إيران والسعودية.. وتغلب المصالح على التخاصم
18-نيسان-2023
حيدر الاجودي
تعتزم بكين انهاء سيناريو قصة سبع سنوات عجاف كانت مشحونة بالتوتر في العلاقات والتهديدات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في ايران، ليقول كاتب السيناريو كلمته الفصل بعودة العلاقات الثنائية بين المتخاصمين اللدودين في دولة تجمع الطرفان مصالح اقتصادية خاصة معها، وسط تحذر وترقب من قبل قوتين تراقبان الوضع خلف الكواليس هما واشنطن وتل ابيب.
فما الذي تغير؟، ولماذا قرر الخصمان ان يجتمعا اليوم؟، ولماذا كان اللقاء على بعد آلاف الاميال في بكين؟.
تعد المملكة السعودية ثاني اكبر منتج للنفط في العالم ويقدر انتاجها حوالي (10-12 مليون برميل يوميا)، وصاحبة ثاني اكبر احتياطات نفطية على وجه الارض تقدر بأكثر من 26 مليار برميل نفط، وللانتفاع بهذه الموارد لابد من تأمين عمليات استخراج النفط ونقله وبيعه، لفعل ذلك جاء تحالف الرياض مع واشنطن باتفاق سمي (اتفاق كوينسي عام 1945)، فالأولى تقدم النفط الذي يحرك الاقتصاد الامريكي والثانية تقدم السلاح والمساعدة الامنية لردع خصوم الرياض واهمهم الجارة ايران، فخدم التحالف مصالح طرفيه لعقود طويلة حتى تغيرت بعض الامور.
اكتشفت الولايات المتحدة الامريكية احتياطات نفطية جديدة ضخمة واصبحت اكبر منتج للنفط في العالم، ولم يعد الوفاء باحتياجات الرياض الامنية ضرورة ملحة، فبعد تعرض الرياض الى هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة في ايلول 2019 يعتقد انه من تدبير الجارة ايران استهدف منشآت نفطية حيوية في السعودية وعطل في وقتها نصف الانتاج السعودي، انتظرت الرياض رد الفعل الامريكي على هذا التعرض لكنه لم يأت قط!، من وقتها ايقن صانعو القرار في المملكة السعودية ان عليهم اعادة النظر في عقيدتهم الامنية فإن الولايات المتحدة لم تعد حليفا موثوقا تماما، من هنا جاء قرار المملكة بتنويع تحالفاتها العسكرية وبدأت بخصوم واشنطن الابرز، حيث وقعت على اتفاقية تعاون عسكري مع موسكو في شهر آب 2021 تبعتها اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مع الصين في شهر اب 2022، وبدأت بكين في مساعدة الرياض على تطوير منظومة الصواريخ الباليستية في المملكة العربية السعودية.
تمتلك ايران رابع اكبر احتياطي من النفط في العالم رغم ان انتاجها الحالي لا يتلائم مع قدراتها، فهي لا تعتبر السعودية العدو الحقيقي بحسب تصريحات الايرانيين، إسرائيل ومن ورائها امريكا هما العدو الاوحد لطهران، فأصبح الكيان المحتل قوة لا يستهان بها في المنطقة وخطرا يهدد ايران التي باتت مقتنعة انها لا يمكن مواجهته لوحدها، فهو يواصل استهداف انشطة النظام الايراني ومواقعه في سوريا ولبنان ويغتال العلماء الايرانيين حول العالم وفي داخل ايران نفسها، حتى انه يشن الهجمات العسكرية والضربات الصاروخية على المنشآت الايرانية داخل ايران كما حدث في هجوم اصفهان الاخير في كانون الثاني 2023، والاهم انه لم يعد كيانا منبوذا عربيا! بل يقيم عدة علاقات رسمية مع دول عربية بعضها جار لإيران تحت طائل علاقات عسكرية ودبلوماسية وامنية واقتصادية هدفها المعلن هو التصدي لإيران نفسها.
يحدث هذا في وقت يختنق فيه الاقتصاد الايراني من العقوبات الامريكية المشددة، ودون ذكر الاحتجاجات الداخلية المتكررة التي بلغت حد المطالبة بأسقاط النظام الايراني توجب على قادة طهران اعادة النظر بسياساتهم، فالسعودية والدول العربية خصوم يمكن التصالح معهم بعكس الكيان المحتل او الولايات المتحدة، ولهذا التصالح ربما يكون من ميزاته قد يثني بعض الدول العربية عن فكرة التطبيع مع اسرائيل وسيبطأ وتيرة العلاقات بينها وبين الدول المطبعة بالفعل خاصة اذا رأت هذه الدول بأن طهران لم تعد تشكل تهديدا.
يطلق على الصين بأنها مصنع العالم، فهي تعد اكبر مستورد للنفط عالميا يقدر بحوالي (10 ملايين برميل يوميا)، يساهم النفط السعودي والايراني معا الجزء الابرز في دعم الاقتصاد الصيني صاحب المصلحة الاكبر في استقرار امدادات الطاقة من الشرق الاوسط، فالصين لديها حضور مهم في المنطقة يتمحور حول التجارة والاقتصاد حضورها تعزز منذ انطلاق مبادرة الحزام والطريق الطموحة عام 2013، فطهران هي نقطة عبور محورية في طريق الحرير البري المار عبر اسيا الوسطى وغرب اسيا وصولا الى اوروبا، اما موانئ الرياض على البحر الاحمر فتقع على طريق الحرير البحري الممتد الى الموانئ الاوروبية عبر البحر المتوسط.
هذا الحضور الاقتصادي الكبير تلزمه دبلوماسية قوية تثبت بها بكين قدرتها على انجاز ما استعصى على واشنطن انجازه، تمثلت بتقريب العلاقات بين السعودية وايران معا وبإنجاز الاتفاقية بات طريق الدبلوماسية الصينية ممهدا في الشرق الاوسط اولا ليكون منطلقا لحل الصراعات في سوريا وليبيا واليمن التي لا زالت تنتظر من ينهيها، والتطلع الى توسط بكين بين روسيا واوروبا لحل ازمة الحرب في اوكرانيا.
تسير الاحداث وفق تغير بالقواعد الجيوسياسية والامنية في المنطقة وتغيرت معها المسلمات السياسية السائدة، فليس على السعودية وايران ان يكونا خصمين دائمين، فالأخيرة جارة منافسة للمملكة على القيادة الاقليمية ويشتركان في الكثير من المصالح اهمها استقرار اسواق النفط، فالبلدان معا يسيطران على نسبة 35% من احتياطات اوبك النفطية ولكليهما مصلحة في تأمين الامدادات واستقرار الاسواق النفطية، فيما تقف امامهم الولايات المتحدة يساورها القلق حيال الحضور الصيني في الشرق الاوسط الذي وصفته بالمنافس الاكبر لكنها ترحب به علنا بالمصالحة معه.
فهل سيصمد قطار المصالحة السعودي الايراني امام الخلافات الداخلية والتحفظ الامريكي والتخريب الاسرائيلي؟، ام أن العراقيل ستعيد الامور الى نقطة الصفر؟