت مراسم الحزن ترتسم
كانوا سبعة مع المبعوث الذي اقتادني إليهم نظروا إلي بمهابة أشار إلي كبيرهم بالجلوس فجلست ثم بدأ الكلام: ذكرني أني حين دخلت البلد وافقت على كل شروطهم ومنها قضية الرئيس الملك الناس ينتخبونه فيبقى مدى الحياة فهو ملك رئيس فهمت أن الصلع عندهم نادر وهو علامة على النبوغ والعبقرية والكفاءة. كل نصف قرن أو أكثر ترزق البلاد بمولود يصبح فيما بعد أصلع ولا يقدرون أن يخادعوا أنفسهم فيحفوا شعر راس أحدهم ليصبح ملكا رئيسا لكنهم تفاءلوا بي منذ دخلت البلد طالبا منهم أن يؤوني فقبلت شروطهم التي من بينها أن أصبح الرئيس في يوم ما ما دمت الأصلع الوحيد في هذا البلد بعد الرئيس الحالي
فهمت الآن لماذا كان الناس ينظرون إلي بإعجاب شديد وأدركت أني كنت ابدو لهم حالة نادرة سوف يحتاجونها في يوم ما لقد أنساني شعوري بالحرية واطمئناني إلى أني لم التفت إلى ناس ذلك البلد. كانوا جميعهم ذوي شعر كثيف وليس هناك بينهم أحد أصلع. شعر أشقر
أسود
بني
ولا أحد أصلع مثلي
ومع كوني الأصلع الوحيد في هذا البلد
إلا أني لم أكن لأكلف نفسي فأقرأ الشروط التي قبلت بها ذات يوم بإمعان ومنها أن عليّ أن أصبح الرئيس الملك في حال وفاة الرئيس الملك الحالي مادمت الأصلع الوحيد في هذا البلد وليس لي منافس آخر..
• روائي من العراق.