مارك الموند
أثار تأكيد استخدام دبابات "تشالنجر 2" بريطانية الصنع داخل روسيا، كجزء من الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا في منطقة كورسك، موجة من المشاعر المعادية لبريطانيا في وسائل الإعلام الروسية.
من الواضح لماذا استحوذ استخدام الدبابات البريطانية على الاهتمام، ولكن بالنظر إلى الدعم الكبير الذي تتلقاه أوكرانيا أيضاً من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، فإن العداء غير المتناسب لوسائل الإعلام في موسكو تجاه المملكة المتحدة قد يبدو محيراً.
لكن متابعي التلفزيون الروسي يجدون أنفسهم كل ليلة تقريباً أمام نقاشات يقدمها "الخبراء" حول دور بريطانيا "الخبيث" ليس فقط في الصراع الحالي، ولكن على مدى قرون من مؤامرة ألبيون الغادرة ضد مصالح روسيا وسلامة أراضيها، حتى عندما كانت الدولتان متحالفتين ضد نابليون أو هتلر.
تجاوزت بريطانيا المعاصرة إلى حد كبير تاريخها الإمبراطوري وهي الآن أقل تركيزاً على الأحداث التاريخية التي شكلت هوية الأمة ذات مرة، فمن منا يتذكر حرب القرم التي اندلعت قبل مائة وسبعين عاماً، ناهيك عن التأثر بها؟
لم تنس روسيا ماضيها، على رغم أن ذاكرتها الرسمية انتقائية للغاية. بالنسبة إلى الروس، وكأن حرب القرم حدثت بالأمس. لم يكن استيلاء موسكو على شبه جزيرة القرم عام 2014 نقطة انطلاق لاستيلاء فلاديمير بوتين على بقية أوكرانيا بعد ثمانية أعوام، بل كان عودة إلى الماضي ليس فقط قبل منح خروتشوف شبه جزيرة القرم لأوكرانيا السوفياتية في عام 1954، ولكن قبل أن تصل القوات البريطانية إلى هناك عام 1854.
آنذاك، كان اللورد بالمرستون يأمل في تقسيم الإمبراطورية الروسية عبر تشجيع غير الروس على التمرد على القيصر. تضم روسيا اليوم عديداً من المجموعات العرقية نفسها من مناطقها الحدودية في شمال القوقاز إلى عمق أراضيها.
لة فقط من المنفيين والمتعاطفين معهم في الغرب يتوقعون حقاً انفجاراً داخلياً لروسيا متعددة الأعراق اليوم، مثل انهيار الاتحاد السوفياتي نفسه في عام 1991. ولكن ينظر إلى هذه الأحلام في موسكو على أنها تهديد من وجهة نظر المؤرخ الروسي الأكثر اقتباساً – فلاديمير بوتين.
ما قد يبدو "تاريخاً قديماً" بالنسبة لنا، شيء مضى وانتهى، هو مصدر إلهام لبوتين. تذكروا كيف برر غزوه لأوكرانيا بكثير من الخلفية التاريخية في صباح افتتاح الحرب في خطابه، أو إثارته وثائق عمرها قرون في مقابلته الطويلة الأخيرة مع تاكر كارلسون الشخصية الإعلامية البارزة والمعروف بتأييده للرئيس الأميركي ترمب.
لذلك فإن ضغائن بوتين التاريخية لها عواقب. هناك احتمال أن تتعرض بريطانيا لـ"الاستفزازات" التي لا ترقى لمستوى الحرب، من أجل "معاقبتنا" على دعم أوكرانيا بصورة علنية وفعالة.
يمكن أن تكون المملكة المتحدة هدفاً أسهل للإجراءات الانتقامية الروسية من أميركا "العدو الرئيسي"، لتوجيه رسالة غير مباشرة إلى واشنطن.
لدى بوتين عداء خاص مع المملكة المتحدة كمنافس إمبراطوري مخضرم لروسيا ولكن أيضاً كأول داعم أوروبي نشط لأوكرانيا بعد غزوه. تغدق وسائل الإعلام الروسية المديح على بوريس جونسون لإفشاله محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا في ربيع عام 2022 بعد أن أدرك الكرملين أن خطته الأصلية للاستيلاء على أوكرانيا قد فشلت.
القوات المسلحة البريطانية متهالكة للغاية. فجميع غواصاتنا الهجومية الست التي تعمل بالطاقة النووية موجودة في الميناء وتجري صيانتها - على مهل. كما يفتقر الجيش إلى الدبابات والعناصر. كما أن صواريخ كروز ستورم شادو التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني موجودة في أوكرانيا أو في طريقها إلى هناك.
والأهم من ذلك هو أن بنيتنا التحتية الحيوية غير محمية بصورة جيدة وغالباً ما تكون في حالة سيئة بالفعل. ويعد تسميم إمدادات المياه لثكنتين ألمانيتين أخيراً مثالاً على ما يمكن أن يحققه العملاء المعادون من خلال سكب كميات صغيرة من السوائل السامة في الخزانات.
تخريب كابلات الإنترنت البحرية البريطانية تحت البحر يمكن أن يتحقق من طريق حادثة "يمكن إنكاره"، تماماً كما قامت سفينة صينية بسحب مرساتها فوق وصلة الطاقة بين فنلندا وإستونيا، وهما عضوان في حلف الناتو، ولكنهما غير محميتين ضد "الحوادث".
يمكن للهجمات السيبرانية التي تضرب المستشفيات أو أنظمة النقل أن تلحق أضراراً اجتماعية واقتصادية من دون أن تترك بصمات روسية. وقد أظهرت عملية تبادل الجواسيس الأخيرة وجود "عملاء روس نائمين" في الدول الأوروبية. لماذا ليس في بريطانيا؟
قد تكون الحوادث الأخيرة مثل تخريب نظام السكك الحديد الفرنسية فائقة السرعة عشية الألعاب الأولمبية من عمل مجموعة يسارية راديكالية مستقلة ذاتياً، لكنها أظهرت كيف يمكن لعدد قليل جداً من الأشخاص الذين لديهم معرفة استراتيجية ومعدات بسيطة إلى حد ما أن يتسببوا في إحداث فوضى موقتة.
التنافس الطويل الأمد بين روسيا وبريطانيا يحمل خطر التصعيد إلى صراع أوسع. لمجرد أن بوتين قام بضبط نفسه في الماضي عندما تم تخطي "الخطوط الحمراء" الروسية لا يعني أنه سيتسامح مع الإهانات المتكررة إلى أجل غير مسمى. يمكن أن تؤدي محاولات التخريب أو الهجمات الإلكترونية الفاشلة إلى تفعيل الدفاع الجماعي لحلف الناتو بطريق الخطأ.
كان لدى بريطانيا أسباب قوية لدعم أوكرانيا منذ البداية، ولا تزال هناك أسباب وجيهة للاستمرار في دعم قتال كييف من أجل الاستقلال. ومع ذلك، تماماً كما افترضت روسيا بشكل خطأ أن أراضيهم "خارج الخريطة" كمكان للقتال الفعلي، لا ينبغي لنا أن نعتقد بسذاجة أن المملكة المتحدة محصنة من التهديدات المحتملة.