تصاعد تعاون القوى العظمى في الشرق الأوسط
4-كانون الثاني-2023
روس هاريسون
خلال اقل من عقد مضى، أظهرت مجموعة من القوى العالمية الكبرى الإرادة والإمكانية على العمل معًا من أجل الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. وهذه القوى الكبرى أدركت بأنه من غير المرجح ان تبقى الاضطرابات الاقليمية على المستوى المحلي، ويمكن ان تتحول بسرعة الى مشكلات عالمية في شكل ارهاب دولي، وموجات لاجئين، واضطرابات في السوق.
وبدأ هذا يحفز الولايات المتحدة وروسيا والصين واوروبا على تجنب صراعاتهم الشديدة والعمل بشكل تعاوني على العديد من مبادرات الشرق الاوسط. استكمال خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) عام 2015، والتي حدت من برنامج التخصيب النووي الايراني، أحد الامثلة العميقة، كما كان تأسيس المجموعة الدولية لدعم سوريا (ISSG). وعلى الرغم من ان الجهد المشترك الاخير لإنهاء الحرب الاهلية السورية قد فشل في نهاية المطاف، الا انه اظهر ان القوى العالمية يمكن ان تجد ارادة سياسية كافية لعمل معا نحو شرق اوسط أكثر امنا.
بحلول عام 2022، أصبح من الواضح ان مثل هذا التعاون بين القوى العظمى مجرد لحظة عابرة وليس اتجاها، لكن تدهور هذه الجهود بدأ قبل ذلك بكثير. على سبيل المثال ادى دخول روسيا في الحرب الاهلية السورية نيابة عن نظام بشار الاسد في عام 2015، الى تحريضها ضد الولايات المتحدة التي قدمت في وقت سابق داعما فاترا باعتراف الجميع لخصوم النظام. في المقابل، ادى الانسحاب المفاجئ لإدارة ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018 الى جانب حملتها " الضغوط القصوى" ضد طهران الى حدوث انشقاقات بين واشنطن واقر حلفائها الاوروبيون، كما حفز روسيا والصين على الميل بقوة نحو إيران والابتعاد عن الجهود الاميركية لاحتواء إيران.
كان الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 يمثل الانقلاب الرحيم فيما يرتبط بانهيار تعاون القوى العظمى في الشرق الاوسط مما ادى الى تأليب الولايات المتحدة ضد روسيا في الساحتين الاوروبية والشرق اوسطية. وفي الوقت الذي كان من الممكن ان تدفع فيه روسيا طهران لإعادة الالتزام بخطة العمل المشتركة، تحركت بشكل خطير نحو تحالف عسكري وثيق مع إيران.
في حين ان تداعيات انهيار النظام العالمي في الشرق الاوسط ستظهر على الارجح في عام 2023 ما بعده، فإن ما هو واضح ان عام 2022 هو بداية اعادة تكثيف التنافس بين القوى العظمى في الشرق الاوسط.
مع ذلك، ينبغي توخي الحذر بشأن الاستنتاج المتسارع لأنه سيبدو كأنه إعادة لمنافسة الحرب الباردة التي مضى عليها الزمن. الشرق الأوسط اليوم منطقة مختلفة عما كانت عليه عندما تنافست الولايات المتحدة هناك مع الاتحاد السوفيتي آخر مرة. لم تعد الدول الإقليمية ترقص على أنغام القوى العظمى، بل أصبحت مدفوعة بمنطق الديناميكيات داخل المنطقة، كما هو الحال في التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية، وتركيا وإسرائيل. وعلى الرغم من أن القوى العظمى لا تزال تلعب دورًا مهمًا، فان الفاعلين المحليين يتمتعون بقدر أكبر من الفاعلية والاستقلالية في العمل أكثر من أي وقت مضى.
هذا التمكين للجهات الإقليمية الفاعلة الذي رأيناه في عام 2022 جاء لعدة أسباب:
الاول: أقنع انسحاب واشنطن الفوضوي من أفغانستان وغزو روسيا لأوكرانيا دول الشرق الأوسط بأن من مصلحتهم التحوط بشأن تحالفاتهم بدلاً من التنازل عن السيطرة لمصلحة القوى الخارجية التي عانت سمعتها كشريك مسؤول وثابت. لقد رأينا ذلك مع حلفاء وشركاء الولايات المتحدة، مثل تركيا والمملكة العربية السعودية وحتى إسرائيل. ونرى أن إيران أكثر جرأة، وتشعر بثقة أكبر من أي وقت مضى في علاقتها مع روسيا بسبب اعتماد موسكو على الطائرات بدون طيار الإيرانية وغيرها من المعدات العسكرية في حربها في أوكرانيا.
الثاني، تعكس الصراعات في المنطقة اليوم، من إسرائيل وفلسطين الى الحروب الأهلية في سوريا واليمن، المنطق المحلي مثل مشاكل الحكم السيئ، وليس تصرفات القوى الخارجية وحدها. وفي الواقع، في كثير من الحالات، يبدو أن القوى العالمية تخلت حتى عن التظاهر بأنها قادرة على حل ما يبدو أنه صراعات مزمنة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
مع ذلك، غالبًا ما تحتفظ القوى العظمى الخارجية بخيار كابح. يمكن أن تؤدي الشراكة المتنامية بين موسكو وطهران إلى الفشل النهائي لعملية خطة العمل الشاملة المشتركة المحتضرة بالفعل، مما يؤدي إلى إنهاء رسمي للمرسوم السائد بين القوى العالمية المتمثل في "عدم إلحاق الضرر" في منطقة بالغة الأهمية للأمن العالمي.
مع الاقتراب من نهاية عام 2022، من المناسب الإشارة إلى فرصة واحدة محتملة وسط تقييم كئيب شامل. ربما تكون الحرب العدوانية الروسية غير المبررة ضد أوكرانيا قد أرست الأساس لإعادة تأهيل سمعة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وقوضت بشكل حاد مزاعم موسكو بأنها الشريك الأكثر وضوحًا واستقرارًا.
اعتمادًا على كيفية اندلاع الحرب في أوكرانيا، يمكن أن يكون عام 2022 لحظة فارقة في إعادة تأسيس الولايات المتحدة كوسيط وشريك إقليمي بلا منازع. ولضمان أن يخدم ذلك للولايات المتحدة بشكل إيجابي عام 2023، سيحتاج مسؤولو إدارة بايدن الى استيعاب أن الشرق الأوسط قد تغير وأن يدركوا أن القوى الإقليمية ستطالب بأن يكون لها رأي في كيفية تطور المنطقة في المستقبل.
عن معهد الشرق الأوسط - واشنطن