آليات رقابة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية
5-تموز-2023
جميل عودة إبراهيم
تُدار أكثرية الدول بواسطة ثلاث سلطات رئيسة، وهي السلطة التشريعية؛ والسلطة التنفيذية؛ والسلطة القضائية. وتعد السلطة التشريعية هي السلطة الأولى في البلاد، كونها سلطة منبثقة عن انتخاب الشعب، ومفوضه منه، ومعبرة عنه إرادته. وللسلطة التشريعية واجبات محددة، أهمها تشريع القوانين، ومراقبة أداء السلطة التنفيذية.
والسؤال هنا ما هي الآليات التي يمكن للسلطة التشريعية أن تراقب من خلالها السلطة التنفيذية، وتحد من تغولها، أو تعديها على الدستور والقوانين، بما يعزز مفهوم سلطة القانون؟
ويمكن تعريف الرقابة البرلمانية بأنها (سلطة تقصي الحقائق عن أعمال السلطة التنفيذية، للكشف عن عدم التنفيذ السليم للقواعد العامة في الدولة، وتقديم المسؤول عن ذلك للمساءلة) وعلى ذلك، فإن الرقابة البرلمانية تستهدف التحقق من مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية وسلامة أعمالها، ومراجعتها إن أخطأت أو قصرت، ومحاسبتها. ويمارس البرلمان أعمال الرقابة وفق القواعد الدستورية التي تحدد نطاق هذه الرقابة وأدواتها ونتائجها.
وتتولى الدساتير مهمة تحديد أساليب الرقابة البرلمانية على إعمال السلطة التنفيذية والتي تختلف باختلاف طبيعة النظام السياسي في كل بلد، وتبدو الرقابة البرلمانية واضحة وجلية في النظام البرلماني وذلك لأنه يقوم على أساس المسؤولية التضامنية والشخصية للوزارة. مثال ذلك تطرق الدستور العراقي إلى اختصاصات مجلس النواب في المادة (61/ 1) التي من أهمها: تشريع القوانين الاتحادية، الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، تعيين المسؤولين في السلطة القضائية وتعيين السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة، والمسؤولين العسكريين والأمنيين.
وتتخذ رقابة السلطة التشريعية (البرلمان) للحكومة صوراً متعددة، وهي كما يلي:
1. الرقابة التشريعية عن طريق توجيه السؤال: يُعدّ السؤال البرلماني الوسيلة الأولى لمباشرة الوظيفة الرقابية للبرلمان على أعمال الحكومة، وهو حق مقرر لكل عضو من أعضاء البرلمان، يستطيع من خلاله أن يوجّه إلى أي من أعضاء الحكومة أسئلة، في أي شأن من الشؤون التي تدخل في اختصاصه. ويحق لأحد أعضاء السلطة التشريعية أن يوجه سؤالا مكتوبا ومحددا إلى السلطة التنفيذية، سواء لرئيس السلطة التنفيذية أو للوزير المختص، أو لرئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة أو المحافظ، يستفسر به عن موضوع معين، ويطلب حثياته، إذا ما كان هناك غموض أو شكوك في صحة ما صدر عن أحد أعضاء السلطة التنفيذية، مثل وجود شبهات فساد، أو مخالفة قانونية أو إدارية. ويلزم المستوضح منه بالإجابة عن سؤال السلطة التشريعية أو أحد أعضائها خلال فترة محددة.
2. الرقابة التشريعية عن طريق المناقشة العامة: طرح موضوع عام للمناقشة من طرق الرقابة البرلمانية لاستيضاح سياسة الوزارة بشأنه، حيث يكون من حق كل عضو من أعضاء المجلس تقديم طلب إحاطة حول موضوع معين للحكومة، وكذلك إلقاء بيان عاجل عن قضية عامة أمام المجلس.
3. الرقابة التشريعية عن طريق الاستجواب: الاستجواب هو مرحلة متقدمة من مراحل رقابة السلطة التشريعية على أداء السلطة التنفيذية، حيث يُطلب من رئيس السلطة التنفيذية أو أحد وزرائها أو مسؤوليها القدوم إلى السلطة التشريعية والاجتماع معها لغرض الاستيضاح منه عن الموضوع المطروح. والاستجواب هو نوع من المساءلة والمحاسبة النيابية. وبعد المناقشة تنتهي الأمور إما بالاقتناع بردِّ الحكومة وبموقفها الذي بررته، وقد يؤدي الاستجواب إلى سحب الثقة من الحكومة، ويكون ذلك بأغلبية أعضاء المجلس.
4. الرقابة التشريعية عن طريق التحقيق: قد تلجأ السلطة التشريعية إلى فتح تحقيق في قضية ما، تثير الشكوك والريبة، إلا أنه لا يملك الوثائق التي توفر له الحقائق المطلوبة التي سيستند إليها في أخذ القرار البرلماني، ويجري التحقق في العادة عن طريق تأليف لجأن برلمانية. وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة لا تتخذ قراراً بخصوص الواقعة محل التحقيق، بل يقتصر عملها على تقديم تقرير للمجلس النيابي متضمناً كافة البيانات والمعلومات حول الواقعة محل التحقيق، أما عن صدور القرار فإنه من صميم اختصاصات المجلس النيابي في ضوء ما أسفر عنه التحقيق.
5. الرقابة التشريعية عن طريق سحب الثقة: في الواقع يعد إجراء سحب الثقة من الوزارة أو أحد وزراءها نتيجة للممارسة السلطة التشريعية دورها الرقابي، ووصولها إلى نتيجة عدم الفائدة أو ترتب ضرر على وجود الوزارة أو أحد وزراءها، ولا يجوز عرض طلب سحب الثقة إلا بعد استجواب الحكومــة. فمثلا جاء
في المادة (61) الفقرة (ثامناً) من الدستور العراقي على: أن لمجلس النواب سحب الثقة من أحد الوزراء بالأغلبية المطلقة، ويُعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة، كما يملك المجلس بناءً على طلب خمس أعضائه وبالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بعد استجواب موجه له.