بغداد – العالم 
تقف السياحة العراقية اليوم عند منعطف مفصلي، إذ يوفر الاستقرار الأمني النسبي الذي تعيشه البلاد فرصة نادرة لتحويل الكنوز الحضارية والدينية والطبيعية إلى رافعة اقتصادية حقيقية. وبعد عقود من التحديات، يطفو السؤال مجدداً: لماذا لم تحجز السياحة العراقية مكانها المستحق على الخريطة الإقليمية والدولية رغم ما تملكه من مقومات لا تضاهى؟
الباحثة في قسم السياحة هيام سامي أوضحت أن "واقع السياحة في العراق ما يزال أقل بكثير من مستوى الإمكانات الهائلة التي يمتلكها البلد"، مشيرة إلى أن الوضع الأمني الحالي يشكل "فرصة تاريخية" لإحياء هذا القطاع.
العراق يضم إرثاً حضارياً وإنسانياً فريداً؛ من بابل وأور وآشور، إلى مراقد النجف وكربلاء وسامراء، وصولاً إلى الأهوار في الجنوب والجبال والشلالات في إقليم كردستان شمالاً. غير أن ضعف البنية التحتية وغياب الاستثمارات الاستراتيجية والتسويق السياحي جعلت هذه الكنوز بعيدة عن الاستغلال الفعلي.
وترى سامي أن تطوير السياحة يتطلب إجراءات متوازية تشمل تحديث المطارات والطرق والفنادق، وتأهيل الكوادر السياحية، بالتوازي مع تسويق صورة جديدة للعراق كبلد آمن وحاضن للحضارة. لكنها شددت على أن "الأمر يحتاج إلى إرادة حكومية صلبة، وتعاون فعلي بين وزارات السياحة والثقافة والنقل والقطاع الخاص".
على الصعيد المؤسسي، أعلنت وزارة الثقافة والسياحة والآثار عن إطلاق مرصد عربي للسياحة المستدامة مقره بغداد، يتولى متابعة مؤشرات الأداء السياحي وربطها بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بما ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة 2030.
وقال الناطق باسم هيئة السياحة علي ياسين عبد الرضا إن المشروع لا يقتصر على جمع البيانات، بل يشمل إنشاء منصة رقمية عربية توفر معلومات آنية لصناع القرار والمستثمرين، إضافة إلى تخصيص جائزة سنوية لأفضل تجربة وطنية في تطوير الإحصاءات السياحية.
وأكد عبد الرضا أن توصيات الملتقى العربي الثالث للإحصاء السياحي الذي استضافته بغداد ركزت على "تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص باعتباره المستفيد الأكبر من دقة الأرقام وشفافيتها"، معتبراً الخطوة جهداً عربياً مشتركاً لتوحيد الرؤى وتطوير القطاع السياحي إقليمياً.
كما لفت إلى أن اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025 سيكون محطة تحول، تعكس رغبة العراق في لعب دور قيادي بصياغة السياسة السياحية العربية.
الرؤية الحكومية تتقاطع مع هذه التوجهات، حيث أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني خلال اجتماع موسع مطلع العام الجاري أن "السياحة يمكن أن تتحول إلى مصدر أساسي في الاقتصاد غير النفطي".
السوداني شدد على أن العراق يمتلك مقومات سياحية كبيرة، لكن المطلوب هو "استثمارها عبر مشاريع عصرية وصديقة للبيئة، تستجيب لتطلعات المواطنين والسياح الأجانب على حد سواء".
ولإضفاء طابع عملي، وجه السوداني دعوة لشركة إسبانية متخصصة في التطوير السياحي لإعداد مشاريع متكاملة وتدريب كوادر عراقية، بما يواكب أحدث الممارسات العالمية.