«شباك المنور» رواية تسائل ثقافة العنف ضد النساء
17-آب-2025

نشوة أحمد
تحفر فاطمة الشرنوبي في تاريخ موسوم بانتهاك الأنثى واستباحتها. وانطلقت تحوك بناءها السردي بخيطين متوازيين، أحدهما نفسي، غاصت عبره في أعماق النفس الإنسانية، استنطقت جراحها واستجلت انكساراتها، والآخر اجتماعي، اشتبكت من خلاله مع ثقافة ترسخ العنف ضد المرأة، ومجتمع يطبع مع قهرها.
وكما انفتحت الرواية على أجناس أدبية متنوعة كالشعر واليوميات والرسائل، عمدت الكاتبة إلى التنويع أيضاً في أسلوب السرد، إذ وزعت سلطة الحكي بين الشخصية الرئيسة، والراوي العليم، معتمدة نسقاً غير منتظم تجولت عبره بين لحظة راهنة في حياة بطلتها "رقية إسماعيل المندراوي"، وأزمنة سابقة على زمن السرد، استعادتها عبر تقنية التذكر والاسترجاع. فكانت عودة الأب بعد ما يقارب عقدين من الغياب، ومشهد جسده المسجى على سرير أحد المستشفيات مقيداً بالأصفاد، نقطة انطلاق في رحلة عكسية سلكتها نحو ماضٍ شهد طفولة البطلة/ رقية، ومراحل مختلفة من حياتها، لم تخل من ألم وقسوة، أسفرا عن روح معطوبة ونفس مأزومة وهوية متشظية.
وبينما منحت الكاتبة لشخصيتها المحورية، وبعض زميلاتها في المدرسة، هويات وأسماء معلومة، تجاهلت كلاً من شخصية الأم والأخت "س"، والأخ "ص". وحمل هذا التجهيل دلالات رمزية، وعبر عن الغياب العاطفي لأخويها، في حين اتسق تجهيل الأم مع حال القطيعة التي هيمنت على علاقتها بابنتها في غالب مراحل السرد.
غلفت الكاتبة سردها بغلالة من الغموض، تبدت في قسوة الأم الملغزة، وتجاهلها ابنتها الصغرى، وبدت كذلك في التعتيم على دوافع الأب للسفر، والدولة التي سافر إليها، والغرض من إقامته الطويلة فيها، وصلة ذاك الغرض بعودته مكبلاً بالأغلال. في حين لجأت للتلميح إلى مرجعيته الأصولية وانفعاله بالمجازر الدائرة – آنذاك - ضد المسلمين في البوسنة، لتحيل ضمناً إلى احتمالية انضمامه إلى صفوف أحد التنظيمات الجهادية. "أخيراً وصل جواب من الأب يفيد أنه لا يزال حياً يرزق، وينتظر من زوجته وأبنائه رداً يرسلونه على العنوان المدون... لا تتذكر رقية تفاصيل العنوان، ولكنها تتذكر مقطعاً طويلاً ينتهي بما تنتهي به أسماء دول عدة، ستان"، ص 61.
كذلك أحاط الغموض بالخبيئة التي حرصت البطلة على إخفائها منذ طفولتها، وظلت لغزاً بالنسبة إلى القارئ، أرجأت الكاتبة حله والكشف عنه، كما الحال في بقية الأحداث التي لفها الغموض، إلى مرحلة متأخرة من السرد. ودفعت عبر ذلك الغموض، وتلك الاستباقات، بجرعات من التشويق إلى النص. وضمنت استبقاء القارئ قيد رحلتها، التي تكشفت خلالها مفاجآت صادمة، وعمدت إلى كسر الإيهام ومخاطبته بصورة مباشرة في غير موضع من النص، مما أسهم في تعزيز حال الاعتراف والتواطؤ، ومشاركته في لعبة السرد. وفي المقابل عززت من تماهيه مع النص بفضل جاذبية البطلة، وما منحتها إياها من سمات غير نمطية، ولا سيما خلال مرحلة طفولتها ومراهقتها، إذ كانت فتاة كسولة، انطوائية، سلبية، غير مرئية، ضائعة، ملفوظة من عائلتها وزميلاتها.
سلسلة من الانتهاكات
عبر شخصية البطلة تعرضت الكاتبة لميراث من القهر، عادة ما تتكبده المرأة في المجتمعات الشرقية. ورصدت صوراً لما تتعرض له من عنف وانتهاك. فالأم التي كانت تصوب نحو ابنتها نظرات دائمة من الشك، لم تتوان عن التحقق من عذريتها، ودفعتها أفكارها ومفاهيمها عن الشرف، إلى ختان ابنتيها واغتيال أنوثتهما. أما الانتهاك الأقسى فتعرضت له البطلة حين قام ابن عامل المدرسة بالاعتداء عليها، والمفارقة التي ساقتها الكاتبة عبر تلك الأحداث، أن كل انتهاك واجهته البطلة كان صنيعة امرأة مثلها، فالتي انتهكتها بالكشف عن عذريتها امرأة، والتي قامت بختانها امرأة، حتى حادثة الاعتداء الجسدي عليها، كانت بتحريض من زميلاتها في المدرسة، إشباعاً لميولهن السادية ورغباتهن المنحرفة بالانتقام.
