دراما «شرف» تصور العنف ضد نساء سوريات في الحرب
23-آب-2022
سامر محمد إسماعيل
تستهدف جرائم الشرف نساء وفتيات سوريات جعلتهن الحرب طعماً لها. فعلى مدى سنوات النزاع الدائر في البلاد منذ مارس (آذار) 2011 كانت المرأة هي الضحية الأولى، سواء في المواجهات المسلحة، أو حتى في أعمال العنف المدرجة في الخانة الاجتماعية مثل التحرش والاستغلال الجنسي، والزواج المبكر، والاغتصاب الزوجي، والتنمر والعنف الأسري.
"شرف" عنوان المسلسل التلفزيوني الذي كتبته ديانا جبور وأخرجه مجيد الخطيب (منصة "وياك") وتصدى بجرأة لعديد من هذه الجرائم أو القتل بدعوى الشرف، وهي جرائم يرتكبها غالباً أحد الأعضاء الذكور في أسرة ما أو قريب ذكر من الأسرة، بحق أنثى، أو مجموعة إناث في الأسرة ذاتها. فقدم الجاني على القتل لأسباب غالباً ما تكون ظنية، تتعلق بشكوك حول ارتكاب الأنثى "المرأة أو البنت" فعلاً مخلاً بالأخلاق في نظر الجاني.
"غسل العار"
القتل من أجل الحفاظ على الشرف، أو القتل من أجل "غسل العار"، هو محور أحداث مسلسل "شرف" الذي يدور حول قصة الممرضة آسيا (أمل عرفة) التي تجد نفسها متورطة عاطفياً في إنقاذ مصير فتيات يستجرن بها من القتل، حين تحل مكان والدتها (صباح الجزائري) القابلة الشعبية التي تقدم بها العمر، وأعياها المرض، فتنوب عنها بالكشف على فتيات فقدن عذريتهن نتيجة تعرضهن للاغتصاب أو الخديعة، فتخفي حقيقة فقدانهن العفاف كي لا تعرضهن للذبح على أيدي أشقائهن أو آبائهن. ينقل المسلسل قصص هؤلاء النسوة إلى الواجهة، فهذه التي يقتلها والدها (فراس إبراهيم) بعد أن يظن بها السوء، وتلك التي تتزوج من رجل سادي (وائل رمضان) فيتشارك جسدها مع رجال آخرين، مرغماً إياها على ممارسة البغاء في منزل الزوجية.
أحداث دامية تنقلها كاميرا المخرج مجيد الخطيب الذي ابتعد عن السرد البصري التقليدي إلى معالجة رمزية، لتعاقب الأحداث وتطورها، والانتقال من مناظر عامة إلى توثيق الحياة الاجتماعية في الساحات الخلفية للحرب، وما يجري في هذه الأماكن المشبوهة من جرائم صامتة ضد النساء، وصولاً إلى مكاشفات صادمة بين شخصيات "شرف" الذي تشابه في عنوانه مع العنوان والمضمون لرواية الكاتبة التركية أليف شفق (دار الآداب - 2013)، وتحدثت فيها عن حرية المرأة وشرف العائلة، والعادات والتقاليد التي تدفع النساء ثمنها باهظاً.
إلا أن النسخة السورية من "شرف" افترقت عن الرواية التركية في تشريح واقع القهر النسائي، ومحاولة تقديمه درامياً في تمييز الكاتبة بين مفهومي البطل والمجرم. فقدمت نماذج مضادة للأب المتزمت والزوج المتهور في شخصيات من مثل الشقيق (مجد فضة) الذي وقف إلى جانب شقيقته (مرح حجاز) وأنقذها من الموت بعد محاولة دفنها حية ترزق على يد أبيهما. وكذلك الأمر مع شخصية صارم (جوان خضر) الشاب الذي يتبنى طفلي الضحيتين النسائيتين اللتين تموت إحداهما، فيما تدخل الثانية السجن بعد قتل زوجها القواد.
