أزمة تغير المناخ في العراق
4-أيلول-2022
الينا رومانوسكي*
لقد حظيتُ مؤخَراً بشرفِ اللقاء بفنانين عراقيين ممن تُصوّر لوحاتهم - والمعروضة في مقرِّ جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين - المناظر الطبيعية الزاخرة بالجمال في الـــعـــراق. وسلّط المعرض، الذي ضمّ عددا من الفنانات من النساء، الضوء على تنوع بيئة الـــعـــراق، بدءاً من وديانهِ الخضّراءَ شمالاً وانتهاءً بأهوارهِ المعشبة جنوباً. وانّ الرسالة التي تلقّيتها من الفنانين هؤلاء كانت واضحة تدلُّ على اننا يجب أن نتصرف حالاً لاتخاذ إجراءات بُغية حماية جمال الطبيعة هذا من خلال تناول مسألة تغيّر المناخ.
انّ تأثير انبعاثات الغازات الدفيئة التي يسببها الإنسان لا يقتصر على تغيير المناظر الطبيعية فحسب، كما أنها ليست مجرد مشكلة مرتبطة بالمستقبل وحده. إذّ قد أصبحت كلّ من درجات الحرارة الحارقة والعواصف الرملية الشديدة والجفاف المستمر اوضاعاً سائدة من شأنها ان تؤثّر سلباً على كافةِ جوانب الحياة اليومية للملايين من العراقيين. ومما لا شك فيه، فانّ عدم اتخاذ الإجراءات الفورية من قبل الحكومات في جميع أنحاء العالم - بما في ذلك الحكومة العراقية – سَيُفضي لتسارعِ وتيرة التغييرات هذه، الأمرُ الذي سيحوّل مناطق كاملة داخل المنطقة التي أُطلق عليها ذات مرة "الهلال الخصيب"، الى اراضٍ غير صالحة للسكن للأجيال القادمة.
لا يسعنا ان نسمح لهذا أن يحدث. إذّ ينبغي لنا أن نتّخذ إجراءات فورية بُغية الحفاظ على كوكبنا وحمايته، وانّ الولايات المتحدة ملتزمةٌ باتخاذ إجراءات هادفة في التصدي العالمي المُتّخذ إزاء تغيّر المناخ. حيثّ وقع الرئيس (بايدن) خلال هذا الشهر قانوناً تشريعياً تاريخياً يضمن أكبر استثمار على الإطلاق لِمواجهةِ أزمة المناخ، وهو استثمارٌ بقيمةِ (369) مليار دولار من شأنه ان يُسهم بالنهوض على نحوٍ كبيرٍ بكفاءة الطاقة ويُقلّل من انبعاثات الغازات الدفيئة. ويأتي التشريع المهم هذا، مكملاً لسلسلة الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الرامية لزيادة الطموح العالمي بشأنِ المناخ بقيادة المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون المناخ السيد (جون كيري).
ويمتدُّ نطاق الالتزام الدوليّ هذا ليشمل مساعدة الحكومة العراقية للتصدي لأزمة تغيّر المناخ. وفي هذا السياق، فقد قدّمنا للعراق من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدوليّة، دعماً تَضَمّن تمويلاً وخبرة فنية فضلاً عن الأنظمة اللازمة لمساعدتهِ على مواجهةِ تحديات المستقبل. وشمل ذلك الدعم تحسين قدرة العراق على إدارته لمسألة المياه والمساعدة في توسيع نطاق إمكانية الحصول على هذا المورد الحيوي لأكثر من عشرة ملايين عراقيّ. هذا وقمنا بالانضمام إلى مؤسّسات الاعمال التجارية العراقية والمدارس والمؤسسات الحكومية المحلية بدءاً من نينوى وانتهاءً بالبصرة سعياً لزيادة الوعي العام حول آثار تغيّر المناخ. كما قدمنا الدعم للحكومة العراقية لتطوير استراتيجية مناخية أمدها خمس سنوات تهدف لتحسين التواصل مع المزارعين بشأن التوقعات المناخية وللحدِ من الأضرار التي تصيب المحاصيل والتربة بالإضافة الى حماية الإمدادات الغذائية في الـــعـــراق من الأخطار التي تُشكّلها تقلبات الطقس غير المستقرة على نحوٍ متزايد.
اشعرُ بالفخر على وجهِ الخصوص إزاء جهودنا الرامية لمدِ جسور التواصل بين العراقيين والأمريكيين لكي نستلهم من تجاربنا لكون كِلا بلدينا يواجهان على حدٍ سواء تحديات تغيّر المناخ. وقبل أسبوعين، عاد أكثر من عشرين مسؤولاً عراقياً بعد أن اختتموا زيارة شَملت مواقع في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث التقوا بعلماء الهيدرولوجيا وغيرهم من الخبراء وتعرّفوا على كيفية تكيّف الولايات المتحدة مع تغيّر المناخ. وكما قال أحد المشاركين من العراقيين عن تلك الزيارة، فإن "المعرفة التي اكتسبناها ستُساعدُ العراق على استخدام مواردهِ المائية المحدودة على نحوٍ أفضل." وفي إطارِ خطة الطوارئ الرئاسية للتكيّف والقدرة على الصمود (PREPARE)، فإنّ الولايات المتحدة مُلتزمةٌ ببناء شراكات أقوى لتعزيز قُدرتنا الجماعية على التكيّف مع تأثيرات المناخ.
بطبيعة الحال تؤثّرُ أزمة المناخ على كل البلدان، وليس بمقدور أي دولةٍ حلّ هذه الأزمة بمفردها. ولحسنِ الحظّ، فقد انضمّتْ الحكومة العراقية إلى الجهود العالمية الهادفة للحدِ من الانبعاثات والتحول إلى الطاقة المُتجدّدة فضلاً عن تبنّي الممارسات المناخية الذكية. وبانضمام الحكومة العراقية إلى (اتفاقيةِ باريس) في العام 2021، فهي بذلك قد حدّدت هدف خفض الانبعاثات بنسبة (1) إلى (2) ٪ كجزء من أولِ مُساهمةٍ مُحدّدةٍ من ضمن المُساهمات المُحدّدة على الصعيد الوطنيّ (NDC). كما وانضمت إلى التعهّد العالمي بشأن غاز الميثان. وبينما تُبَشِرُ الولايات المتحدة بالالتزامات التاريخية هذه، فمن الضروري الآن للـــعـــراق أن يبدأ بالشروع باتخاذ التدابير اللازمة للوفاء بتلك الالتزامات. وبدورنا نحثُّ قادة العراق على الاستفادة من مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي (COP 27)، المزمع انعقاده في وقتٍ لاحق من هذا العام في مدينةِ شرم الشيخ في مصر، من أجل إعادة النظر في مُساهمات العراق المُحدّدة على الصعيد الوطني وتعزيزها فضلاً عن الاستثمار على نحوٍ حاسمٍ في المجال التكنولوجي والاستثماري الضروري لتحقيق الأهداف المُحدّدة.
إنّ مسألة خفض الانبعاثات في العراق قد تبدو صعبة. إذّ أنّ الضغط الاقتصادي للحصول على الطاقة الأكثر إطلاقا للكربون يمثل واقعاً مادياً، وربما في الشرق الأوسط أكثر من ايّ مكانٍ آخر. بيد ان هذا الهدف يبقى في متناول اليد والظروف الحالية لها المزايا التي لم يكن من الممكن تصوّرها في السابق بالنسبة للبعض. ومع ارتفاع أسعار النفط التي تولد تريليونات الدنانير من الاحتياطيات، فقد أصبح الـــعـــراق في وضعٍ أفضلٍ من أي وقتٍ مضى للاضطلاع بأعمال البنية التحتية والاستثمارات الأخرى التي ستكون حاسمة في الحفاظ على الموارد وتقليل الانبعاثات والتأثير على نحوٍ إيجابي على الحياة اليومية للملايين من العراقيين.
إنّ ظاهرة تغيّر المناخ غير معنيّة بالأحزاب السياسية أو الأيديولوجية. وبينما تتواصل المُباحثات حول تشكيل الحكومة العراقية القادمة، فإنّ هنالك شيءٌ واحدٌ واضح: هو أن قادة العراق وبغضّ النظر عن انتماءاتهم سيواصلون الجهود الهادفة لمواجهة حقيقة الحاجة المُلحّة لمدِ يد العوّن لمواطنيهم لغرض التكيّف مع مسألة احترار الكوكب والبيئة المعرّضة للضغوط. إنّ كُلّ فَردٍ من مئات المواطنين العراقيين، ممن التقيت بهم خلال الأشهرِ الأولى لي بصفتي سفيرة، يواجه ذات الحقيقة بغضّ النظرِ عن أعمارهم أو مكانهم أو دينهم.
لدى كُلّ مِنّا دورٌ نضطلعُ به بُغية أن نمنح أطفالنا وأحفادنا فرصة العيش في عالمٍ صامدٍ ومُزدهرٍ ومُنصفٍ خالٍ من الانبعاثات. ومن خلال ذلك، فإنّ عملنا لن يتمحّور فقط حول المحافظة على المناظر الطبيعية وحمايتها، المناظر التي جسدتها رسومات الفنانين العراقيين على النحو الأخاذ والتي تعتبر الإرث العتيق الذي يفتخرُ به كُلّ عراقيّ، بلّ وسَنُؤمِّنُ أيضاً كوكباً آمناً ومُستقراً وحيوياً للأجيال القادمة في جميع أنحاء العالم على حدٍ سواء.
• السفيرة الامريكية لدى العراق