خمسون عاما من هاملت عربيا الى هاملت عراقيا
6-حزيران-2023
كافي لازم
في زمن مضى ومنذ دخول الطالب العراقي مرحلة المتوسطة.. يسمع هنا وهناك عن قصة هاملت وكاتبها الانكليزي وليم شكسبير سواء من قبل الطلبة الذين سبقوه او مدرسي التاريخ والادب واللغة.. مما يدفعه الى معرفة سر هذه القصة التي دوخت الناس والمثيرة للجدل، حينها يتفاجأ الطالب بفحوى القصة فهي ليس ببعيدة عن واقعه المعاش.. فالخيانة والجدل والنفاق والخبث وغيرها حالات متداولة في حياته اليومية.. وربما اصبحت عند البعض منهم دافعا في الدخول الى المعترك الفني.. ليجد ان هذه المسرحية قد شغلت المختصين كثيرا وما زالت فاعلة في احاسيس الناس ومشاعرهم رغم تأليفها منذ مئات السنين. وقد تناولها المخرجون في جميع ارجاء المعمورة، كل على طريقة الخاصة والتي تناسب مجتمعه وواقعه وبمختلف اللغات. حتى وصل بالراحل الكبير سامي عبد الحميد ان يتساءل لماذا لا يكون هاملت عربيا فالاحداث واردة الوقوع عند العرب.. وحزم امره رغم حالة المجازفة. اذ جعل الصحراء العربية والخليج مكانا للاحداث والبس جميع الكادر اللباس العربي وقد فضل ترجمة الراحل (جبرا ابراهيم جبرا) لانها الاقرب الى الشعر العربي، فضلا عن عمل السينوغرافي الكبير الراحل كاظم حيدر الذي بنى خيمة عربية عملاقة تمتد من بداية قاعة العرض وصولا الى دكة المسرح والكواليس ايضا وجعل المشاهدين جالسين في ظل هذه الخيمة وكان شكل العرض مكتنزا بأدواته التقليدية من ملابس وديكور واكسسوار، شملت حتى خواتم الملك والملكة بالاضافة الى الموسيقى الخليجية القديمة والى حد التفاصيل الصغيرة والمتناهية الدقة، الا ان المحاولة واجهت نقدا وعدم قبول من قبل النقاد والدارسين، لكنها تبقى تجربة مهمة في تاريخ المسرح العربي. وقدم العرض من قبل فرقة المسرح الفني الحديث عام ١٩٧٣ بطولة (زينب/ جعفرالسعدي/ عبدالجبار كاظم.. مع كاظم السعيدي/ عبدالواحد طة/ روميو يوسف/ انوار عبدالوهاب/ سامي السراج واخرين...) وبعد مرور خمسين عاما بالتمام والكمال انبرى استاذ شاب مثابر هو الدكتور جبار خماط التدريسي والدراماتوج في كلية الفنون في تحد للمألوف في مسرحية (هاملت)، لكن هذه المرة ليس عربيا بل عراقيا صرفا (وتلك هي العلة يا نفسي) اعدادا واخراجا، مستعينا بطلبته في الصف الاول والمسائي... فلا اللهجة المحلية استطاعت أن تجاري فكرة الموضوع وجزالة اللغة الشعرية، ولا شكل العرض حينما البس هاملت ملابس نسائية بفكرة غرائبية لاثارة المتلقي، وان استعان بلمسات كوميدية هنا وهناك، فلا منقذ لحالة العرض التي توزعت بين مشهد وآخر لطلبة في بداية حياتهم اجتهدوا وحاولوا ايصال الفكرة المطلوبة من قبل المخرج الذي اراد ان يقدم عرضا بثوب عراقي جماهيري يتواصل مع كل الناس وليس النخبة فقط.. انها حقا مهمة عسيرة في ظل الابتعاد و(الزعل) الحاصل بين الناس والمسرح والذي سيستمر لسنوات اخرى، طالما المؤسسات المعنية غير مهتمة بهذا الموضوع ولا تضعه في الحسبان، وتضع حلولا ومعالجات...
ان كلية الفنون قدمت هذا العمل باللهجة العامية تجاوزا للوائح الخاصة بالكلية والتي تؤكد ضرورة الحفاظ على سلامة اللغة العربية.. لكن اعداد هذا العمل لم يستخدم اللهجة الشعبية المتدنية واختصار المسرحية بأحداثها الرئيسية وقد استطاع المخرج ان يوظب بعض الحوارات لتسهيل فهم العرض وطبيعة العلاقة بين الشخوص.
في المجمل العرض عبارة عن درس طقسي اكاديمي لطلبة يبدأون توا احترافيتهم في فن التمثيل من خلال العلاقة المتماسكة والمعملية بين الطلبة واستاذهم، لا سيما بعضهم لم يتموضع او يتحسس البقعة الضوئية المسلطة على المشهد فلا وجود للسينوغرافيا بالمطلق، وهذا جهد اضافي على الممثل ولا بد من الاستعانة في اقل تقدير بادوات الشغل المسرحي من ديكور واكسسوار ليساعدهم في الاداء.
واضح انها ارادة المخرج المعلم بالذهاب في طقسه التدريسي الا ان الموسيقى التصويرية وبالاخص استعمال آلة العود والقانون في ابهى صوره كان اختيارا موفقا على يد منفذها الفنان مصطفى زاير.
واضح الجهد المبذول في عملية التلاقح انها محاولة مهمة من المخرج الذي لا يهدأ له بال دون المسرح والوصول الى اعلى درجات الابداع كما هي تجربته الاثيرة في العيادة المسرحية..
حضر العرض جمهور نخبوي من المتابعين والاساتذة وطلبة كلية الفنون. كذلك حضر العرض الفنان الكبير سعدون جابر وهذا ليس بجديد عليه، فهو من اكثر المتابعين للمسرح من زملائه المطربين الاخرين، وقد دعا مجموعة العمل للعرض على مسرحه (مسرح الطيب) الكائن على شواطئ دجلة الخير قرب جسر السنك.