بغداد - العالم 
في العدد 2689 من صحيفة العراق، والمؤرخ في 15 شباط 1929 كُتب مقالًا افتتاحيًا عن عمليات تنقيب الآثار في العراق، وعن تقاعس وزارة المعارف – المسؤولة حينها عن هذا النشاط – من تعريف العراقيين بما يقوم به المنقبون وما يجدونه، جاء في المقال: 
قدمت العراق أخيرًا  بعثة أميركية برئاسة الدكتور ارمون شيرا وقد قام رئيس هذه البعثة بأعمال البحث والتنقيب في آثار نينوى العاصمة الآشورية الشهيرة في ضواحي الموصل، قبل الحرب العظمة وقبل أربع سنوات وجاء يستأنق أعمال الحفر هذا العام. 
ولقد كان هذا الموسم من أزهر مواسم الحفر، إذ تشتغل في الحفريات في آثار العراق في المواضع المختلفة بعثات عديدة يزيد  عددها على سبع بعثات، وهي انكليزية والمانية وفرنسية وأمريكية ومن أمم مختلفة وتقوم باكتشاف عاديات على غاية الخطورة في تاريخ هذه البلاد القديم والدول والممالك التي قامت في وادي الرافدين من ذلك ما استخرج في كيش "الاحيمر" البعثة الفرنسية وما اكتشفته البعثة الألمانية في كنيسفون – قرب طاق كسرى – من آثار الكنيسة النصرانية من عهد الساسانيين. وما لقيته البعثة الانكليزية في أور الكلدان وبقية البعثات الاخرى في جهات غيرها. 
وكانت وزارة المعارف قد عنيت باستحداث منصب مدير فني لدار الآثار العراقية، وعينت له المستر سميث الأخصائي في الأثريات العراقية الذي كان يشتغل في المتحف البريطاني وإلى اليوم ولم يبلغنا أن هذا المدير الفني قدم وباشر بأعماله. 
ونود أن نلفت نظر وزارة المعارف إلى أنها مقصرة في هذا الباب تقصيرًا كبيرًا ومن النقص المعيب أن تشتغل في البلاد سبع بعثات أثرية ويزيد، وتلقى لقى مدهشة وعاديات خطيرة ثم يبقى العراقيون جاهلين كل شيء عن هذه الاكتشافات والحفريات ولا يعرفون شيئًا من تاريخ بلادهم القديم أو الحديث. 
وكنا قد انتقدنا مرات اُخر نقصًا آخر كبيرًا في الدوائر الدراسية عندنا وهو خلو البلاد من تاريخ عام يفي بحاجة الدارسين أو جمهور العراقيين. ولا تزال الوزارة المختصة ساكتة عن هذا النقص كأنه ليس مما يهمها أو هو من أعمالها الأساسية، مع إننا نعرف أن تدوين تاريخ عام للبلاد باسهاب وباختصار من الشؤون الأولية التي تفي بها الحكومات بمجموعتها، أي أن الحكومة نفسها فضلًا عن الوزارة المختصة واحدة لأن الموضوع من موضوعات القضايا السياسية الهامة المتعلقة بالقومية والدعاية الواجبة لها وهذه حكومة تركية جارتنا لا تغفل عن هذه المسألة الحيوية، وهي تظل تصدر الكتب المختلفة في تاريخ البلاد التركية.  ... أما عندنا في العراق، فليس بين الأيدي كتاب واحد في تاريخ العراق العام سواء كان مختصرًا أو مطولًا، لذلك نجد الطلاب والمثقفين وجمهرة الشعب أشد جهلًا بتاريخ بلادهم منهم بأي تاريخ آخر. وقد تعثر على أشخاص يعرفون تاريخ أوربا أو تاريخ الأمم الشرقية أو الغربية أضعاف ما يعرفون عن تاريخ بلادهم وأمتهم إذ كانوا يعرفون شيئًا عن تاريخ العراق.  فبجانب هذا النقص الواجب سده بالسرعة المستطاعة تهمل المعارف أخبار الاستكشافات الأثرية الجارية في البلاد، وتبقي الشعب في جهل مطبق عن تاريخ بلاده وحوادثها وآثارها القديمة أو الحديثة. 
ولا نعتقد أن المعارف يعسر عليها إطلاع الجمهور على نتائج الحفريات. فالوسائل الحديثة مسهلة كل شيء، فبوسع المعارف أن تفرض على كل بعثة أن تضع تقريرًا مفصلًا عن كل موسم للحفر تودعه نتائج أعمالها وتقوم هي بنشر هذا التقرير في اللغتين الأجنبية والعربية ومن مجموع هذه التقارير يطلع أبناء البلاد عامة والطلاب خاصة على نتائج التنقيب والحفر وما لقيه المنقبون، ثم هي فوق ذلك تكلف أعضاء البعثات من الأساتذة بإلقاء محاضرات في الموضوع بالتناوب عن حفرياتهم كما فعل لنكدن وولي مرارًا، وتجعل هذه الفريضة على كل من الأساتذة الذين يقومون بالحفر  وتنظم لهذا الغرض سلسلة محاضرات اسبوعية طول السنة في محلات مناسبة يستطيع أن يحضرها الجمهور وأن تتخذ التدابير اللازمة لترجمة المحاضرة إلى العربية ليفهمها الجمهور ولا يقتصر فهمها على العارفين باللغات الأجنبية. 
الاهتمام بهذه الشؤون المفيدة، يتوقف على أن تكون هناك دائرة خاصة في وزارة المعارف تشتغل بها، ومخال أن دائرة الآثار هي الدائرة الفنية المختصة التي يجب أن يلقي على عاتقها هذا العمل الجدي.  فهل نجد وزارة المعارف مصغية إلى اقتراح كهذا نكرره عليها اليوم، وقد سبق لنا ذكره ونحن نذكرها ولعل تنفع الذكرى.