حميدة أبو خميلة
المقبرة الفرعونية المزيفة في مصر لا تزال محور أحاديث جادة وأخرى تهكمية عبر كثير من المنصات، ففي حين أصدرت النيابة العامة المصرية بياناً رسمياً رصدت فيه تفاصيل الواقعة، وأمرت بسرعة ضبط وإحضار الجناة، فإن الفكرة نفسها تسيطر على المناقشات اليومية، فبعضهم ينتقد الاهتمام المبالغ فيه بصفقة آثار مزورة ويدعو الجهات المتخصصة إلى التوقف عن عمل "دعاية" غير مقصودة للمزورين، فيما كثيرون اختاروا تحليل الواقعة من منطلق آخر يتعلق بالتفكير الإبداعي واستغلال فنون النحت والرسم في الثراء السريع من طريق المتاجرة في الآثار المزورة بدلاً من تهريب الآثار الحقيقية التي تصل عقوبتها للسجن المؤبد. إدانة الخارجين عن القانون أمر لا جدل فيه، لكن البحث في ما وراء الحدث نفسه يستهوي الجمهور الذي تحدث عن طرق غير تقليدية، استخدمت فيها الموهبة الفنية للتحايل والتزييف من أجل الحصول على المال بطريقة غير مشروعة، وكأن الحكاية بأكملها تصلح لأن تكون دراما سينمائية أو تلفزيونية مسلية تنبه إلى حيل اللصوص التي تبدو بسيطة، لكن تنطلي على غيرهم، وتكاد تخدع حتى بعض المتخصصين.
ذكاء اللصوص
الجريمة التي ربما أثيرت في البداية كمزحة لا تزال تلقى أصداء، إذ اقترح بعضهم أن تتم الاستعانة بطريقتهم هذه في الإيقاع بمهربي الآثار، كما حظي التصرف غير المعتاد باهتمام الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصري مصطفى وزيري حين ذهب إلى الموقع ومعه فريق من الأثريين لفحص القطع التي جرى العثور عليها وتميزت بدقة التنفيذ والمحاكاة، فقد تضمنت المقبرة المبنية خلال عام سرداباً يقود إلى ثلاث غرف فيها تماثيل وتوابيت ونقوش على الجدران تشبه تلك التي يعثر عليها في المقابر الفرعوينة الحقيقية التي تعود لآلاف السنين.
وبالبحث تبين أن الموجودات جرى شراء بعضها من المحال التجارية المعروف عنها بيع التماثيل الفرعونية المقلدة للسياح بشكل مشروع، والآخر جرى صنعه والاستناد في تصاميمه إلى الكتب المتاحة أيضاً، إذ تم بناء التماثيل من مواد مثل الجبس والفايبر بهدف النصب على من يتاجرون في الآثار ويبيعونها بمبالغ باهظة، واشتبهت قوات الأمن بداية في حركة غير طبيعية في مكان يقع داخل إحدى قرى مركز الفشن الواقع بمحافظة بني سويف جنوب مصر، وبالمعاينة للبقعة التي تمتد لأمتار عدة تحت الأرض تم الاشتباه في أن المقبرة قد تكون أثرية فرعونية.
وبحسب ما جاء في جانب من نص بيان النيابة العامة "فإنها انتقلت لمعاينتها وصحبت معها لجنة مشكلة من وزارة السياحة والآثار، فأودعت اللجنة تقريراً أثبتت فيه أن جوانب الحفرة تحوي أسياخاً حديدية لتقويتها، وأن الرسوم المنقوشة على جدران الغرف الثلاث وما تحويه من تماثيل جميعها مقلدة وحديثة الصنع وغير أثرية".
التماثيل الأثرية المزيفة حيلة لطالما استخدمتها الدراما لأسباب عدة وفقاً للسياق، وقد يكون من أكثرها قرباً من الذاكرة ما فعله بطل مسلسل "طايع" الذي عرض عام 2018 من تأليف الإخوة الثلاثة محمد وخالد وشيرين دياب وإخراج عمرو سلامة، إذ يلجأ البطل الذي تخرج في كلية الطب، لكنه يختار الاتجار في الآثار الفرعونية وتهريبها في إحدى الحلقات إلى نهب "طايع" مقبرة بكاملها، ويترك بدلاً من القطع الأصلية قطعاً مطابقة لها ولكنها مقلدة بعناية ودقة تحير خبراء الآثار أنفسهم، ثم يكشف البطل الذي جسد دوره عمرو يوسف لصديقه الضابط عن موقع الكنز الثمين المكتشف كي يذهب للعثور عليه وينتزعه من أيدي اللصوص، لكن المفاجأة تحدث في ما بعد حينما تكتشف الشرطة أن المقبرة جرى إفراغها من التماثيل القيمة، وكل ما فيها نسخ مقلدة زُيفت على يد فنان محتال متخصص في التقليد والخداع.
