بغداد – العالم
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، يعود إلى الواجهة الجدل القديم ـ الجديد حول إمكانية تبادل منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان بين المكونين الكردي والسني، في خرق محتمل لـ"العرف السياسي" الذي تأسس بعد عام 2003، والذي وزّع المناصب السيادية الثلاثة بين المكونات على نحو غير منصوص عليه دستورياً، لكنه أصبح عرفاً مستقراً: رئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة البرلمان للسنة، ورئاسة الجمهورية للكرد.
ويبدو أن تصريحات رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، التي أكد فيها "حق المكون السني في تولي منصب رئاسة الجمهورية"، قد أعادت إشعال النقاش حول هذا الملف، خصوصاً في ظل تحولات محتملة داخل التحالفات الانتخابية المقبلة، ومحاولات كل طرف تثبيت موقعه في ميزان القوى القادم.
القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني (اليكتي)، برهان شيخ رؤوف، يرى أن الحديث عن تبادل رئاسة البرلمان برئاسة الجمهورية "ممكن من الناحية الدستورية"، إذ لا ينص الدستور العراقي على تخصيص هذه المناصب لمكونات بعينها، لكنه يؤكد أن "العرف السياسي الذي ساد منذ عام 2003، ثم ترسخ مع كتابة دستور 2005، جعل هذه المناصب تُقسم على نحو ثابت بين المكونات الثلاثة".
ويقول شيخ رؤوف إن "أي تغيير في هذا التوزيع يحتاج إلى ظروف مختلفة تماماً، أهمها الاستقرار السياسي وتطبيق الدستور بصورة شاملة، وليس الانتقائية التي نراها اليوم"، مضيفاً أن "أكثر من 50 مادة دستورية لم تُطبّق حتى الآن، وهو ما يجعل الحديث عن تبادل الرئاسات أمراً صعباً في المرحلة الحالية".
ويتابع أن "تبادل المناصب السيادية قد يصبح ممكناً مستقبلاً عندما تُدار الدولة وفق معايير الاستحقاق الانتخابي والكفاءة والمهارة السياسية، لكن حالياً تبقى هذه الطروحات أقرب إلى الرسائل الانتخابية منها إلى المشاريع الواقعية".
ويضيف القيادي الكردي أن "رئاسة البرلمان تُعد موقعاً مفصلياً في العملية السياسية، كونها تتحكم بتشريع القوانين وتنظيم الجلسات ومناقشة الموازنات، ما يجعلها أداة تأثير كبرى في المشهد التشريعي".
أما الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي)، فقد أبدى رفضاً واضحاً وصريحاً لفكرة التبادل، وهاجم تصريحات الحلبوسي بوصفها "غير واقعية".
القيادي في الحزب هيثم المياحي يقول إن "حديث الحلبوسي عن رغبته في حصول السنة على رئاسة الجمهورية لا يتعدى التصريحات الإعلامية الموجهة لجمهوره، ولا يمكن أن يتحول إلى موقف سياسي قابل للتطبيق"، مضيفاً أن "هذه الطروحات لا تسمن ولا تغني من جوع، وهي جزء من المزايدات الانتخابية التي تتكرر كل دورة".
ويرى المياحي أن "رئاسة الجمهورية بالنسبة للكرد ليست مجرد منصب سياسي، بل تمثل قيمة رمزية ومعنوية ترتبط بدورهم التاريخي في العملية السياسية العراقية"، مشدداً على أن "المنصب سيبقى ضمن استحقاق المكون الكردي، ولا مجال للتفريط به".
ويشير إلى أن "الحلبوسي يكرر ما قاله سياسيون كثر قبله، لكن التجارب السابقة أثبتت أن المكون الكردي بقيادة مسعود بارزاني لا يتخلى عن استحقاقه، بل يعتبر رئاسة الجمهورية ضمانة لمشاركته الفاعلة في إدارة الدولة العراقية".
من جهة أخرى، يكشف مصدر سياسي كردي مطلع أن "حديث الحلبوسي عن تبادل رئاستي الجمهورية والبرلمان لا يمثل موقفاً موحداً للمكون السني، بل هو طرح فردي من زعيم تقدم يهدف إلى تحشيد انتخابي مبكر".
ويؤكد المصدر أن "الكتل السنية الأخرى لم تتبنَ هذا المطلب، ولا يوجد حتى الآن أي إجماع أو تفاهم بين المكونات حوله"، مبيناً أن "الظروف الدستورية تجعل تحقيق هذا السيناريو معقداً للغاية، إذ يتطلب انتخاب رئيس الجمهورية تصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب، وهو رقم يصعب تحقيقه من قبل أي مكون بمفرده".
ويضيف أن "تجربة الانسداد السياسي في عامي 2021 و2022، حين تعطل انتخاب رئيس الجمهورية لأشهر، تُظهر أن تغيير موازين المناصب السيادية أمر يحتاج إلى توافقات وطنية واسعة، وليس مجرد رغبات حزبية".
ويرى مراقبون أن تجدد الحديث عن تبادل المناصب بين السنة والكرد يعكس طبيعة المرحلة الانتخابية المقبلة، التي يتداخل فيها الخطاب الانتخابي مع الرسائل السياسية الموجهة للداخل والخارج.
وبينما يسعى بعض القادة إلى كسر الأعراف الراسخة منذ عقدين، يتمسك آخرون بتلك الأعراف باعتبارها الضمانة الوحيدة لاستمرار التوازن بين المكونات العراقية في ظل هشاشة المشهد السياسي.
وحتى الآن، لا يبدو أن هناك مؤشرات جدية على قرب تغيير قواعد اللعبة السياسية التي أرساها عرف ما بعد 2003، إلا أن مجرد طرح الفكرة، ولو على سبيل الجدل الإعلامي، يكشف عن تحولات تدريجية في وعي النخب السياسية تجاه ضرورة إعادة النظر في مفهوم "الاستحقاق المكوناتي"، لصالح معيار الكفاءة والانتخاب الشعبي المباشر في اختيار الرئاسات الثلاث.