حكايات مسكوت عنها في علاقة سارتر ودي بوفوار
20-آب-2025

إبراهيم العريس
هل يمكن القول اليوم بعد مرور ما بات يقترب من نصف القرن على السبات العميق الذي آلت إليه حكاية جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار المشتركة، إن كل ما تبقى من تلك الحكاية ليس أكثر من تلك الساحة التي تحمل اسميهما معاً في مواجهة مقهيي "الدوماغو" و"الفلور" في وسط العاصمة الفرنسية وحيها اللاتيني على الضفة اليسرى لنهر السين؟
بكلمات أخرى، ألن يأتي أبداً اليوم الذي يكشف فيه أخيراً الغطاء عن حقائق تلك العلاقة التي جمعت لعمر طويل، بل ربما حتى نهاية العمر، بين فيلسوف الوجودية الأكبر وسيدة النسوية المميزة صاحبة كتاب "الجنس الآخر" العمدة؟ إننا نعرف طبعاً أن الاثنين ارتبطا لأكثر من نصف قرن بعلاقة "حب" حر لم تمنع كلاً منهما من أن يعيش علاقات متعددة أخرى على مرأى ومسمع صاحبه، وإن كلاً منهما نظر لتلك العلاقات بشكل ربطه بفلسفته في الحياة وما إلى ذلك. ولكن بعد كل شيء، هل يمكننا أن نقول دائماً إنهما كانا معاً صادقين في ما روياه وفي حرية علاقتهما؟
إذا كان الأمر كذلك، لا شك أن ثمة أسئلة كثيرة يمكن أن تنبثق من ذلك الوضع كله. ولكن في مقدمة تلك الأسئلة ما يمكن أن يعود تحديداً عشرين سنة إلى الوراء ويتعلق بكتاب أميركي صدر في عام 2005 بعنوان "وجهاً لوجه: بوفوار وسارتر، ميثاق حب" (علماً بأن "وجهاً لوجه" تعبير من عندنا أبدلنا به التعبير الأصلي "رأساً لرأس" لأن هذا لا يفي بالغرض تماماً). المهم أن هذا الكتاب قد صدر في نيويورك بالإنجليزية لكنه حين ترجم إلى الفرنسية اقتطعت منه صفحات كثيرة لأسباب قيل إنها تتعلق بحقوق ملكية ما، لكن الصدفة جعلتها تتعلق بالكشف عن أسرار يبدو أن المعنيين العائليين الفرنسيين آثروا عدم الكشف عنها، محلياً على الأقل.
لمناسبة صدور ذلك الكتاب حينها، وتحديداً في أصله الأميركي، نشر الملحق الأدبي لصحيفة "نيويورك تايمز" الشهيرة على الصفحة الأولى، وبدلاً من اسمي جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، اسمي السيدتين آرليت القيم - سارتر، وسيلفي ليبون دي بوفوار، باعتبارهما الوريثتين الوحيدتين الشرعيتين للفيلسوف وامرأته. ويعرف الجميع أن هاتين السيدتين ليستا سوى ابنتين بالتبني، آرليت لسارتر وسيلفي لدي بوفوار. أما موضوع الملحق الأميركي فيتحدث عن كونهما متنافرتين على الدوام وعلى خصام مقيم من حول إرث الثنائي الشهير. وجاء في مقال الملحق أن الصراع بين هاتين الوريثتين هو الذي يبقي الكثير من الغموض المحيط بأسرار الكاتبين متواصلاً لا ينكشف.
والسؤال اليوم لا يزال قائماً: متى تنجلي كل الحقائق، الأدبية والعاطفية؟ لحد علمنا لم يطرأ منذ ذلك الحين أي جديد من حول كل هذه الأمور. ومن هنا قد يكون من المفيد اليوم، ولمناسبة قرب الاحتفال بالذكرى الخمسين لرحيل سارتر، العودة إلى بعض ما يتعلق بالكتاب الذي وضعته الأميركية هازل راولي، واكتفى السارترو - بوفواريون الأكثر تصلباً بمهاجمته ما إن صدر في الفرنسية مترجماً، إنما من دون أن يتعمقوا في "فضح مغالطاته" كما وعدوا دائماً أن يفعلوا ولم يفعلوا.
والحقيقة أن ثمة الكثير في كتاب راولي يحتاج إلى توضيحات بالنظر إلى أنه يسير عكس التيار. ولا سيما منه ما يتعلق بالكاتب الأميركي نلسون آلغرين الذي انبنت حكايات وكتب من حول علاقة الغرام التي قامت بين سيمون دي بوفوار وبينه بمعرفة سارتر - وأحياناً بمباركته حتى، انطلاقاً من ميثاق الحياة الغرامية الحرة بينهما على أية حال!
ففي كتابها تقول هازل راولي إن نيلسون آلغرين، كان حقاً، وذات حقبة عاش فيها في فرنسا، على علاقة ما بسيمون دي بوفوار، لكنها لم تكن على القوة التي تتحدث الكاتبة الكبيرة بها. بل أنه حين سألته عن هذا الأمر ابتسم قائلاً إنه يذكر أن سيمون قد وصفت أمامه سارتر بأنه رجل "حنون ودافئ ويحب الحياة ولكن ليس في السرير". متابعاً أنها أسرت إليه بأن الأمر انتهى بهما إلى اكتشاف أن ليس من الضروري أن يواصلا علاقتهما كزوج وزوجة.