اللص الذكي في خدمة الشرطة
حيل السارقين والمحتالين بشكل عام تجد مكانها دوماً على شاشات السينما والتلفزيون، إذ يقيمون نسخاً طبق الأصل من قطع فنية ووثائق منتجات متنوعة، ففيلم مثل "أمسك بي إن استطعت" (Catch me if you can)، المأخوذ عن قصة حقيقية، يكشف كثيراً من مواهب اللص المبدع فرانك أباغنيل الذي قدم شخصيته ليوناردو دي كابريو عام 2002 في فيلم حقق نجاحاً جماهيرياً ونقدياً وأيضاً على مستوى الجوائز.
العمل شارك في بطولته توم هانكس وأخرجه ستيفن سبيلبرغ، وتناول القصة الحقيقية للص عاش طفولة مضطربة، وكان يمتلك مهارة التزوير، فزيف شيكات وشهادات مهنية ووثائق علمية وتمكن من العمل كطيار ومحام وطبيب، وبعد مطاردات طويلة أمسك به مكتب التحقيقات الفيدرالي ولكنه أيضاً تمكن من الهرب، ثم سقط مرة أخرة في قبضة الشرطة، ولم يجد مفراً في النهاية من العمل لمصلحة الأمن باعتباره خبيراً في كشف محاولات التزوير، إذ ساعد في الكشف عن المحتالين وفقاً لخبرته وموهبته.
يعيش فرانك الآن مع عائلته ويكسب ملايين الدولارات جراء عمله في مساعدة المؤسسات على تصميم وثائق يصعب تزويرها، كما يعمل خبيراً في الأمن المصرفي مع الاستفادة من خبرته في عمل إيجابي ومفيد للأطراف كافة، وطوال الفيلم كان البطل يحظى بتعاطف الجمهور وتبهجهم مهاراته في الإفلات من العقوبة، وأيضاً في سرعة بديهته وحيله الواسعة باعتباره لصاً مبدعاً على رغم كونه ارتكب جرائم يعاقب عليها القانون.
السارق النبيل
تعاطف المشاهد مع المحتالين أمر متكرر، وفي حين قدم فيلم "لصوص لكن ظرفاء" 1968 لعادل إمام وأحمد مظهر وماري منيب قصة طريفة للصين يفشلان في تحقيق هدفهما في سرقة محل المصوغات الذهبية ولكنهما يحققان الكوميديا للجمهور، فإن اللص النبيل أرسين لوبين الذي جرى تقديم قصته أكثر من مرة يعتبر من أبرز اللصوص الظرفاء شعبية ونجاحاً في تنفيذ مهماته كذلك.
ومن أحدث الأعمال التي كانت مستوحاة من حكاياته وأكثرها نجاحاً المسلسل الذي عرضته "نتفليكس" على موسمين قبل عامين من بطولة عمر سي وحمل عنوان" لوبين" (Lupin)، إذ تضمن معالجة حديثة لألاعيب اللص الفرنسي أرسين لوبين الذي عرف من روايات الفرنسي موريس لوبلان كلص يساعد الضعفاء ويعاقب الفاسدين، وحقق المسلسل نسب مشاهدة قياسية على المنصة، وتضمن كثيراً من الأفكار والحيل التي بدت مضحكة في نظر متابعيه، ومن بينها تقليد المجوهرات واستخدام الأقنعة للإفلات من يد الشرطة، فالبطل أسيان ديوب يسعى إلى إثبات براءة أبيه الراحل من السرقة، وينتقم في طريقه ممن زجوا به إلى السجن مستخدماً حيل أرسين لوبين المستوحاة من القصص الكلاسيكية الشهيرة بطريقة طريفة وذكية تثير الإعجاب.
الدراما تلهم الواقع
المنتجات الزائفة والمقلدة كانت محور عدد من الأعمال الفنية، وقد يكون من أكثرها طرافة فيلم "الكيف" الذي كانت رسالته محاربة تعاطي المخدرات وإظهار مدى ضررها، إذ عرض العمل عام 1985 وسط موجة استمرت طويلاً من الأعمال التي كانت تواجه تفشي أزمة التعاطي، وكتبه السيناريست محمود أبو زيد وأخرجه علي عبدالخالق، وفي الفيلم جسد محمود عبدالعزيز شخصية جمال أبو العزم أو "مزاجنجي" الذي يفشل في الدراسة فيحترف الغناء الشعبي ويلجأ إلى تعاطي المخدرات، ويحاول شقيقه صلاح "يحيى الفخراني" المتخصص في الكيمياء إقناعه بترك هذا الطريق ولكنه يفشل، فيقوم بصنع تركيبة مغشوشة له من مخدر الحشيش تتضمن مواد عطارة غير ضارة، ولكن المفاجأة أن التركيبة تنال إعجابه وإعجاب أصدقائه فيأخذ معه الشقيق المستقيم إلى طريق الاتجار.