ولم تكن البطلة، الشخصية النسائية الوحيدة، التي استخدمتها الكاتبة لرصد ما تتعرض له المرأة من عنف واستباحة، فكانت "أنيسة" أنموذجاً آخر، وثقت عبره أشكالاً أخرى من العنف تواجهها النساء في مجتمعات أبوية، تسمح للأب بضرب ابنته حتى تبلغ صرخاتها بيوت الجيران وآذانهم، ويرتع فيها التنمر والسادية، ولا سيما خلف جدران المدارس، إلى حد يدفع طالبات صغيرات إلى الانتحار. كذلك كانت "أنيسة" إلى جانب البطلة وكذلك "فاتن" وشلتها، نافذة فتحتها الكاتبة للولوج إلى بقعة قاتمة ومظلمة داخل المؤسسات التعليمية، وسبيلاً طرقت عبره قضايا اجتماعية وتربوية ونفسية مثل العنف والتنمر والانهيار القيمي والأخلاقي ورداءة التعليم والتشوه النفسي لدى بعض المعلمات اللاتي يخلقن بدورهن أجيالاً مشوهة. "إحدى مدرسات أنيسة... أمرتها أن تقف في مقدم الفصل، وانهالت عليها سباباً ومعايرة بهيئتها ونسبها وحماقتها. أمرت أنيسة بأن تخرج لسانها، جعلت منها أراجوزاً خنوعاً ذليلاً منحط القدر، موضع سخرية من الجميع، ثم قامت من دون سابق إنذار بإطباق فكيها على لسانها، وانطلقت عاصفة من الضحك الخبيث"، ص 132.
وتطرقت الشرنوبي إلى قضايا أخرى مثل التشدد والعنف والتفكك الأسري وتردي المؤسسات الصحية والسلبية والغش والاحتيال والاغتراب وغياب الدفء وتراجع العاطفة. ووظفت رباعيات صلاح جاهين، التي نثرتها في مواضع متفرقة من النسيج، كي تؤدي دوراً يشبه دور الكورس في التراجيديا اليونانية، يتمثل في التعليق على الأحداث، ولا سيما أنها كانت تحمل المعنى الفلسفي نفسه، وتصطبغ بالمرارة ذاتها. وبهذا منحت السرد نبضاً موازياً، ومساحات تحفز التأمل، وأضفت عليه إيقاعاً بنيوياً أسهم في إنعاش النسيج.
تيمات وتناقضات
وكما كانت الحواس سبيلاً لاستجلاء ما يعتمل في دواخل البطلة، وظفت الكاتبة المونولوغ الداخلي لتحقيق الغاية نفسها، وكذلك الحلم الذي تنوعت أدواره بين تمهيدية، وتفسيرية تعكس هواجس الشخصية وأزماتها، كذلك لجأت الشرنوبي إلى استخدام التكرار في عبارة "أهكذا يحبني؟" التي ظلت تساور رقية وتعيدها إلى سؤال أبيها في طفولتها، عن رأيها في وضع حزام ناسف حول خصرها والاستشهاد، لتحيل عبر هذا التكرار، إلى الخلل الذي أحدثه الأب في نفس ابنته، وإلى مفارقة كبرى تكمن في تحول العائلة من ملاذ إلى تهديد. وتواطؤ الحب المفقود في البيت مع عالم قاس، يزهق كل يوم إنسانية الإنسان بلا رادع ولا رحمة.

لجنة مشتركة لتنظيم ضوابط الدعاية الانتخابية في بغداد
27-تشرين الأول-2025
مرصد يحدد أسباب تلوث الأجواء في بغداد
27-تشرين الأول-2025
العمال الكردستاني يعلن سحب جميع مقاتليه من تركيا إلى شمال العراق
27-تشرين الأول-2025
التعليم تعلن قبول قرابة 185 ألف طالب في الجامعات العراقية
27-تشرين الأول-2025
مؤشر القوة الناعمة لعام 2025: العراق في المرتبة الـ 97 عالميًا
27-تشرين الأول-2025
زيارة سورية لبغداد لإحياء خط أنابيب النفط كركوك - بانياس ما هي أهميته؟
27-تشرين الأول-2025
سباق مبكر بين «تقدم» و«عزم» وتحالفات جديدة تعيد رسم الخريطة الانتخابية
27-تشرين الأول-2025
بيانات ميتا: إنفاق 1.4 مليون دولار على الحملات الانتخابية خلال شهر
27-تشرين الأول-2025
مطار الموصل من «دولي» الى «رحلات داخلية فقط»
27-تشرين الأول-2025
اليونسكو: دورة تدريبية لتعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للصحفيات في بغداد
27-تشرين الأول-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech