التقنيات المتطورة تستحضر روح إيفا كاسيدي في ألبوم جديد
28-آذار-2023
جيم فارير
في عام 1992، قبل أربع سنوات من وفاة فتاة تدعى إيفا كاسيدي لم تكن حينها مغنية معروفة، وقبل ثماني سنوات من تحقيقها شهرة عالمية بعد رحيلها، كانت إيفا تحلم بتحقيق هدف معين في مسيرتها المهنية. يقول كريس بيوندو، الموزع الموسيقي الأصلي لأعمال المغنية وزميل فرقة سابق لها: "كانت إيفا تحلم بأنها ستغني أمام أوركسترا كاملة... بالنسبة لها، كان هذا أعظم مقام يمكنك الوصول إليه كموسيقي".
في الواقع، كان هناك نموذج محدد يحتذى به في مشروعها المتخيل وضعته إيفا وكريس نصب أعينهما: ألبوم "لا ينسى" Unforgettable لـنتالي كول، وهو عبارة عن مجموعة من الأعمال ذات الشعبية الراسخة صدر في العام السابق وقدم دويتو غنائياً بين نتالي ووالدها الراحل نات كينغ كول في أغنية تحمل عنوان الألبوم بفضل العمليات السحرية التي تتم في الاستوديو. كان تمويل مشروع مماثل مستحيلاً بالنسبة إلى كاسيدي في ذلك الوقت، قبل نحو عقد من الزمن من إصدارها ألبومين غنائيين تصدرا قوائم المملكة المتحدة، وأغنية منفردة تصدرت سباق الأغنيات، وتسجيل بصوتها لأغنية "يا له من عالم جميل" What a Wonderful World للراحل لويس أرمسترونغ، وآخر لأغنية "حقول الذهب" Fields of Gold لـستينغ Sting تم الاستماع إليها 68 مليون مرة على منصة سبوتيفاي.
لنقفز بالزمن إلى عام 2023 - بعد أكثر من 25 عاماً من وفاة كاسيدي بسرطان الجلد بعمر 33 سنة – وها هو حلمها قد تحقق أخيراً. في الواقع، هناك تشابه غريب بين الطريقة التي تحقق حلمها بها وألبوم كول الكلاسيكي. في تشابه كبير مع "لا ينسى"، يمثل ألبوم إيفا كاسيدي "الجديد" الذي يحمل عنوان "يمكنني فقط أن أكون أنا" I Can Only Be Me، ما يشبه جلسة تحضير أرواح غنائية تمت خلالها مزج أصوات أصلية للمغنية الراحلة مع عزف أوركسترا لندن السيمفونية من خلال توزيعات فخمة جديدة وضعها الملحن كريستوفر ويليس.
على كل حال، من أجل جعل التسجيلات الجديدة مميزة حقاً، لم يقم ويليس ببساطة بإقحام عزف أوركسترالي على تسجيلات كاسيدي الكلاسيكية التي أحبها المستمعون، مثل أداءاتها المرهفة لأغنيات ألبوم "العصفور الشادي" Songbird لـكريستين ماكفي أو "مرة بعد أخرى" Time After Time لـسيندي لوبر. بدلاً من ذلك، استخدم ويليس وفريق عريض من المساعدين التقنيات الحديثة استخداماً معقداً واستعانوا قليلاً بالذكاء الاصطناعي، لاستخلاص صوت كاسيدي الأصلي وتنظيفه قبل استخدامه في توزيعات سيمفونية جديدة. تضع النتيجة غناءها القديم في مكان يعيد بالكامل تعريف مدى الأغنية ومعناها. يقول بيل سترو، الذي كانت شركة التسجيلات الخاصة به "بليكس ستريت" وراء النجاح الكبير المفاجئ لـكاسيدي في عام 1998: "لم تكن هذه عملية سهلة... كنت مدركاً للغاية لحقيقة أن إفساد الأمر سيكون سهلاً جداً".
يقول الموزع الموسيقي ويليس عن عمله الذي يصنف من حيث المبدأ كتعاون مع شبح: "أنت تصغي إلى صوتها وتحاول أن تفيها حقها... ثم تتذكر بين حين وآخر حقيقة أنك لن تراها تدخل عبر ذلك الباب وتعطيك ملاحظاتها". لم تكن هذه مشكلة جديدة بالنسبة لأي شخص مكلف تطوير إرث كاسيدي. يقول سترو إنه عندما وقع صفقة لأول مرة مع الجهة المالكة للحقوق الفكرية للمغنية لإطلاق أغنياتها بعد وفاتها بفترة وجيزة "سألني الأصدقاء "كيف ستعمل مع مغنية غير موجودة للحضور والأداء؟"، أجبت "سيكون الأمر على ما يرام. أعتقد أن لدينا أسطورة جاهزة هنا".
اللافت هو أن أحداً بالكاد اتفق معه حينها. لم تدرك أي شركة تسجيلات كبيرة موهبة كاسيدي الخصبة أو إمكاناتها عندما كانت على قيد الحياة. علاوة على ذلك، كانت تخوض معركة داخلية، ففي حين كانت كاسيدي تؤمن بشدة بموهبتها الخاصة، لم تكن لديها ثقة كبيرة في أن الآخرين سيقدرون صوتها الرقيق وشخصيتها المتواضعة. تذكر بيوندو، الذي كان أول شخص يتعاون مع المغنية، كيف ذهب هو وكاسيدي ذات مرة في عام 1996 إلى مصنع ناءٍ في مسقط رأسهما بولاية فيرجينيا لأخذ ألف نسخة من تسجيل حي لهما على أقراص مضغوطة وأشرطة كاسيت. يقول، "عندما ركبنا السيارة، فتحت إيفا صندوقاً وبدا عليها القلق الشديد... شعرت أنها لن تتمكن من بيع جميع النسخ. لن أنسى تعليقها أبداً "عندما أموت ويكتشفون ذلك، ستكون هناك صناديق كهذه في قبو منزلي"، ما كان لتوقعاتها للألبوم أن تكون أكثر دقة".
عززت تجربتها مع صناعة الموسيقى هذا الرأي. يقول بيوندو "كنا ندق رؤوسنا بالحائط، ونؤدي أغنياتنا في نواد ليلية صغيرة مقابل حفنة من المال أو بالمجان أمام قلة قليلة من الناس... لقد أزعجها الأمر".
في أوائل التسعينيات، أجرت كاسيدي مفاوضات مع مجموعة من شركات التسجيلات، لكن بيوندو يقول إنها لم تتعامل مع تلك اللقاءات بحماس كبير لسببين: أولاً، عدم اهتمامها بالشهرة، وثانياً، خوفها من أن يجبرها مسؤولو التسويق في شركات الإنتاج على تقليص خيارات المواد التي تود غناءها. ذات مرة، أعطتها تسجيلات بلو نوت ميزانية بقيمة 3500 دولار لتسجيل ست أغنيات. أحضرت ست أغنيات من ستة أنواع غنائية مختلفة الأمر الذي يعد منفراً قوياً لأي شركة، ثم تمكنت من الحصول على عقد جديد مع تسجيلات أبولو التي كانت تمتلك ترخيصاً من مسرح هارلم الأسطوري، وهي صفقة كانت ستسمح لها بالتخلي عن وظيفتها اليومية في مشتل للنباتات، لكن الشركة أفلست قبل أن تنجز أغنية واحدة. في محاولة لاستجماع قواها، قامت هي وبيوندو بتسجيل حفل وأطلقاه تحت عنوان "أداء حي من حارة البلوز" Live at Blues Alley كان عبارة عن إصدار مستقل لم تكن لديه فرصة كبيرة للوصول إلى عديد من المستمعين. بحلول وقت وفاتها، كان لدى كاسيدي 127 تسجيلاً جاهزاً للإذاعة، لقية دفينة يقر سترو بأنها كنز ثمين ينتظر أن يكتشفه العالم. حققت المجموعة الأولى التي أطلقوها "العصفور الشادي" نجاحاً سريعاً، بخاصة في المملكة المتحدة، حيث وصل الألبوم إلى قمة سباق الأغاني البريطاني بحلول عيد الميلاد في عام 2000 بعد أن عرضت "بي بي سي" تسجيلاً لنسخة كاسيدي الرائعة من أغنية "فوق قوس قزح" Over the Rainbow. منذ ذلك الحين، أصدرت "بليكس ستريت" Blix Street تسجيلات لـكاسيدي بعد إعادة ترتيبها وإعادة إصدارها وإصدار تلك التي لم تسمع من قبل، وباعت ملايين النسخ في هذه العملية. تمثل المجموعة الجديدة العملية الـ15 من هذا النوع، بينما يقول بيوندو إنه لا يعتقد أن بعض المجموعات تستحق أن ترى النور، لا شك لديه أبداً حيال التجربة الأوركسترالية الجديدة. بعد الاستماع إلى إعادة توزيع ويليس لتسجيلاته الأصلية، قال "أشعر بالتواضع".
كان سترو يفكر في وضع صوت كاسيدي ضمن لحن سيمفوني منذ أن سمع لأول مرة أداءها لأغنية "فوق قوس قزح" قبل ثلاثة عقود. يقول، "لم أستطع مقاومة السؤال "ألن يكون من الرائع وجود أوركسترا تعزف هذه الأغنية؟". بدأت فكرة تطبيق هذا الحلم في عام 2011 بمشروع تسجيل دويتو مع مايكل بولتون أنتجه ديفيد فوستر. من أجل هذا الألبوم، أقنع فوستر سترو بالسماح له بالجمع بين تسجيل جديد لـبولتون، وكذلك عزف أوركسترا، مع أداء قديم لـكاسيدي في إحدى أشهر أغنياتها "حقول الذهب". يقول سترو: "حتى والد إيفا أحب ذلك، مع أنه مستمع صعب الأرضاء".
متحمساً لتلك الفكرة، استعان بـفوستر وفريقه لتقديم مزيد من أعمال كاسيدي معادة الصياغة مع خلفية أوركسترالية، لكنه شعر في النهاية أن عملهم لم يضف تغييراً كافياً على التسجيلات الأصلية، بالتالي انفضت الشراكة. عثر على ويليس من خلال الموسيقى التصويرية عديدة التي ألفها وأصدرها فرع شركة "بليكس ستريت" في بريطانيا. في البداية، تعامل ويليس مع المشروع بتردد. يقول، "كانت هذه مجرد تجربة... لم يكن الأمر مثل تواصل شركة ضخمة معنا وقولها "هذا حلم يتحقق. اجعله ينجح!". كان الأمر أشبه بالقول "إذا لم ينجح، فسوف يختفي".
عنصر أساسي في صناعة الألبوم تمثل في التقنية الجديدة التي استخدمها بيتر جاكسون لأول مرة لإعادة تكوين الصوت المسجل للفيلم الوثائقي "ليكن كذلك" Let It Be عن فرقة بيتلز الصادر عام 1970، من أجل سلسلته الملهمة "عودوا" Get Back التي طرحتها شبكة "ديزني بلس" في عام 2021. شمل جزء من هذه العملية الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك يقول ويليس: "هذا يشعب المسألة فقط. أنت تلقن خوارزمية الجهاز بما تريد فعله قدر المستطاع، لكنه في بعض الأحيان يفسد الأمور".
لم تكن عملية التشريح الصوتي شاقة فحسب، بل كانت متعددة الجوانب. عمل أحد الفريقين على صوت كاسيدي، بينما عمل فريق آخر على الآلات الموسيقية المستخدمة في التسجيلات الأصلية التي سجل معظمها إما في استوديو بيوندو المتواضع أو في أجواء حية مليئة بقعقعة الكؤوس وثرثرة الحضور. يقول بيوندو عن بعض المواد التي كانوا يتعاملون معها "لا بد أنها كانت كابوساً. أتذكر تسجيل [الأغنية التي يحمل الألبوم عنوانها] "يمكنني فقط أن أكون أنا"، في غرفة صغيرة بجوار موقد مستعر لأن الوقت كان شتاء وكنا نتجمد... أنا متأكد من أنهم كانوا يشتمونني لاضطرارهم إلى التعامل مع ذلك الوضع!".
في الواقع، انتهى الأمر بالفريق الفني بحذف صوت معظم الآلات الموسيقية الأصلية للسماح لـويليس بالحصول على مادة خام جديدة يستطيع تشكيلها بنغماته الوافرة. تضيف النتيجة ألواناً سمعية مثيرة للذكريات تتفاعل بشكل وثيق مع صوت كاسيدي. بالنسبة إلى الأغنية الساحلية "والي والي" Waly Waly، يقول ويليس إنه تخيل "فوغان ويليامز و[كلود] ديباسي و[إدوارد] إلغار، المؤلفين الموسيقيين الذين كانوا مهتمين بالمنطقة الساحلية. تشير الأصوات المحيطة بصوت إيفا إلى طيور النورس والأمواج". من أجل تقديم نسخة جديدة من أغنية "أشجار باسقة في جورجيا" Tall Trees in Georgia الأسرة للمغنية بافي سانت ماري، ألغوا الغيتار الصوتي (أكوستيك) الأصلي المرافق لصوت كاسيدي. تكشف مؤلفة الأغنية سانت ماري: "لطالما شعرت بالفخر لأن إيفا أدت أغنية "أشجار باسقة" تماماً بنفس طريقتي، مترافقة بعزف الأنامل الرقيقة تلك وسرد القصة بتمهل، لكن من الرائع أيضاً سماع صوت إيفا مصحوباً بأوركسترا لندن السيمفونية! أنا أحب الألبوم!". أما عن رأيها بـكاسيدي كفنانة، فتقول سانت ماري: "إنها تغني مثل شاعرة غنائية. يبدو الأمر كما لو أن قصة الأغنية تحدث في حياتها".
من المفارقات أن اثنين من الفنانين الآخرين الذين لديهم صلة بأغاني الألبوم الجديد توفيا أخيراً: كريستين ماكفي التي كتبت ألبوم "العصفور الشادي"، وجيف بيك، الذي كانت نسخته من أغنية "استعدوا أيها الناس" People Get Ready التي منتجها مع رود ستيوارت في الثمانينيات، مصدر إلهام للنسخة الأصلية التي أدتها كاسيدي للأغنية. يبرز ارتباط العمل بالموت أيضاً في أغنية "مرة بعد أخرى" لـسيندي لوبر التي تشير قصتها إلى شخص يتحدث من العالم الآخر. بالنسبة إلى ويليس، هناك علاقة ضمنية بين توزيع الآلات الوترية الذي وضعه والفناء. يقول، "إذا ابتكرت لحناً من أجل الصوت حيث تصدح آلات الكمان عالياً، فهذا يثير التخيلات عن شخص يحلق ولم يعد موجوداً بعد الآن... تبدو إيفا وكأنها تتحدث إلينا بطريقة تجعلنا نشعر أنها قريبة جداً، لكن عندما تفكر في الأمر، فهي ليست قريبة على الإطلاق".
لم تؤد هذه الحقيقة الحزينة إلى خلق واحدة من القصص الخلفية الأكثر جاذبية في موسيقى البوب، بل منحت الجمهور أيضاً إحساساً خاصاً بالواجب. يشعر المعجبون أنهم من خلال الاستماع إلى كاسيدي ببساطة، يقومون بتصويب الظلم الجسيم الذي تعرضت له خلال حياتها. في الوقت نفسه يعتقد سترو أن الأمر لا يتعلق بالقصة الخلفية لإيفا بقدر ما هو متعلق بصوتها النقي "الذي يصيبك بالشلل". لأن الناس ما زالوا يكتشفون هذا الصوت، يعد سترو بمزيد من المشاريع المقبلة لكاسيدي، بما في ذلك عمل أوركسترالي آخر، لكن بالنسبة إلى بيوندو، هناك شيء ناقص دائماً. يقول، "أعلم أن إيفا تريد أن تكون الشخص الذي يتخذ القرارات... لسوء الحظ، لا توجد طريقة لتحقيق ذلك".
إنه يشعر بالأسف كذلك لأنها لن تكون حاضرة لتشهد على الاستمتاع الذي حصل بعدها. يقول، "لو أنها ما زالت على قيد الحياة، أعتقد أنها كانت ستحيي حفلات الآن في جميع أنحاء العالم أمام فرق أوركسترا... لا يمكن تجاهل حقيقة أن هذا ليس عادلاً".
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech