كتب: المحرر الثقافي
صدر للكاتب العراقي محمد الكاظم كتاب قصصي جديد حمل عنوان (كتاب العراقنامه، وبذيلهِ مدونات الفِرقة الناجية بالصدفة) عن دار الورشة الثقافية، وتعد هذه المجموعة استكمالاً للمشروع السردي الذي يتبناه الكاتب في كتابة القصة القصيرة بعد ان اصدر سبع مجموعات قصصية حظيت باهتمام كبير من القراء والدراسين، وعالج هذا الكتاب عالجت زوايا مختلفة من الهم العراقي بطرق وتقنيات مبتكرة تميز أدب محمد الكاظم الذي قال عن هذه المجموعة انها تمثل حلماً قديماً بكتابة ملحمة سردية عراقية على غرار ملاحم الأمم الأخرى عبر أسطرة الحدث العراقي وتوثيق مكابدات الشخصية العراقية واحلامها ونوازعها والتحديات التي تواجهها.
وخلال احتفاء نادي السرد بصدور هذه المجموعة وكاتبها قال الناقد علي حسن الفواز رئيس اتحاد الادباء والكتاب ان الثقافة التي لا تنتج اسئلتها هي ثقافة ميتة، ومحمد الكاظم واحد من مثيري الأسئلة العميقة، مؤكداً ان الكاتب عُرف بقدرته على التجديد والاتيان بعناوين جديدة مختلفة، وعُرف برغبته بالدخول الى مناطق غير مألوفة في مساحات السرد، وطالما اثارت قصصه الجدل والنقاش حولها لما فيها من تفرد، كما ان محمد الكاظم جعل من القصة القصيرة منطقة لإيجاد مقاربة لقضايا تخص المضمر والمخفي والمقموع في التاريخ بلغة جديدة معتمداً تقانات تركيبية وتشكيلية وتصويرية وكولاجية منطلقة من وعي فني وقدرة تصويرية ورؤية فنية واعية. وأكد الفواز ان بعض قصص الكاظم اعتمدت على العبور الاجناسي وحطمت الحواجز بين الاجناس الادبية. مؤكداً اننا امام خلخلة واعية للأجناس الأدبية وهذه الخلخلة اعتمدت على وعي القاص بزمنه وبما يكتبه.
من جانبه قال رئيس نادي السرد القاص والروائي خضير فليح الزيدي ان تجربة محمد الكاظم تقوم على التجريب المستمر في فنون السرد، وهو شغوف بالبحث عن الجديد دائماً، مرسخاً مشروعه القصصي من خلال اعماله المتتالية واصفاً إياه بـ(رجل التجريب في القصة العراقية).
وخلال جلسة الاحتفاء التي شهدتها قاعة الجواهري في مبنى الاتحاد قال مدير الجلسة القاص والروائي رياض داخل، ان الكاظم كاتب متميز حصل على عدد من الجوائز المحلية والعربية في مجال القصة القصيرة كما كُتبت عن تجربته رسائل ماجستير وأطاريحدكتوراه ودراسات عديدة، وهو واحد من ألمع كتاب القصة القصيرة المعاصرين،وتمتاز نصوصه بالعمق ودقة الصنعة والاقتراب من الهم اليومي والاهتمام بالتفاصيل.
وذكر القاص والإعلامي المعروف محمد الكاظم ان مجموعته الأخيرة (كتاب العراقنامه، وبذيله مدونات الفرقة الناجية بالصدفة) تستحضر شخصيات الوراقين البغداديين القدماء وتقاليد الكتابة العراقية وتتعامل معها عبر أساليب السرد المعاصر، مانحة تلك النصوص ابعاداً رمزية تبحر بعيداً في فضاء السرد العربي لتصنع بصمتها الخاصة، فقد حوت المجموعة كتاباً افتتاحياً هو كتاب العراقنامه ثم تلته خمسة كتب أخرى متداخلة كل منها يحوي عدداً من القصص هي (كتاب مقاطع عرضية لذاكرة مستطيلة) وكتاب (قصص السواد الاشتراكية) وكتاب (مدونات وحيدة المتروك عن التاجر والثائر والمحتل والجائع واللوتي وعديم الانصاف) و(كتاب الزعباط) وكتاب (خيبة الظنون فيما كان وما يجب ان يكون، المعروف بكتاب مع الأسف)
ورغم تقسيم هذه المجموعة الى ستة كتب وامتداد زمن الحكي من القرن الأول للهجرة حتى انفجار الكرادة عام 2016، الا ان جميع قصص المجموعة كانت مرتبطة بالهم العراقي ومعاناة العراقيين مع الدكتاتورية والإرهاب ومواجهة الانسان العراقي للتحديات وقضايا العدالة الاجتماعية.
من جانبها رأت الكاتبة اشواق النعيمي ان اهم ما يميز هذه المجموعة القصصية هو تحررها من الشكل الكلاسيكي الموبساني(نسبة إلى موبسان) للقصة القصيرة الذي يبنى على ثلاثة أقسام هي البداية والوسط والخاتمة، فثيمات القصص تبدو مألوفة لكنها ارتبطت بأفكار عميقة جامحة ووظفت بأساليب يصعب حجزها داخل قوالب تقليدية، فجاءت على أشكال فنية حرص القاص على تنوعها، كل قصة وضعت داخل شكل مختلف لتبهر القارئ. كما ان الحكاية فقدت في بعض القصص مركزيتها من خلال فتح أكثر من مسار ومستوى، فصارت تتأرجح بين الوهم المألوف والوهم غير المألوف، بين السرد الذاتي والموضوعي، وبين الشخصية السردية والشخصية الميتاسردية
وفي مداخلته قال الناقد حمدي العطار ان كتابات محمد الكاظم تتعدد موضوعاتها واغراضها، الا ان هناك خيطاً رفيعاً يربط موضوعات كل مجموعة يقوم بإصدارها، وفي هذه المجموعة احتلت التفجيرات والهجرة وغياب العدالة الاجتماعية الحيز الأكبر.وفي تلك القصص يمتزج العقل بالجنون، والواقع بالخيال، والحلم باليقظة، وفيها الحس الساخر وعلى الرغم من جدية الأفكار فهي تصنع الابتسامة لدى القارئ حتى على أشد الأشياء مرارة في حياتنا.
كما ان القاص يقدم شكلاً جديداً من القصص، وان التجديد والتجريب قد أخذ مداه إن لم يكن تجاوز حده لتتحول القصص في هذه المجموعة إلى سيناريو سينمائى مستخدماً طرق كتابة السيناريو وصناعة السينما في القطع والنقل واللقطات الكبيرة واللقطات البعيدة والقريبة، كما امتازت هذه المجموعة على الأخص (كتاب العراقنامه) بطغيان المدى الشعري الفسيح الذي يرسم عليه القاص قصته، فضلا عن قدرة القاص على تحويل الكلام اليومي العادي إلى سرد قصصي جميل
من جانبها ذكرت الكاتبة زهراء ناجي ان القاص محمد الكاظم استطاع بمهارة ان يعبر عن القضايا التي شغلت العراقيين كالحرب والحصار والإرهاب بلمسات فنية مركزة مكتنزة بالمضامين، زيادة على بناء فني صارم، وتوظيف محكم للرموز فنهاك احالات الى رموز تاريخية وسياسية ودينية وصوفية.
وعن تلك المجموعة القصصية قال الناقد امين الموسوي ان قصة محمد الكاظم (كتاب العراقنامه) تريد العراق كما يشتهيه كل انسان حر، واقترب النص كثيراً من الاتجاه الصوفي مستحضراً الحلاج وكتاب الطواسين بلغة مكثفة شعرية جميلة حفل بها النص. حتى ان القارئ يستطيع ان يأخذ مقاطع في المتن او في الهامش ويجعلها قصيدة نثر من الدرجة العالية.
وذكر الموسوي ان الكاتب استخدم تقنية المتن والهامش بطريقة حداثية رائعة تقدم فيها الهامش على المتن، فالهوامش كان طافحة بعراقيتها الاصيلة. لذلك وردت أسماء عدد من مبدعي العراق كالسياب وداخل حسن وشخير سلطان ومسعود عمارتلي فكانت مقتبساتهم تبدو وِرداً يقرأه كل عراقي كما يقرأ الصوفيون اورادهم. ويصعب قراءة نص بهذا العمق والجمال من القراءة الأولى ويحتاج الى قراءات أخرى لنضع أيدينا على الابداع الذي أبدعه الكاتب.
وقال الناقد المعروف سعد السوداني الذي قدم دراسة مهمة عن تلك المجموعة ان "كتاب العراقنامة مجموعة قصصية ثرية ومترعة وغنية في مضامينها، ستلقى حتماً اهتماماً خاصاً من النقاد والباحثين في مجال السرد، ورأى السوداني أن تلك المجموعة "بلغت رسالة الكاتب ومشروعه بكفاءة وحرفية عالية"
ويعد محمد الكاظم واحداً من ابرز كتاب السرد المعاصرين وقد حازت نصوصه على اهتمام كبير من قبل النقاد والدارسين وحصلت اعماله على جوائز عديدة اهمها جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع وجائزة دبي وجائزة الشارقة وجائزة الابداع العراقي وغيرها.