أعراف قبلية
انطلقت كاتبة المسلسل ومخرجه من حملة ضد جرائم الشرف كان أطلقها "مرصد نساء سوريا" عام 2005، وهدفت إلى تغيير بنود المادة 548 من قانون العقوبات السوري، وتعديل المادة 192 من القانون نفسه، بحيث يجري اعتبار القتلة بهذا العذر كالقتلة في أي عذر آخر، من دون إمكانية الاستفادة المسبقة من القانون. وقد أثمرت هذه الحملة في إخراج "جرائم الشرف" من نطاق الصمت، واضطر القضاء السوري إلى الاعتراف بجرائم الشرف كجرائم قتل يعاقب عليها القانون، ولكن من دون أن يطبق على الرجل ما طبقه على المرأة، في حال وقوع الخيانة الزوجية، والقتل في فورة غضب الشريك، مما يجعل الدرب طويلاً أمام نساء سوريات ما زلن يخضعن لأعراف القبيلة والعائلة والطائفة.
ويشير المسلسل السوري إلى عديد من "جرائم الشرف" المروعة التي وقعت أخيراً في البلاد، ومنها قتل أفراد من عشيرة في الشمال السوري فتاة تدعى عيدة الحمودي بداعي الشرف رمياً بالرصاص. وقتل زوج في دمشق زوجته آيات الرفاعي بضرب رأسها بالجدار حتى الموت. وثمة جرائم كثيرة من المعلن أو المسكوت عنها ما زالت يومياً تحظى بمتابعة من الرأي العام على وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرت مساحة للنقاش، وجعلت الأنظار تتوجه إليها بعد أن كانت حكراً على دوائر الشرطة والأمن الجنائي، أو تقديمها بصيغ مبتسرة على أثير إذاعة دمشق عبر برنامجها الشهير "حكم العدالة".
تبدو الحلقات العشر من مسلسل "شرف" بمثابة قرع جرس الإنذار في مجتمع أنهكته حروبه الاجتماعية، وهي حرب بديلة تقودها ميليشيات ذات نزعات متطرفة، أو أفراد تعرضوا لما يسمى غسيل دماغ جماعي إزاء نسائهم وبناتهم. تعاني النساء في مجتمع الحرب، ولا سيما في مخيمات اللجوء السورية ابتزازات جنسية تجعلهن الحلقة الأضعف في سلسلة اجتماعية، يكون فيها للذكور المحاربين حق ملكية النساء كسبايا ومهيضات جناح أو "ملك يمين"، من دون الاستفادة الفعلية من القوانين التي تم تعديلها. فما زال القتلة يستفيدون من ظروف الحرب، وحالات الفقر والعوز التي خلفتها النزاعات من دون أي أمل في تطبيق القانون، أو اللجوء للقضاء.
"شرف" الذي ناقش مقولة شعبية تقول إن "شرف البنت زي عود الكبريت" حاول نقد هذه المقولات الذكورية، مستعيناً بمادة درامية مشوقة، أدى بطولتها كل من أمل عرفة، وصباح الجزائري، ووائل رمضان، وفراس إبراهيم، ومجد فضة، وجوان خضر، ودجانة عيسى، وعبير شمس الدين، وروبين عيسى، وهناء نصور، وإليانا سعد، وليندا حمود. وغلبت على العمل البطولة الجماعية، بعيداً من البطولات الفردية لصالح ما يسمى في فن السيناريو بـ"الكتابة الكورالية"، التي جعلت من الشخصيات الرئيسة وجهاً لوجه مع شخصيات مضادة، ومن دون اللجوء بشكل كبير إلى شخصيات مساندة وثانوية. بدت البطولة النسائية في "شرف" امتداداً لأعمال درامية تناولت واقع النساء السوريات مثل مسلسل "نساء صغيرات" للمخرج باسل الخطيب، ومسلسل "أشواك ناعمة" لمخرجته رشا شربتجي. أثار "شرف" عاصفة من الجدل والانتقادات في وسائل التواصل الاجتماعي بعيد انتهاء عرضه على منصة "وياك".
وذهب بعض المعلقين إلى اعتبار العمل محاكاة لواقع من الصعب مجاراة أحداثه، فالمخيلة أمست تلهث للحاق بالواقع. وذهب البعض الآخر إلى اعتبار مسلسل "شرف" صرخة في وجه العنف والقسوة الدامية ضد المرأة، ومحاولة لتوجيه سبابة الاتهام نحو القاتل المسكوت عنه في مجتمعات ما زالت تعتبر المجرم بطلاً وحارساً للشرف الرفيع "الذي لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم".