بغداد ـ العالم
في ظل تصاعد الطلب على استهلاك الكهرباء مع ارتفاع درجات الحرارة الى نصف مئوية، أخذت الناس تخرج الى الشوارع في مختلف المحافظات، منددة باستمرار أزمة الطاقة وتراجع ساعات التجهيز، بينما تقف الحكومة موقف المتفرج من تلك الأزمة.
وتتضارب التصريحات بشأن حجم الأموال التي أنفقتها الحكومات العراقية (8 حكومات) على منظومة الطاقة الكهربائية بعد عام 2003 لكن تصريحات نواب في لجنتي الطاقة والنزاهة النيابيتين تشير إلى حصر قيمة تلك المبالغ بين 60-80 مليار دولار أميركي.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة معالجة مشكلة الكهرباء من خلال الربط الكهربائي مع الأردن ودول الخليج، إلا أن مشكلة الطاقة يبدو بانها باتت عصيّة على الحل ولم تُعالج، برغم إعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني افتتاح وتشغيل 200 محطة كهربائية في عموم مناطق العراق ومدنه.
وفقاً للمتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، يحتاج العراق إلى 55-60 مليون متر مكعب يومياً من الغاز الإيراني صيفاً، غير أنه لا يتلقى هذه الكمية. وعندما انخفضت الإمدادات بشكل حاد في 4 تموز/يوليو، عزت الحكومة هذا الانخفاض إلى العقوبات الأمريكية التي تمنع المعاملات المالية مع إيران، بينما نسبته طهران إلى مشاكل فنية ناجمة عن موجة حر.
وتم تجديد الإعفاءات الأمريكية التي تسمح للعراق بمواصلة استيراد إمدادات الطاقة من إيران مراراً وتكراراً منذ عهد ترامب، وبررتها جزئياً جهود العراق الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة. وتشمل هذه الجهود مشاريع احتجاز الغاز المذكورة أعلاه، والاستثمارات في حقول الغاز، والمشروع المتأخر الذي يربط شبكة الكهرباء في العراق بشبكة "مجلس التعاون لدول الخليج العربية".
ويؤكد مراقبون، ان "وزارة الكهرباء لا تعاني من نقص في التخصيصات المالية، ولا قضية الجباية، انما الأزمة تتعلق بالفساد"، مشيرين الى ان خمس دورات نيابية لم تقدم مسؤولا واحدا مدانا بملف فساد.
ويذكر المراقبون، ان ثماني وزارات عراقية مرت على العراقيين بعد العام 2003، وكانت جميعها قد وعدت الناس بتزويدهم بالطاقة الكهربائية، لكنها تتبخر مع ارتفاع درجات الحرارة.
ويُعد استثمار الغاز المصاحب للعمليات النفطية أحد المحاور الرئيسة في خطة الحكومة لحل أزمة انقطاع الكهرباء في العراق، من خلال استعماله في تزويد محطات توليد الكهرباء الغازية بالوقود اللازم لتشغيلها.
وتحاول الحكومة ان تخطو خطوات واسعة للتحوّل من حرق الغاز المصاحب إلى استغلاله والاستفادة منه في المحطات الغازية، لمواجهة أزمة انقطاع الكهرباء في العراق، وخلق موارد إضافية للاقتصاد الوطني، ولا سيما في حقول البصرة وميسان وذي قار.
وفي 31 آذار (2024)، وقّع العراق اتفاقية مع شركتي سيمنس إنرجي الألمانية (Siemens) و"إس إل بي" شلمبرجيه سابقًا (Schlumberger)، تهدف إلى استثمار ومعالجة الغاز المصاحب وتحويله إلى محطات توليد الكهرباء، وفق بيان لوزارة النفط.
وتستهدف الوزارة الاستفادة من التقنيات التي تمتلكها شركتا سيمنس وشلمبرجيه، في معالجة كميات الغاز من الحقول النفطية لاستعماله في محطات توليد الكهرباء.
وفي كانون الثاني (2023)، وُقّع عقد بين شركتي غاز الجنوب وغاز الحلفاية المحدودة، لتطوير الغاز ومعالجته من حقل نهر بن عمر، بطاقة 150 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا، قابلة لإضافة 150 مليون قدم أخرى للمرحلة الثانية، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ويعتبر العراق ثاني أكبر دولة تحرق كميات كبيرة من الغاز في العالم بعد روسيا، فيما يسعى إلى توفير 200 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا يتم توليدها من حقول النفط الرئيسية.
ويشير تقرير لوكالة الطاقة الدولية، صدر في نيسان 2019، إلى أن قدرة العراق الإنتاجية من الطاقة الكهربائية تبلغ حوالي 32 ألف ميغاواط، ولكنه غير قادر على توليد سوى نصفها بسبب شبكة النقل غير الفعالة التي يمتلكها.
وتشير التقديرات إلى أن العراق يحتاج إلى 40 ألف ميغاواط من الطاقة لتأمين احتياجاته، عدا الصناعية منها.
ويقول تقرير لمعهد بروكينغز، صادر في عام 2015، إن العراق يخسر سنويا نحو 40 مليار دولار بسبب نقص إنتاج الطاقة.
وتشمل الخسائر هذه الأموال الكبيرة التي يصرفها العراقيون على شراء الطاقة، والخسائر في قطاعات الصناعة والزراعة والمشاكل الصحية التي يسببها الانقطاع المستمر للطاقة.
وأكد المحلل السياسي علي الصاحب، أن الحكومات العراقية المتعاقبة أنفقت مليارات الدنانير على قطاع الكهرباء، إلا أن المشكلة ما زالت قائمة، ولم تتم معالجتها حتى الآن.
وقال علي الصاحب، إن "الحكومات العراقية المتعاقبة قدمت العديد من الوعود بشأن معالجة مشكلة الكهرباء، ولكن دون جدوى، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع، خاصة في مناطق وسط وجنوب العراق".
وأضاف الصاحب، أنه "رغم إنفاق مليارات الدنانير لتحسين وضع الكهرباء، إلا أن المشكلة لا تزال قائمة، مما يزيد من معاناة المواطنين خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية"، مشيرا الى أن "قطاعي الماء والكهرباء في العراق يعانيان من مشاكل مستمرة، حيث تصل الكهرباء إلى المنازل لبضع دقائق فقط قبل انقطاعها مجدداً".
وأوضح أن "مشاريع الحكومة العراقية لم تحقق النجاح المطلوب، رغم توقيع اتفاقيات مع دول مثل إيران والسعودية ومصر لتزويد العراق بالكهرباء، مما أبقى الوضع على حاله دون تغيير".
وبيّن أنه "رغم معاناة العراق من نقص الكهرباء، فإنه يقوم بتزويد الأردن بالكهرباء، بينما لم يتمكن من حل مشاكله الداخلية في هذا القطاع"، لافتاً إلى أن "المواطنين يشعرون بالإحباط بسبب تقاعس الحكومة عن حل مشاكلهم، خصوصاً في ظل ارتفاع درجات الحرارة الشديدة خلال فصل الصيف".