التفسير الحضاري ما بعد التفسير الموضوعي
13-آب-2023
محمد عبد الجبار الشبوط

يُسجل للفقيه العراقي السيد محمد باقر الصدر (١٩٣٥-١٩٨٠) انه طرح في اواخر حياته منهجا جديدا في تفسير القران اطلق عليه اسم التفسير التوحيدي او الموضوعي للقران الكريم. وخلاصة هذه المنهجية ان المفسر يطرح موضوعا محددا على القران الكريم ليستخرج منه (اي من القران) الرؤية القرانية لذلك الموضوع. قبل ذلك يكون المفسر قد جمع الى نفسه ما انتجه الفكر البشري من قضايا متعلقة بهذا الموضوع. وبهذه المنهجية، كما يقول الصدر، يقوم المفسر بالتوحيد بين القران والتجربة البشرية التي يمثلها المفسر في عصره. وقد مارس الصدر هذه المنهجية في موضوعين فانتج الرؤية القرانية لموضوع سنن التاريخ، وموضوع عناصر المجتمع. ثم استشهد على يد الطاغية صدام الذي لم يتح له المجال لمواصلة مسيرته التفسيرية.
في ثنايا حديثة عن هذه المنهجية، قال الصدر ان المفسر التوحيدي او الموضوعي "وظيفته دائما وفي كل مرحلة وفي كل عصر ان يحمل كل تراث البشرية الذي عاشه، يحمل كل افكار عصره، ويحمل المقولات التي تعلمها المفسر في تجربته البشرية ثم يضعها بين يدي القران الكريم". ومثل هذا التفسير يمكن ان نطلق عليه صفة "العصري"، بما معناه ان يفسر القران من خلال ثقافة العصر التي يحملها المفسر. وهذا شرط ضمني في المفسر: ان يكون على اطلاع جيد على ثقافة عصره، وطبعا من ضمن هذه الثقافة الاسئلة التي يطرحها العصر. وبالتالي فان المفسر العصري يبحث عن اجابات قرانية لأسئلة العصر. ولما كانت ثقافة العصر تمثل روح العصر او حضارته العامة، جاز لنا ان نقول ان التفسير العصري هو تفسير حضاري، بمعنى انه استجابة لحضارة عصره وثقافته بما تحمله من افكار وفتوحات واسئلة ومشكلات. ومن هنا جاز لنا ان ننتقل خطوة اخرى في التفسير، من التفسير الموضوعي الى التفسير الحضاري، او بمعنى ان يكون التفسير الموضوعي تفسيرا حضاريا ايضا، بالمعنى الذي اشتققناه من صفة "العصري". المفسرون القدامى قاموا بهذا الشيء سواء عن قصد او عن غير قصد. فقد كانوا يفهمون ويفسرون القران من خلال ثقافة عصرهم، فهم يمثلون ثقافة عصرهم فيما كتبوه من تفسير للقران. ولما كانت ثقافة عصرهم والتفاسير التي انتجتها تمثل عصرهم او عصورهم، فلا ينبغي ان يتوقف فهمنا للقران، ونحن نعيش في عصر مختلف، عند فهمهم له وهم كانوا يعيشون في عصر او عصور مختلفة. لا يصح ان يكون فهمهم قيدا على فهمنا، ذلك ان العصر التالي يرفع سقف العصر السابق بما تضيفه البشرية من علوم وثقافات وافكار واسئلة ومشكلات جديدة. ويمكن ان نلمس ذلك على سبيل المثال من خلال ما كتبه وفهمه السيد الصدر لاية:"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"، او ما فهمه وكتبه السيد محمد حسين الطباطبائي (١٩٠٤-١٩٨١) في تفسيره الكبير "الميزان" لاية:"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ"، او ما يمكن ان يفهمه المفسر في هذا العصر لاية:"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ * أَفَلَا يُؤْمِنُونَ"، او اية :"وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا"، او اية:"وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا * ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ"، وكلها تتضمن حقائق علمية ما كان مفسرو العصور القديمة يملكون من المعلومات ما يمكنهم من فهم المدلولات العلمية لهذه الايات وامثالها. وهنا نقول ان القران ليس كتاب علوم فيزيائية او فلكية او بيولوجية او تاريخية، لكنه استخدم معلومات من مختلف المجالات في سياق دعوته الايمانية تاركا البشر فهم واستيعاب هذه المعلومات طبقا لثقافة عصرهم والكشف عن مدلولات هذه الايات العلمية عملا بقوله تعالى:"سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ". وهذا ما يقوم به المفسر المعاصر فيما نجيز لانفسنا ان نطلق عليه عنوان "التفسير او الفهم الحضاري للقران" للإشارة إلى الفهم الذي يعتمد على أسس الحضارة الحديثة والتطور العلمي. يمكن أن يشير هذا المصطلح إلى النهج الفكري الذي يستخدم الدليل والبرهان والمنهج العلمي في تفسير القرآن وفهمه. يركز هذا الفهم على فهم القرآن في سياق الحضارة المعاصرة، مع إيلاء اهتمام خاص للعلوم والتكنولوجيا والاجتماع والثقافة والقضايا الأخلاقية والبيئية. إن محاولة فهم القرآن على اساس التفكير العلمي في تفسيره وعدم الاقتصار على الفهم الغيبي يعكس رؤية حديثة ومتقدمة تجاه الدين والنصوص الدينية. بالتأكيد، يمكن تحقيق توازن بين الإيمان بالعلم والتفكير العلمي وبين الاعتقاد بالأمور الغيبية والروحية.
بقيمة تزيد عن 15 مليون دولار.. لوكهيد مارتن تبيع أنضمة دفاع جوي إلى العراق
5-أيار-2024
العراق يتذيل قائمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة
5-أيار-2024
مخالفات مالية افسادية في مؤسسات ودوائر حكومية بكربلاء
5-أيار-2024
الشمري يؤكد على نصب كاميرات ذكية في جميع المناطق
5-أيار-2024
وكيل وزير الثقافة والارشاد الإيراني يزور نقابة الصحفيين العراقيين ويشيد بالعلاقات الإعلامية المتطورة بين العراق وإيران 
5-أيار-2024
كركوك تصل إلى الإنسداد السياسي.. توقف الحوارات بين الكتل يعطل تشكيل الحكومة المحلية
5-أيار-2024
الأمن الوطني يضبط أكثر من 1.4 مليون حبة مخدرة مخبأة في لفافات قماش
5-أيار-2024
أبو ذر الغفاري.. السهم الاشتراكي
5-أيار-2024
المهاجرون في قلب حملات التضليل قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية
5-أيار-2024
تشافي يؤيد خطة تعاقد برشلونة الإسباني مع كلوب
5-أيار-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech