الجاسوس البريطاني الذي خطط لانقلاب 1953 في إيران
16-آب-2023
العالم - وكالات
قبل سبعين عاماً، كان مصير إيران معلقاً على المحك، عندما بدا أن الانقلاب الأميركي - البريطاني للإطاحة برئيس الوزراء المنتخب قد فشل. كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) مستعدة لوقف العملية، لكن ضابط استخبارات بريطاني يبلغ من العمر 28 سنة أصر على إكمالها.
ويسلط تقرير نشر في "غارديان" الضوء على حياة نورمان داربيشير، ضابط الاستخبارات البريطانية "أم آي6" ودوره في الانقلاب الذي نجح نهاية الأمر مع اعتقال محمد مصدق، الزعيم الذي كان يتمتع بشعبية في إيران لتأميمه حقل نفط تديره بريطانيا، وعودة الشاه إلى طهران.
مع سقوط مصدق عام 1953، استعادت بريطانيا مصالحها على المدى القصير، لكن الشاه أصبح "ديكتاتوراً مكروهاً"، مما مهد الطريق أمام ثورة 1979 الإسلامية وحالة العداء بين إيران والغرب المستمرة منذ ذلك الحين.
ويقول التقرير إن داربيشير نشأ في عائلة متواضعة في شمال إنجلترا وكان والده بائع خضار من ويغان. انضم نورمان إلى الجيش بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وجُند من قبل القوات الجوية الخاصة، وبسبب إلمامه اللغات ومنها الفارسية، أرسل عام 1943 إلى إيران، التي احتلتها كل من بريطانيا والاتحاد السوفياتي، لإبعاد الألمان عن حقول النفط ولإبقاء خطوط الإمداد المفتوحة على الجبهة الشرقية.
على مدار السنوات الثلاث والنصف الأولى من حياته في طهران كجندي، بدأ داربيشير في بناء شبكة اتصالات. وعام 1951 أصبح مصدق رئيساً للوزراء وقام بتأميم شركة النفط الأنجلو-إيرانية وطرد الدبلوماسيين البريطانيين في العام التالي، ما دفع لندن للتخطيط إلى التخلص منه.
وكُلف داربيشير وأحد مساعديه بوضع خطة لعزل رئيس الوزراء، والتي حملت الاسم الرمزي "عملية التمهيد" Operation Boot. لكن بعد انضمام الأميركيين إلى العملية في ربيع عام 1953، بعد انتخاب دوايت أيزنهاور، عدلت تسميتها إلى "عملية أجاكس" Operation Ajax، لكن الخطة ظلت كما هي إلى حد كبير.
وعندما انطلق الانقلاب في 15 أغسطس (آب)، سارت الأمور بسرعة. فشل بعض مدبري الانقلاب في الجيش في التحرك أو تظاهروا بالمرض. أصيب الشاه بالذعر وهرب في طائرة صغيرة إلى بغداد، وأشارت واشنطن إلى أنها مستعدة للتخلي عن الخطة.
لكن رفض داربيشير الاستسلام وبدلاً من ذلك أجرى اتصالات ودفع بأعداد كبيرة من بلطجية مدفوعة الأجر إلى شوارع طهران لمهاجمة أنصار مصدق وحلفائه من الشيوعيين في حزب "توده". وكان هذا كافياً لإقناع ضباط الجيش بالتدخل بعدما كانوا مترددين في دعم الشاه.
وحول نجاح الانقلاب داربيشير إلى الفتى الذهبي للاستخبارات البريطانية وبعد عقد من الزمان، كان نجمه لا يزال يرتفع. فقد كان في طهران يلعب دور صلة الوصل بين لندن والشاه ويعيش حياة ممتعة في منزل كبير في شمال العاصمة الإيرانية.
لكن حياته العائلية انهارت بعد مقتل زوجته (وأم أطفاله الستة) في حادث سيارة خلال سفرهما عبر جبال البرز، فيما نجا هو منه وذلك في رحلة زيارة لإحدى مراكز التنصت الإلكترونية البريطانية بالقرب من الحدود السوفياتية.
بعدها بسنتين، بدأ داربيشير بمواعدة امرأة أصغر سناً في قسم الاستخبارات بالسفارة، فيرجينيا فيل، وتزوجها في أبريل (نيسان) 1966 في حفل زفاف أقيم في السفارة ودفعت أجرته الاستخبارات البريطانية.
مع الوقت أصبح سلوك داربيشير أكثر اضطراباً، وبدأ يكثر من شرب الكحول ولم يعد يسيطر على تصرفاته. وبعد فترة وجيزة من عودة الأسرة إلى بريطانيا عام 1975، انفصل الزوجان، وانهارت مسيرة داربيشير المهنية في السنوات التي تلت ذلك. كان لا تزال لديه طموحات في الصعود إلى القمة، لكن سمعته باعتباره المتمرد الذي يكثر من شرب الخمر لم تسعفه، واستقال عام 1979.
وتوفي داربيشير في يونيو (حزيران) 1993 بنوبة قلبية، بينما كان يجز العشب أمام منزله. كانت مراسم دفنه إحدى المناسبات النادرة التي جمعت جميع أطفاله الثمانية معاً (أنجبت فيرجينيا فيل له طفلتين).
وتختم "غارديان" التقرير بالقول "بعد سقوط الشاه والثورة الإسلامية في إيران، لم يعد انقلاب عام 1953 يبدو كإنجاز كبير كما بدا في السابق، ولكن لا توجد دلائل على أن داربيشير غير رأيه [في الأمر]".
ففي مقابلة نادرة أجريت معه عام 1985، أصر نورمان داربيشير على أنه لو سُمح لمصدق بالبقاء، لكان الشيوعيون سيطروا في النهاية على حكومته، لافتاً "عندها كانت لتحقق روسيا ما تريده دائماً أي الوصول إلى موانئ الخليج".