رعد كريم عزيز
تحتشد في لوحات الفنان مراد ابراهيم المدينة بمظهرها الخارجي الدال على ذكريات ضائعة مختلطة مع رموز حديثة معاشة واماكن معروفة وذات دلالات تقترب من الاجتماعي السياسي مثل نصب الحرية لجواد سليم والباص الاحمر بدلالته القديمة والحديثة ذات السمة الشعبية العامة . ومراد الذي بدأ مميزا منذ نهاية تسعينات القرن الماضي وحصده العديد من الجوائز حتى اشتد عوده واصبح مشاركا في الاردن والكويت وتركيا ودبي وتونس لما للوحاته من نكهة بغدادية جذبت العين التي تذهب بسرعة للالوان الحمر وضربات الفرشاة العريضة وحضور الانسان بقوة في اللوحة.وان اغلب اللوحات مليئة بالناس وكأنهم في مسيرة حافلة او تحت المطر وشخوص لوحاته هم من العشاق الهائمين في شوارع بغداد وحتى الفتاة التي تلبس العباءة فانها تلبسها بالطريقة البغدادية القديمة التي تظهر الكثير من ملامحها الانثوية ,وتبدو لوحة نزول الراكبة من السيارة من اللوحات التي تثير التاويل بطريقة انطباعية مؤطرة باسلوب تجريدي ولكنه قريب جدا الى الفهم مما يكسب العين ود المشاهد الذي تمسه الذكريات الغابرة ,وهذا ما اكسب الفنان مراد ابراهيم سمة تميزه عن غيره رغم منافسة الرسم بالكمبيوتر مضاف له الرسم بالذكاء الصناعي. ان المتتبع لمسيرة الفنان يجد انه فنان عضوي فهو احد مؤسسي المجموعة الحرة للفنون الجميلة وشارك في الذكرى الستين لمنظمة اوبك باكثر من لوحة في معرض  بغداد والذي اقامته وزارة النفط وسط احتفالية مبهرة وساهم كذلك في معرض القمة الذي اقامته وزارة الثقافة والسياحة والاثار العراقية عام 2025 .
ان المساعي الجمالية والالوان المبهجة وجمع اكثر من مشهد في لوحة واحدة اتاح له الولوج الى عالم الكولاج بدون خطوط حادة بل بانطباعية تمزج اللون ومن ثم تمسحه برفق وهذه الخطوة تقترب من عمل الشعر رغم ان التشخيص واحد من السمات التي تميز لوحاته ,فهو ان رسم ساحة التحرير في اشارة الى فوران شعبي فان اللون الاحمر يقترب من مشهد حريق وتختلط فيه حركة الاحصنة التي تريد ان تخرج من اللوحة باتجاه المشاهد ,وان عاد الى الناس فان اغلبهم يظهرون في حالة وجد وعلاقات وسط شارع ملون وكأنه ربيع لوني ,مما اتاح لفنه ان يكون مطلوبا للتعليق على الجدران لما يحمل من حميمية طاغية تسير في شوارع المدينة وسط حلم لوني يذكر بالماضي دون ان يبكي عليه. وتحفل اغلب اللوحات بالتصميم المتوازن لانه يهتم بالهيكلية العامة التي تتجسد بالكتل اللونية الكبيرة مثل الباص الاحمر وخطوط العبور والمأذن وحركة الكتل البشرية داخل الشوارع المفتوحة,حتى تختلط احيانا التراكيب فبدلا من يكون الانسان على الارض تجده في لوحة الباب الشرقي ونصب جواد سليم طائرا في الهواء,وتجد مكعبات شفافة تطير في فضاء اللوحة وكأنها قادمة من الفضاء الخارجي.
اننا ازاء فنان يحتفل بالحياة ومباهجها وهو يعيش بذاكرة بغدادية خالصة ورؤيا تحتفي بالجمال والرشاقة وكل شخوص اللوحة تسير خطاهم على خطوط العبور البيض في اشارة الى سلوك حضاري شفاف غير عجول او فوضوي.
وان ما اسميه التشويش اللوني اللذيذ باستخدام المسحة الانطباعية نقلت اللوحة من التعبير الواقعي المباشر الذي يظهر في اللوحات الواقعية التي ترسم المدينة ومظاهرها المميزة كما يفعل فن الفوتغراف بدون تدخل الى التعبير التأويلي الذي يشير الى الخيال الفني عند الفنان مراد ابراهيم لذا جاءت لوحته حافله بخلط الاماكن وهذه احدى والرموز البغدادية مثل نصب كهرمانة لمحمد غني حكمت ونصب جواد سليم او الرموز التراثية مثل ملوية سامراء  مشفوعة بالحضور الانساني المتحرك باتجاه الاخر لاقامة علاقة انسانية واضحة بين الرجل والمرأة. ويبدو في تجاربه الاخيرة اقرب الى انشاء لوحة تعبيرية دون الاشارة رموز بعينها او الاتكاء عليها ماعدا تكرار الشوارع والباص الاحمر والحضور البشري الذي يملأ المكان بحيويته داخل المشهد. والفنان المبتكر مراد ابراهيم يقدم رؤياه وفق رموزه الخاصة في المنطقة التي يشتغل عليها لتصبح لوحته تشير اليه بقوة دون غيره ليحجز مقعدا في المشهد التشكيلي العراقي الحافل بالعديد من البصمات وهذه مهمة ليست باليسيرة ولكن الفنان مراد ابراهيم استطاع ان يكون فنانا يشار الى لوحاته وفق اشادة نقدية واضحة.