جمهور جنوب القاهرة يذوق «طعم الخوف» مسرحيا
19-آب-2025

يسري حسان
على بعد 280 كيلومتراً جنوب القاهرة قدمت فرقة بني مزار عرضها المسرحي "طعم الخوف" وأعادت من خلاله إحياء "السامر الشعبي"، وعلى رغم أنها فرقة هواة، فإن الممارسة والخبرات التي امتلكها أعضاؤها مكنتهم من تقديم عروض مهمة نالوا عنها عديداً من الجوائز في المهرجانات المسرحية المصرية.
في العرض المسرحي "طعم الخوف" تبدو الحكاية بسيطة ومسلية في مستواها الأول، وتناسب عامة الناس وتسري عنهم، أما مستواها الأعمق فيتسم بالذكاء والقدرة على تمرير أفكار جريئة من دون الاصطدام برقابة سياسية أو مجتمعية. العرض قدمته فرقة بني مزار (مدينة تتبع محافظة المنيا المصرية - 280 كيلومتراً جنوب القاهرة)، تأليف إبراهيم الحسيني، و إخراج غريب مصطفى.
لا تمتلك هذه الفرقة (تابعة لهيئة قصور الثقافة - وزارة الثقافة) مسرحاً تقيم عليه عروضها، لذا فهي تستعين في تقديم مسرحياتها بقاعة في إحدى المدارس أو ساحة خالية أو أي مكان مفتوح، وقدمت عرضها هذه المرة داخل ساحة تابعة للوحدة المحلية للمدينة. وربما أتاح عدم وجود مسرح لهذه الفرقة الفرصة لأعما الخيال وتحقيق مقولة "الحاجة أم الاختراع" وتقديم عروض أقرب إلى الشعبية واختيار نصوص تلامس هموم الناس هناك بصورة مباشرة، من دون التقيد بالتقاليد المسرحية الراسخة، بخاصة أننا أمام ممثلين هواة لهم وظائفهم وأعمالهم بعيداً من المسرح، وعلى رغم ذلك، أو ربما بسببه، صارت الفرقة واحدة من أشهر الفرق المسرحية المصرية، وحصلت على عديد من الجوائز في المهرجانات والمسابقات المحلية، فالعمل بروح الهواية، وبهدف المتعة فحسب، وبعيداً من حسابات المكسب والخسارة، كثيراً ما ينتج أعمالاً جيدة.
تجريد الزمان والمكان
في زمان ومكان غير معلومين تدور أحداث المسرحية، وهذا واحد من مظاهر التقية التي تسمح للعرض بتناول قضايا شائكة من دون إثارة مشكلات مع هذه الجهة أو تلك. يحدث خلاف بين جابر القماح (إبرام نادي) وزوجته مريم المزهرية (مارتينا جرجس) حول مصير القمح الذي يزرعه جابر، هو يريد أن يبيع نصفه ويحتفظ بالنصف الآخر للبيت، بينما تريد هي بيع المحصول كله. خلاف عادي بين زوجين حول طرق تسيير الحياة، يذهب جابر على أثره إلى والي المدينة (خالد شعبان)، ذلك الوالي الفاسد والمولع بالنساء (جاءت ملابسه لتصوره وكأنه أحد المهرجين) يعلم من مساعده أن زوجة جابر جميلة فيقرر أن يحظى بها لنفسه، ويصدر أوامره بسجن جابر، ويوهم زوجته بأن زوجها مصر على طلاقها لمخالفتها رأيه، وعلى رغم الإغراءات الكثيرة التي يقدمها هذا الوالي للزوجة الفقيرة، فإنها تأبى أن تسلمه نفسها.
يستطيع جابر الهرب من السجن بواسطة حاجب الوالي (عبدالله ياسر)، ويذهب إلى السلطان (خلف شحاتة) ليشكو له ظلم وفساد هذا الوالي، يتعاطف معه السلطان في البداية، ويقرر عزل الوالي وإعادة الحق إلى جابر، لكن وزيره (علي سيف) يقنعه أن ذلك سيضر بمصالح الولاية، وأن الوالي له شعبية، وربما سبب عزله ثورة الأهالي، فضلاً عن أن الحاجب الذي قام بتهريب جابر يعد خائناً يجب إعدامه، كل ذلك من أجل الحفاظ على الدولة وأمنها.
يقتنع السلطان برأي وزيره، ويتم إعدام الحاجب بواسطة السياف (يوسف إيفونا)، وهو ابن عمه، لكنه يضطر إلى تنفيذ حكم الإعدام رضوخاً لأوامر السلطان، وإلا نال هو الجزاء ذاته، وذلك إمعاناً في تصوير القهر الذي يتعرض له مواطنو الدولة، كما يتم إيداع جابر السجن لتضيع العدالة في هذه الدولة، ولا ينتصر الخير على الشر كما يحدث في نهايات الحكايات الشعبية، بل ينتصر الشر.
لعبة ذكية
في نهاية العرض قدم المخرج لعبة ذكية، حيث استبدل الممثلون بملابس التمثيل ملابسهم العادية، ووضعوا ملابس التمثيل على الأرض أمامهم، وكأنهم يؤكدون على تماس الحكاية مع راهنهم، ثم جاءوا بقطعة قماش بيضاء كبيرة نصبوا منها خيمة أولاً، ثم أزالوا عمودها لتسقط فوقهم وتتحول إلى كفن يلفهم جميعاً، وكأنه يخبرنا بأنه لا حياة من دون عدالة، وأن غياب العدالة هو الموت بعينه.
ولأننا بصدد مسرح شعبي يتوجه إلى جمهور عام، ويسعى إلى اجتذابه، فقد تضمن العرض مجموعة من الأغاني (أشعار محمد سيد عمار، وألحان مدحت نظير) لا كحيلة أو كمصدر جذب فحسب، ولكن كعنصر فاعل في دراما العرض، كفاه مساحات من الحوار، وأسهم في تعميق مغزى العرض، فضلاً كذلك عن مجموعة من الاستعراضات (تصميم صابر السيد) التي راعت طبيعة العرض وطبيعة البيئة المحافظة التي يتوجه إليها. في مكان كهذا غير معد ليكون مسرحاً لا مبرر لوجود قطع ديكورية ضخمة أو حتى ثابتة، استخدم المصمم (محمد شعبان) مجموعة من البانوهات المتحركة على عجل، ليشكل منها قاعة عرش السلطان وقاعة حكم الوالي والسجن ومسجد المدينة، وذلك كله بتغيير وضعية البانوهات لنعرف أين يدور هذا المشهد أو ذاك في أسلوب رمزي يتوافق مع المنهج الذي تبناه المخرج.
الممثلون جزء من الجمهور
لا كواليس هنا، ونحن بصدد لعبة، ولذلك جاء جلوس الممثلين وهم خارج المشهد، وسط الجمهور الذي أحاط منطقة التمثيل من جهات ثلاث، حتى إذا جاء مشهد هذا الممثل أو ذاك غادر موقعه إلى ساحة التمثيل، وهي طريقة تؤشر إلى أن هؤلاء الممثلين جزء من الجمهور، مما يعمق من نقاط التماس بينهم وبين الجمهور، بخاصة أن هؤلاء وهؤلاء أبناء مدينة واحدة يكاد سكانها يعرفون بعضهم بعضاً، كل باسمه والعائلة التي ينتمي إليها.
ضم العرض مجموعة كبيرة من الممثلين متفاوتي المواهب والأعمار، لكنهم شكلوا معاً فريقاً متجانسا يعي كل فرد فيه مهمته داخل العرض، بخاصة أننا في مثل هذه النوعية من العروض لا ننتظر أداءات تمثيلية عالية ومتقنة، بقدر ما ننتظر أداء جماعياً يفي بالغرض، ولا يصرفنا عن متابعة الحكاية الرئيسة، وهو ما قدمه بصورة جيدة أحمد الكاس ويوستينا هاني وساندي هاني ويوستينا يعقوب وشاهندا سامي وفتحي عبدالجيد ومحمد عبدالحكيم وعبدالرحمن علي ويوسف محمد وبسام علي وماهر مايكل ومريم مدحت، وداد.
تعيد هذه النوعية من العروض فكرة السامر الشعبي التي كانت سائدة في القرى والنجوع المصرية، ذلك الذي كانت تغلب عليه التلقائية والبساطة، وربما السذاجة في بعض الأحيان، لكننا هنا بصدد عرض مسرحي أكثر انضباطاً وأكثر وعياً وذكاءً، يقدمه هواة نعم، لكنهم بالممارسة امتلكوا الخبرة الكافية، التي مكنتهم من استعادة شكل مسرحي قديم، وتفجير طاقاته، وتجديده من داخله، باعتبار أن الشكل لا يموت، سواء في المسرح أو الشعر أو الرواية، أو أي من الفنون والآداب، لكنه يفتقد ذلك الموهوب الذي يأخذ بناصيته ويعيد إحياءه، واعياً إلى المياه الكثيرة التي جرت في النهر، حتى لا يكون غريباً وسط أهله، ومصدراً لسخريتهم وتندرهم.

لجنة مشتركة لتنظيم ضوابط الدعاية الانتخابية في بغداد
27-تشرين الأول-2025
مرصد يحدد أسباب تلوث الأجواء في بغداد
27-تشرين الأول-2025
العمال الكردستاني يعلن سحب جميع مقاتليه من تركيا إلى شمال العراق
27-تشرين الأول-2025
التعليم تعلن قبول قرابة 185 ألف طالب في الجامعات العراقية
27-تشرين الأول-2025
مؤشر القوة الناعمة لعام 2025: العراق في المرتبة الـ 97 عالميًا
27-تشرين الأول-2025
زيارة سورية لبغداد لإحياء خط أنابيب النفط كركوك - بانياس ما هي أهميته؟
27-تشرين الأول-2025
سباق مبكر بين «تقدم» و«عزم» وتحالفات جديدة تعيد رسم الخريطة الانتخابية
27-تشرين الأول-2025
بيانات ميتا: إنفاق 1.4 مليون دولار على الحملات الانتخابية خلال شهر
27-تشرين الأول-2025
مطار الموصل من «دولي» الى «رحلات داخلية فقط»
27-تشرين الأول-2025
اليونسكو: دورة تدريبية لتعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للصحفيات في بغداد
27-تشرين الأول-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech