بغداد - العالم
حافظ الدروبي أحد الأسماء اللامعة في تاريخ الفن التشكيلي العراقي والعربي، هو فنان لا يمكن تجاهل إرثه الكبير الذي تركه في عالم الفن. وُلد الدروبي في بغداد عام 1914، وشق طريقه ليصبح واحدًا من أبرز الفنانين التشكيليين الذين رسموا بصمة فنية مميزة في تاريخ الفن الحديث. حياته الفنية شكلت رحلة مستمرة من البحث، التجديد، والابتكار، ليس فقط على مستوى العراق، بل على مستوى الساحة الفنية العالمية أيضًا.
بدأ حافظ الدروبي دراسته الفنية في العراق، حيث التحق بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، وأظهر منذ بداية مشواره الدراسي اهتمامًا غير عادي بالفن، ما دفعه لمتابعة دراسته في الخارج. في عام 1950، انتقل إلى فرنسا ليتابع دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة في باريس. هذا الانتقال كان له تأثير كبير على أسلوبه الفني، حيث تأثر بالحركة الفنية الحديثة في أوروبا، لكنه استطاع أن يحافظ على ارتباطه العميق بجذوره الثقافية والفنية العراقية.
تميز حافظ الدروبي بقدرته على دمج الأساليب الفنية الغربية مع التراث الفني العربي والعراقي. سعى لخلق لغة بصرية جديدة تجمع بين الواقعية والتجريد، حيث استخدم الألوان بشكل مكثف ليعبر عن انفعالاته وأفكاره. لم يكن يرسم المشهد كما هو، بل كان يعكس من خلال لوحاته جزءًا من الروح العراقية التي عايشها وعشقها. في العديد من أعماله، استخدم رموزًا مستوحاة من الفن العربي القديم والحضارة العراقية القديمة، مما أضفى على لوحاته طابعًا خاصًا يميزها عن غيرها من الأعمال الفنية.
ما يميز حافظ الدروبي ليس فقط تقنياته الفنية المبدعة، بل أيضًا رسالته الاجتماعية والسياسية التي كان يسعى لنقلها من خلال أعماله. كان يعتقد أن الفن يجب أن يكون أداة للتعبير عن هموم المجتمع وآماله، وأن الفنان يجب أن يكون صوتًا للمجتمع في مواجهة التحديات والمشكلات. وبالتالي، كانت لوحاته دائمًا تعكس التغيرات التي مر بها العراق والعالم العربي، سواء كانت اجتماعية أو سياسية.
على الرغم من مرور سنوات على وفاته في عام 1991، إلا أن حافظ الدروبي لا يزال يعتبر واحدًا من أعمدة الفن التشكيلي في العراق. فنه ترك أثراً عميقًا في الأجيال القادمة من الفنانين، الذين يتابعون أعماله ويستلهمون منها العديد من الأفكار والأساليب. المتاحف والمعارض التي تضم أعماله تشهد على مدى تأثيره البالغ، سواء في العراق أو في العالم العربي.
لم يكن حافظ الدروبي مجرد فنان تشكيلي، بل كان مفكرًا ورؤيويًا، حاول دائمًا أن يجعل الفن أكثر من مجرد وسيلة للترفيه، بل وسيلة للتفكير والتغيير. من خلال لوحاته، حاول أن يعبر عن الهوية العراقية والعربية ويضعها في سياق عالمي، ما جعله واحدًا من أبرز المبدعين الذين خدموا الفن والثقافة العراقية والعربية في القرن العشرين.
إن تذكر حافظ الدروبي اليوم هو تذكير بأهمية الفن في تشكيل الذاكرة الجماعية للأمم، وفي القدرة على إيصال رسائل قوية وعميقة تخاطب عقول وقلوب الناس عبر الأجيال.