بغداد - العالم
يُعتبر حقي الشبلي، الذي وُلِد في 18 مارس 1913 في منطقة "الحيدر خانة" ببغداد، أبو المسرح العراقي الحديث ومؤسسه. انطلق في عالم الفن منذ سن مبكرة، حيث بدأ حياته ممثلاً ثانوياً (كومبارس) وهو في الثانية عشرة من عمره. منذ تلك اللحظة، كان للشبلي رؤية واضحة لتطوير المسرح في بلده، حيث أسس فرقته الخاصة وأصبح شخصية محورية في الحركة المسرحية بالعراق.
نشأ حقي في عائلة محافظة وميسورة، وكان والده من أصحاب الفكر الصوفي، مما أثرى حياته الثقافية والفنية. أنهى دراسته الأولية في بغداد قبل أن ينتقل إلى باريس لدراسة المسرح، وهو ما أضاف إلى تجربته الفنية العديد من الأبعاد الجديدة. ورغم أنه لم يتزوج، فقد كرس حياته للفن، مما جعله أحد أبرز الأسماء في الساحة المسرحية العراقية.
في عام 1927، أسس حقي أول فرقة تمثيلية محترفة تُدعى "الفرقة التمثيلية الوطنية". وقد شهدت تلك المرحلة تأثراً ملحوظاً بالمسرح العربي، حيث تعرّف الشبلي على الفنانة المصرية فاطمة رشدي، التي كانت تُقدم عروضًا مسرحية في بغداد. شجعت هذه اللقاءات الشبلي على تأسيس فرقته الخاصة التي حملت اسمه، مما جعله في طليعة الحركة المسرحية في العراق خلال الثلاثينيات.
خلال تلك السنوات، قدم حقي العديد من العروض المسرحية التي لاقت استحسان الجمهور، حيث تعاون مع الفنان محيي الدين محمد موسى، قائد "الفرقة العصرية التمثيلية". عمل معه مجموعة من نجوم المسرح العربي مثل بشارة واكيم وعبد الحميد البدوي، مما ساعد في تعزيز مكانة فرقته. كانت أعماله تمتاز بتقديم نصوص مسرحية مبتكرة وعروض احترافية، مما أكسبه احترام وتقدير الوسط الفني.
على الرغم من التحديات الاجتماعية التي كانت تُفرض على الفنانات في ذلك الوقت، نجح حقي في إدخال عدد من الممثلات الهاويات إلى فرقته، مثل مديحة سعيد وفخرية علي، مما ساهم في تطور الحركة المسرحية. كان التركيز على تعزيز الهوية الثقافية العراقية عبر المسرح، حيث قدم عروضا مسرحية باللغة الفصحى في بغداد ومحافظات عراقية أخرى.
توفي حقي الشبلي في 20 يونيو 1985، لكن إرثه الفني لا يزال حاضراً في أذهان الكثيرين. في 12 ديسمبر 2015، تم تكريمه بإقامة تمثال له في المسرح الوطني ببغداد، مما يعكس مدى تقدير المجتمع الفني لجهوده وإسهاماته الكبيرة في بناء المسرح العراقي. يُعتبر حقي الشبلي رمزاً للإبداع والتميز، حيث أسس لمسرح يمتزج فيه التراث الثقافي مع الابتكار الفني، مُخلداً اسمه في تاريخ الفنون في العراق. تجسد مسيرته الفنية مثالاً يحتذى به للأجيال القادمة، مُشجعاً الشباب على متابعة شغفهم بالفن والمسرح.