«الميتافكشن» في الرواية العربية
6-تشرين الثاني-2022
حسام معروف
أدت التغيرات السياسية والاجتماعية بفعل الحرب الأمريكية على فيتنام عام 1955، إلى تغير نظرة المجتمع والمفكرين نحو الرواية.
وظهرت إثر ذلك نظرية طموت الرواية"، إلى جانب تفكيكات جوهرية في طبيعة العمل الروائي، وهو ما أدى إلى ولادة مفهوم ما وراء القص "ميتافكشن".
ويخوض مفهوم "ميتافكشن" في طبيعة الصناعة الروائية لاكتشاف مفهوم مغاير نحو تطور الطبيعة البشرية، وهو الذي لم تستطع الرواية تحقيقه في تلك الفترة.
وتسهم دراسة "الميتافشكن" في إعطاء الرواية هويتها الخاصة، وتنقل العمل السردي من التحليل العمومي إلى ما هو خاص.
كما يهدف لالتقاط ذاتية العالم ومسوغاته من خلال اكتشاف الشكل والصورة وطبيعة السرد والحوار من خلال الشخصيات، عبر تخليق عالم متخيل.
هوية ذاتية للعمل السردي
وعبر اكتشاف أدوات "الميتافشكن" وتداخلاتها مع النص والحبكة، وطبيعة الشخصيات وأصولها الاجتماعية والفكرية، يمكن الوصول إلى الهوية الذاتية للعمل السردي، وتحليله على أساسه.
وظهر لأول مرة المفهوم من خلال مقال نشره عام 1970 الناقد الأمريكي والروائي صاحب التجربة الذاتية، وليم إتش جاص. وتضع عملية التخييل التي ينساق من خلالها الكاتب، ما بين ثنايا النص احتمالات جديدة للعالم، بحيث يخرج الشكل العام للموضوع المطروح عن الواقع الصلب الذي يعيشه الإنسان في يومياته.
اختزال : وانتقد الكاتب الفرنسي ميلان كونديرا، اختزال العمل الروائي في المخاطبة العقلية البحت من خلال جلب الواقع البحت لطاولة العمل الروائي.
وشدد كونديرا على أهمية التخييل في التحليل النفسي للطبيعة الإنسانية والتغيرات الاجتماعية المرافقة للحدث في العالم، وهو ما زاد من من زخم وجود "الميتافكشن" في السرد، وعزز من حضوره فيما بعد.
واقع جديد: وعربيًا، اتخذ الروائي الأردني إبراهيم نصرالله هذا النهج التخييلي "ميتافكشن" في روايته "أرواح كلمنجارو"، حينما اعتمد على الجانب الخيالي من خلال صعود مجموعة من الأطفال جبال يبلغ ارتفاعها 20000 قدم، متناولاً الإعاقات التي تطال الأطفال وتقطيع الأطراف الذي يخرجون به.
خلال تلك الرحلة الشاقة المحفوفة بالمخاطر، وفي الرواية يفتح الكاتب ذو الجذور الفلسطينية مسارات مختلفة من التأويلات والاحتمالات حول واقع القضية الفلسطينية، فتجسد الجبل كرمز ثابت خلال العمل السردي، يدلل على الصعاب التي يواجهها الإنسان عبر التجريب، ومحاولة صنع واقع جديد.
مستقبل متخيل: وحديثًا، اتخذ الروائي المصري طارق إمام نفس الطريقة في روايته "ماكيت القاهرة” من خلال استخدام البعد التخييلي، واستكشاف المستقبل لمدينة القاهرة المصرية، حيث أضاف من خلال نصه السردي، حيلا سردية لاكتشاف الواقع ونقده، عبر التنقل ما بين الأزمان المختلفة خلال عمله. وزادت تقنيات "الميتافكشن" من الطرق التي تمضي من خلالها موضوعية السرد، وانتقل من حتمية الواقع المقيدة، إلى مساحات أوسع للاحتمالات التي تمضي من خلالها الأحداث، وهذا الإسقاط من قبل إمام، فتح على بوابات جديدة لتحليل ونقد الواقع وإيجاد البدائل، عبر تجربة متخيلة. الشك: وتسير مفهومية "الميتافكشن" من خلال عدم التأكد، وعدم إمكانية تمثيل العالم اللحظي، لأن العالم في تغير مستمر.
وتتم مسيرة الشك داخل العمل السردي من خلال تكرار الأحداث لنفس الشخصية وفي كل مرة تكون نهاية الحدث مختلفة، أو معاكسة للمتوقع.
وطبقها كذلك الكاتب المصري أحمد مراد في "الفيل الأزرق" عبر تجسيد شخصية معقدة تمتلئ بالنمط الديستوبي الذي تمضي من خلاله الواقعية اليومية، فيذهب إلى احتمالات مختلفة حول مآل الحبكة السردية، توضح كيفية تفاعل الشخص المتخيل خلال السرد مع الواقع الذي يلامس كل شخص يقرأ العمل. كما وطبق الشك من خلال الأسئلة وفكفكة القناعات الكاتب الفلسطيني حسين البرغوثي خلال كتابه الروائي السيري"الضوء الأزرق"، واعتمد إخفاء صوت الشيء العادي خلال السرد، وعزز مشروعه بأسئلة مفاجأة تخص الواقع، وتشاكس الوعي البشري.
كما وصنّع البرغوثي من خلال التكوين السردي، الإجابات التي تودي للمكان الصادم، إذ يضع المقارنات بين الواقع الذي يريده ككاتب، وبين الواقع الذي أراده العالم.
لغة تحيل إلى أخرى: ومن ضمن تفسيرات "الميتافكشن" يظهر مفهوم الميتا لغة، حيث يتواجد في النص لغة تحيل إلى أخرى، فيمكن للصورة التي كتبت عليها اللغة خلال النص أن تعطي مدلولاً عاكساً لطبيعة مضاعفة للمعنى داخل النص.
ويجسد هذا الأداة الروائي المصري وحيد الطويلة في روايته "باب الليل"، حيث يضيف على لغته المزيد من التكريس السردي عبر الصورة السينمائية المكثفة، خلال رسمه المشاهد، وتصبح الصورة هي المساحة الجديدة التي يبتعد النص من خلالها نحو التجسيد، عبر تقنية المرسل والمتلقي، وتبدو أدوات السينما في هذا الإطار كمتخيل، شكلاً حداثياً، يعطي العمل المزيد من الحركة نحو مساحة إضافية، لم تكن لتحدث، لولا أدوات "الميتافكشن".
استقلالية اللغة:ويظهر الخطاب في "الميتافكشن" كمجمل لوعي اجتماعي ثقافي تراكمي، يمتد عبر التجارب والسنوات، وتناقل الموروثات خلال المجتمعات، وهو في مرحلة محددة يعبر عن صلب الهوية الاجتماعية لأي تكوين اجتماعي.
فيما تهدف رؤيته للتأكيد على استقلالية اللغة، باعتبارها كيانا اجتماعيا ثقافيا ينشأ عبر أدواته التي تربط بين العقول والحركات والسلوكيات التي تتمخض بين أفراد المجتمع الواحد، أو أفراد مجتمع آخر، عبر الحركات ونظرات العيون والابتسامات، وحركات الأيدي، وكذلك الصوت.