وفي سياق آخر، ها هو آلغرين يقول: "يخيل إلي في الحقيقة أن عالم السيدة دي بوفوار يتكون من صورة معكوسة في مرآة لم يعش فيها أحد على الإطلاق"، وقال أيضاً عن السيدة إنها "مستعدة دائماً للدفاع عن حريتها باستثناء أنها لا تحب أن تجازف من أجلها على الإطلاق"، معلناً أنه، بقدر ما يعرفها يعرف "أنها كانت قادرة دائماً على الاتكال على خيانات السيد سارتر لها"... ما يعني بالنسبة إليه أن حكاية سارتر مع سيمون لم تكن سوى حكاية جن معكوسة. وربما "حكاية تشبه حكايات الجوارب الزرقاء"- في إشارة منه إلى جمعية نسوية ظهرت في الصالونات الأدبية في لندن وباريس قبل قرنين-. غير أن مؤلفة الكتاب ستقول بعد كل شيء إن "سيمون دي بوفوار ستحمل معها إلى قبرها الخاتم الذي أهداه لها نلسون آلغرين يوماً".
في الحقيقة أن صورة ساتر التي تطلع من ذلك كله ستظهره ضعيفاً قانعاً، غير مبالٍ إلا بفكره وأدبه وفلسفته، تاركاً سيمون تعيش حياتها كما تشاء. غير أنها في مطلق الأحوال، صورة مغلوطة على رغم مما ينقله آلغرين عن سيمون بصدد ذلك كما رأينا. فسارتر في الكتاب ولكن كذلك في حياته المعروفة كان يهتم بالنساء ولعل حكايته مع آرليت القيم تعتبر نموذجية في هذا السياق، فهذه الفتاة التي تبناها صغيرة وكانت ابنة لواحدة من عشيقاته، ستضحي لاحقاً حين تكبر عشيقة له هي الأخرى. وهي ستدافع عن مكانته وسمعته ليس كابنة بالتبني بل كصاحبة حق في ذلك.
وهي رداً على الكتاب الأميركي وكذلك على غريمتها و"نسيبتها" سيلفي، ابنة سيمون بالتبني، سوف لن تقصر في رواية الحكايات التي قد تجعل من سارتر زير نساء حقيقياً تقع الصبايا في غرامه على رغم "قبحه الأسطوري". ولا تتوانى آرليت عن تسمية العديد من "نساء سارتر" بأسمائهن، ومنهن نساء لم يكن معروفات من قبل. ومن بين هاته، على سبيل المثال، واندا التي لم تكن تعرف أنه على علاقة مع ميشيل التي لم يكن يخبرها أبداً أنه على علاقة مع سيمون دي بوفوار. ومنهن الرائعة، بحسب آرليت، إيفلين راي التي أهلكها صدور كتاب دي بوفوار التي اختزلت وجودها تماماً في حياة سارتر، فانتحرت! ومنهن الروسية لينا زورينا التي، بحسب آرليت، أدخلت سارتر وبوفوار في دائرة مؤيدي الاتحاد السوفياتي بين 1962 و1967 ولكنها لا تذكر في كتاب هازل راولي إلا باسم "مدام إكس" لأسباب يبدو أنها أيضاً تتعلق هنا بالحقوق الشرعية. وهذا من دون أن ننسى أن ميشيل التي ذكرناها سابقاً إنما كانت قبل ارتباطها بسارتر صاحبة صديقه بوريس فيان.
هذه الحكايات كلها ترويها آرليت لكن هازل كراولي تجد نفسها غير قادرة على إيرادها في كتابها، من ناحية بفعل اعتراض سيلفي دي بوفوار، ومن ناحية ثانية للافتقار إلى الأدلة على رغم وجودها على شكل رسائل، إذ إن ثمة مشكلات قانونية عديدة- تثير سيلفي بعضاً منها على أية حال- تحول دون استخدامها بل حتى الإشارة إليها. وهكذا، حتى عام 2005 على الأقل، تاريخ صدور السيرة الأميركية المشتركة لجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، ظلت حكاية هذين العاشقين التاريخيين غير مكتملة ولكن ثمة وعوداً الآن، غامضة بعض الشيء على أية حال، بأنه مع حلول عام 2030 أي في الذكرى الخمسينية الأولى لرحيل سارتر، هناك أمور كثيرة سوف تتكشف وبخاصة إذ تنزاح الموانع القانونية، ما يدفع بقية من تبقى من الوريثتين الحصيفتين إلى العمل والتحرك بسرعة، إما لمحاولة منع ما، أو لخوض سباق مربح لهذه أو لتلك ولمن يرثهما. وما على أهل الفضول إلا الانتظار سنوات قليلة أخرى لمعرفة ما لا يزال ينقصهم من... "حقائق" تتعلق بعاشقي النصف الثاني من القرن العشرين.

لجنة مشتركة لتنظيم ضوابط الدعاية الانتخابية في بغداد
27-تشرين الأول-2025
مرصد يحدد أسباب تلوث الأجواء في بغداد
27-تشرين الأول-2025
العمال الكردستاني يعلن سحب جميع مقاتليه من تركيا إلى شمال العراق
27-تشرين الأول-2025
التعليم تعلن قبول قرابة 185 ألف طالب في الجامعات العراقية
27-تشرين الأول-2025
مؤشر القوة الناعمة لعام 2025: العراق في المرتبة الـ 97 عالميًا
27-تشرين الأول-2025
زيارة سورية لبغداد لإحياء خط أنابيب النفط كركوك - بانياس ما هي أهميته؟
27-تشرين الأول-2025
سباق مبكر بين «تقدم» و«عزم» وتحالفات جديدة تعيد رسم الخريطة الانتخابية
27-تشرين الأول-2025
بيانات ميتا: إنفاق 1.4 مليون دولار على الحملات الانتخابية خلال شهر
27-تشرين الأول-2025
مطار الموصل من «دولي» الى «رحلات داخلية فقط»
27-تشرين الأول-2025
اليونسكو: دورة تدريبية لتعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للصحفيات في بغداد
27-تشرين الأول-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech