أزمة النظام السياسي
8-أيلول-2022
محمد عبد الجبار الشبوط
النظام السياسي العراقي يمر بل يعاني من ازمة خانقة، من بين مظاهرها الخارجية، وليس الجوهرية، عجز الطبقة السياسية للنظام عن تشكيل الحكومة، وشلل المؤسسة الدستورية الاساسية للنظام اي البرلمان، وعدم تمكن النظام من توفير الخدمات الاساسية للمواطنين بحدها الادنى، والفساد السياسي والاداري، وغير ذلك مما يعرفه ويعاني منه المواطنون.
ما ذكرت هو مظاهر خارجية قشرية لازمة النظام السياسي، اما جوهر ازمة النظام السياسي فهو الاختلالات الحادة في المركب الحضاري للمجتمع والدولة ومنظومة القيم الحافة بعناصره الخمسة، اي الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل.
وقد انعكس الخلل في منظومة القيم العليا على العناصر الخمسة المذكورة بشكل افرز الظواهر او النتائج السلبية المذكورة. ويمكن متابعة اثار الاختلالات على عدة محاور في مقدمتها المحور السياسي والمحور الاقتصادي والمحور الاجتماعي.
تمثلت الظواهر السلبية على المحور السياسي بالنزوع الى الدكتاتورية والاستبداد والسلطة المركزية وضعف النزوع الديمقراطي، والمؤسساتي، والدستوري، في مقابل تضخم النزوع الطائفي والعرقي، او المكوناتي بشكل عام، وتسرب الفساد الى المؤسسة السياسية.
وتمثلت الظواهر السلبية على المحور الاقتصادي بالاقتصاد الريعي، وعدم تعدد الموارد، وضعف المبادرة الاقتصادية على مستوى القطاع الخاص، فضلا عن تدهور القطاع العام، وانخفاض مستوى انتاجية المجتمع.
وتمثلت الظواهر السلبية على المحور الاجتماعي بالتقهقر صوب علاقات ما قبل الدولة الحديثة، وغياب او ضعف مفهوم المواطنة، و عدم فاعلية المجتمع المدني.
كما انعكست الاختلالات في منظومة القيم العليا على السلوك الفردي اليومي للمواطنين، وعلاقاتهم البينية، بما في ذلك ضعف رابطة التعاون، والايثار بين المواطنين، والعلاقة بالدولة.
مقابل هذه الاختلالات ظهرت جهود اصلاحية كثيرة ابتداء من محاولات حاكم العراق بعد سقوط بغداد عام ١٢٥٨عطا ملك الجويني انتهاء باحتلال مبنى البرلمان العراقي في هذا العام. لكن كل هذه الجهود محكومة بالفشل لانها لم تستهدف اصلاح الخلل الحاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة به، وانما استهدفت معالجة النتائج الظاهرية لهذا الخلل بما فيها الفساد المالي والسياسي والاداري. ولهذا لم يقدر لهذه المحاولات ان تسفر عن نتائج ايجابية على مستوى الاصلاح لأن المحاولات الاصلاحية نفسها كانت هي الاخرى مصابة بالخلل الحاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به.
ان النص القراني واضح الدلالة جدا في ان التغيير في البنى الخارجية والفوقية للدولة والمجتمع لا يمكن ان يتحقق دون تغيير البنى التحتية للدولة والمجتمع وذلك في قوله تعالى:"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". وعبارة "مَا بِأَنفُسِهِمْ" هي المحتوى الداخلي للمجتمع المكوّن من منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري للمجتمع. كيف يمكن للجماعة الاصلاحية التي تريد اصلاح المجتمع اذا كانت هي نفسها مصابة بالخلل الحاد في منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري؟! المصلح يصلح الدولة والمجتمع بافعاله واعماله وتصرفاته ومواقفه وافكاره. وكيف يتاح له ذلك اذا كان مصابا بالخلل الحاد في منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري؟ ليست المسألة مسألة شبيبة تبحث عن التعيين في دوائر الدولة، ولا مسألة مسؤولين فاسدين يتم استبدالهم بغيرهم، ولا مسألة نظام برلماني يتم استبداله بنظام رئاسي، ولا مسألة فقراء يأكل الجوع افئدتهم، او غير ذلك، انما هي مسألة خلل في قيم حافة بالمركب الحضاري ينتج الفقر والفساد وسوء الادارة والحكم وتردي الخدمات، و يجب اصلاح ما تعاني منه من اختلالات في مختلف المجالات والاصعدة. ومثل هذا الامر لا يتم بتظاهرات، ولا باحتلال مباني مؤسسات، ولا بمساعدات عينية او مالية تقدم للفقراء، ولا بغير ذلك من الاجراءات الفوقية والممارسات الشكلية التي لا تمس جوهر المشكلة، بل بمعالجة لب الازمة وهو الخلل الحاد في منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة.