تشكل المهرجانات الفنية والسينمائية واحدة من أبرز مظاهر الحراك الثقافي في أي بلد، فهي ليست مجرد عروض أفلام أو حفلات موسيقية، بل هي منصات للتواصل، والتلاقح الفكري، وإعادة تعريف الهوية الثقافية، خاصة في المجتمعات الخارجة من أزمات أو الباحثة عن ذاتها، كالعراق.
في السنوات الأخيرة، شهد العراق طفرة في إقامة المهرجانات السينمائية والفنية، من مهرجانات محلية شبابية إلى فعاليات دولية تستقطب صناع الفن من الخارج. هذه الظاهرة، رغم ما تحمله من زخمٍ وإيجابية، تحتاج إلى وقفة تأملية لفهم أبعادها، والكشف عن ما لها وما عليها.
فمن ايجابيات هذه المهرجانات السينمائي والفنية إحياء الحياة الثقافية اذ انها تعيد الروح إلى المدن العراقية، وتمنح الجمهور متنفسًا جماليًا بعيدًا عن الضغوط اليومية.
كما انها تسهم بدعم المواهب الشابة وتتيح الفرصة للفنانين والمخرجين الجدد لعرض أعمالهم والتعريف بأنفسهم، اذ ان تحفيز الصناعة السينمائية تؤدي الى التشيجع على الإنتاج وتبادل الخبرات، خصوصًا مع الورش المرافقة للمهرجانات.
اضافة الى اهميتها في إيصال صوت العراق للعالم من خلال المشاركات الدولية، يصبح الفن العراقي أداة دبلوماسية ناعمة، تعبّر عن المجتمع وتطلعاته.
كما لا تخلو هذه المهرجانات من سلبيات يمكن تشخيصها بسطحية وتنميط البعض منها والتي تنحرف نحو الشكل دون المضمون، فتتحول إلى استعراضات بلا قيمة فنية حقيقية، كما ان غياب المعايير المهنية عبر غياب لجان تحكيم متخصصة، يؤدي الى ان تصبح الجوائز مجاملات أو خاضعة لعلاقات شخصية، ومما لا شك فيه ايضا ان الاستيراد الثقافي غير الواعي احيانا عبر تقليد مهرجانات اجنبية دون مرعاة للبيئة الثقافية العراقية، يؤدي الى خلق فجوة بين الحدث والجمهور.
لا يمكن إنكار أن المهرجانات تعد نافذة للأمل وفضاءً للحرية، لكنها تحتاج إلى رؤية استراتيجية تجعلها أكثر احترافية وتأثيرًا. من الضروري دعمها مؤسسيًا، مع ضمان استقلال لجان التحكيم، والانفتاح على المبدعين خارج دائرة العلاقات.
في بلدٍ كالعراق، ما زال الفن فيه يقاتل ليكون أولوية، تُعد المهرجانات محطات نضال ثقافي. وإذا ما حُسن استثمارها، فستكون قوة ناعمة لا تقل أهمية عن أي مشروع تنموي.