رعد كريم عزيز
كل ما انجزه الفنان ثامر الاغا في كتابه المصور او مخطوطته الصورية هو ما يعتمل في داخله وعوالمه المضمرة دون الاتكاء على موجهات او مصادر اخرى ,حيث اصدر كتابه المعنون (خطوط السنين )بصحفتين للمقدمة التي كتبها لنفسه من اصل 280 صفحة حافلة باعماله التخطيطية الشائكة التي استفاد في انجازها من فن الكرافيك الذي درسه على يد الفنان الراحل رافع الناصري في سبعينات القرن الماضي وسالم الدباغ في معهد الفنون الجميلة. وتشترك اغلب تخطيطاته بالاحتدام الشائك وزحمة الرموز وكأنه يرسم بروحية الطفل الحرة التي تريد قول كل شئ وكانها صرخته الاخيرة. والفنان ثامر الاغا بارع برسم البورتريه بحكم دراسته وممارسة رسم وجوه السجناء ابان اعتقاله في سجن ابو غريب الرهيب بسبب وشاية احدهم عن طرفة متداولة عن رئيس النظام السابق,الا انه يرتكن في رسومه الى خربشة ملامح صغيرة من الوجوه ثم يدبج رموزه الكثيرة في التخطيط الواحد ,وثمة فرق يلحظه المراقب عن قرب لانجازه الفني في اللوحة الزيتية الملونة التي تتقسم الى مربعات صغيرة وهذه واحدة من ميزات هويته في الرسم وبين التخطيط الذي نشهد فيه حضور الشخصية بهيكل مفخم تتماهي مع عدة شخصيات دون فواصل وكأنه ينجز التخطيط في وقت واحد دون مراجعة او تخطيط مسبق ,الا انه في اللوحة الزيتية يتأمل ويبتعد قليلا عن رموزه ليضع لونا هنا او هناك لشخوص من الرجال والنساء والاشكال التي يكتشفها في الازقة والشوارع لانه فنان مشاء يحصد خطوطه من قاع المدينة والقطط والكراسي في المقهى والدراجة الهوائية وكراسي المعاقين واثار الحروب المتكررة.
ان خطوط السنين لا تبتعد كثيرا عن احزان العراقيين لذا نراها فحمية اللون وان اتتها بعض البقع الملونة فما هي الا تلوينات بقايا اقلام خربشها طفل في حالة كابوس او خوف من مجهول.
وكل هذه التجارب والمكابدة تحملها وحده بعيدا عن مؤسسة او دعم حكومي فهو ينحاز الى عالمه الخاص في عزلة يؤثثها بالخطوط والالوان محتجا على الفقر والحرب وظلم الانسان. اذا كنت تريد ان تحوز سعادة او لحظة امل من الفنان ثامر الاغا فعليك ان تتعايش مع لوحاته الزيتية التي تتجسد فيها الكثير من الموجودات بشكلها الخارجي ووجودها على الارض ,اما اذا دخلت عالمه التخطيطي فانك تحتاج الى التسلح بالقدرة على تحمل الالم واختلاط الكوابيس والاجابة على الاسئلة الملحة عن جدوى العيش في اتون صعب يسحق الانسان ويحوله الى اداة قاسية في الحروب والمعاناة من واقع مر يقف امام احلام وطموحات الانسان.
وثمة تجارب مغايرة في مسيرة الفنان ثامر الاغا من خلال معارضه السابقة منذ السبعينات في بغداد والسليمانية مع صديقه الفنان نجاح موسى وفي ايطاليا وفي عمان مما يستدعي كتابا اخر يحيط بهذه التجارب فيما تنفرد تجربة خطوط السنين بعالمه الداخلي وصرخته الحبيسة طيلة عمر اكلته الحروب والتقارير السرية. كل تلك التجارب في اللون والتخطيط قادتها مزاجية عالية الحساسية في التعبير عن موقف الفنان امام مشاكل عصره والبحث عن معنى في خضم الاشتباكات الغامضة والمحيرة رافقها ولع بالموسقى والعزف على الة العود وقبلها الكيتار وهو لم يبخل على الالات الموسيقية فمنحها الكثير في رسومته وتخطيطاته. وحين شعر الفنان ثامر الاغا بقسوة السنين وانفلات الزمن من بين يدي جيله عمد الى توثيقها في كتابه (خطوط السنين) ليصبح وثيقة عراقية عن الافراد وهم يواجهون الجدران والمصاعب والكوابيس التي وصلت للقارئ والمشاهد في حجم معقول وطباعة ناصعة من دار الصواف في مدينته الحلة ..الم نقل ان الفنان لا يرغب ان يخرج من محليته وابناء مدينته ليبقى محافظا على خطوط الطفولة التي رسمها على مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية والى يومنا هذا.