ديمة عبد الله: الأب والوطن يسقطان معا
18-تشرين الأول-2023

كاتيا الطويل
بعد النجاح الذي حققته رواية "أعشاب ضارة" الصادرة بالفرنسية للكاتبة ديمة عبدالله، في فرنسا ونيلها جوائز عدة، صدرت ترجمتها العربية عن دار الآداب، متيحة للقراء العرب فرصة الاطلاع على هذه الرواية المتفردة بعالمها وعلاقاته، لا سيما أن ديمة هي ابنة الروائية هدى بركات والشاعر محمد عبدالله.
لطالما شغلت العلاقة بالأب، الأدباء والروائيين، فظهرت صورة الأب في أدب بعضهم مهشمة صاعقة قاسية، بينما ظهرت في أدب بعضهم الآخر هادئة طيبة وأليفة. وقد عالج كثير من العلماء النفسانيين والمفكرين مسألة الأب وأهمية وجوده ودوره في طفولة الأبناء لينموا ويكبروا ويصبحوا أشخاصاً راشدين متوازنين. من هؤلاء تظهر طبعاً نظرية سيغموند فرويد (1856-1939) الذي ركز كبير تركيز على طفولة المرء وعلى ذكرياته وعلى علاقته بوالده في عملية تكوين الشخصية.
وبينما يبدو قتل الوالد ضرورة ليكبر الأبناء، بحسب رمزية أوديب الشخصية الإغريقية، يتحول موت الأب في حالات كثيرة، أو بمعنى آخر يتحول سقوط صورته وجبروته، إلى خسارة كبيرة لا تُعوض، تترك مكانها فراغاً عاطفياً ونفسياً.
هذه هي حال الكاتبة اللبنانية الفرنسية ديمة عبدالله، ابنة الشاعر اللبناني محمد عبدالله (1946- 2016) والروائية اللبنانية المقيمة في فرنسا هدى بركات الحائزة جوائز عدة من العالم العربي والغرب. إن خسارة الأب لا تُعوض، فكيف إن كان الأب شاعراً مرهفاً تراه ابنته "مارداً" حامياً قوياً جباراً؟ تكتب ديمة عبدالله في الصفحات الأولى من روايتها "أعشاب ضارة" التي ترجمها حديثاً هيثم الأمين عن الفرنسية: "حين أكون بصحبة ماردي، لا أنظر إلى المشهد، وأقضي وقتي في النظر إليه هو(...) ما فيه مختلف، كما لو كان فريداً مختلفاً عما عند الآخرين من نور، كما لو كان أكثر بريقاً؛ فهو شيء يجذب العين، ولا تستطيع رفع النظر عنه. (...) وأظن أن المارد لديه سلطة خارقة، شيء مغناطيسي يجتذب كل ما من حوله".
تجسد ديمة عبدالله في روايتها الأولى هذه التي صدرت في فرنسا عام 2020، علاقتها بوالدها قبل انتقالها للعيش في فرنسا وهي في الثانية عشرة من عمرها، هرباً من الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). ثم تجسد في سردها تطور أوجه هذه العلاقة مع هجرتها مع والدتها وشقيقها إلى فرنسا وابتعادها عن والدها، وكيف بدأت حاله تتدهور بتدهور حال الوطن. وبينما يربط معظم الأدباء الوطن أو الأرض بالأم، يصبح الأب لدى ديمة عبدالله هو الوطن وهو مسقط الرأس وهو لبنان.
وفي مقابلة أجريناها معها، تقول ديمة عبدالله في هذا الشأن: "الأب هو الوطن، وعندما يتدهور الوطن يتدهور الأب، فتكون الرحلة نحو السقوط هي رحلة واحدة للاثنين. الأب والوطن هما واحد وعلاقتهما حميمة جداً، فالأب هو الذي لم يترك وطنه وظل متعلقاً به، بجسده وبروحه وبكل ما فيه. خلق سقوط الوطن والأب نوعاً من الشعور بالخذلان لدى الابنة، لتتحول الابنة إلى أم. عندها تنقلب قوانين العلاقة وتصبح الابنة هي التي تقلق وهي التي تساند وهي التي تشعر بألم الأب وتحاول أن تحميه. تشعر الابنة أن الأب تركها فعلياً بسقوطه وليس عندما غادرته وغادرت الوطن".
تختم ديمة عبدالله روايتها بقصيدة لوالدها ترجمتها من العربية، وتقول حول هذا الخيار: "أردت أن أعطيه الكلمة الأخيرة فاخترت قصيدة من قصائده أختم بها نصي. يعكس هذا الخيار محورية العلاقة بالأب ووجودها في صلب نصي. تبدأ الرواية بقصة الحب بين الأب وابنته وتنتهي بها".
إنما على رغم ما في النص من عناصر ذاتية، ترفض ديمة عبدالله أن تسمي روايتها هذه سيرة ذاتية، فتقول: "هذا النص وإن كان يحتوي على عناصر كثيرة من سيرتي الذاتية، فهو بعيد من الواقع ومن الحقيقة بتفاصيلها. هناك الكثير من المتخيل بخاصة في ما يتعلق بصورة الأب. هذا النص هو رواية قبل كل شيء، على ما فيه من بذور واقعية. تفاصيل علاقة الراوية بوالدها فيها من علاقتي بوالدي ومن المتخيل أيضاً، فأطول فترة من حياتي لم أمضها مع والدي".
تتدهور العلاقة بالأب تماماً كما تتدهور علاقة الأب بالوطن وتماماً كما يتدهور الوطن نفسه. لتكون بذلك حركة الرواية هابطة مع اقتسام السرد ما بين الأب وابنته، فعشرة فصول تسردها الراوية الابنة بينما تترك سبعة فصول ليسردها الأب بلسانه لتكون ثنائية الأصوات السردية دليلاً آخر على قوة العلاقة بين الابنة وأبيها وصلابتها هي التي تختار أن يتقاسم الاثنان زمام السرد.
وتتحدث ديمة عبدالله عن أثر والدها الشاعر محمد عبدالله عليها صغيرة فتقول: "أثر والدي كثيراً على علاقتي بالأدب. الكتاب عموماً والشعراء على وجه الخصوص ينقلون حبهم للكتابة لكنهم أيضاً ينقلون نظرتهم إلى الحياة. الفنانون والشعراء يملكون نظرة خاصة ومميزة للعالم وهذه النظرة إلى الحياة وإلى شاعرية التفاصيل هي ما ينقلونه إلى المحيطين بهم وهو ما نقله لي والدي". وتضيف قائلة عن عملية الكتابة في ظل اسمين لامعين في عالم الأدب العربي: "دخل طيف أبي الشاعر وأمي الروائية في لا وعيي طبعاً لكنني عندما كتبتُ هذه الرواية لم أفكر بهذه الأمور كلها. نشأت على حب الأدب وحب الشعر وفي إعجاب وفخر تجاه والدي الاثنين وهذا ما أدى دوراً أساسياً في كتابتي فالكتابة تدخل في جيناتي من دون شك. إنما لا يمكنني أن أتحدث عن أثر سلبي أو ضغوطات. صحيح أنه ليس من السهل أن أكتب في ظلهما لكنني لم أقارن نفسي بهما وبكتاباتهما في أي لحظة من الكتابة. أرى أن الكتابة مساحة شخصية وفردية وحميمة ولا يمكن أن يدخلها أحد ولا حتى الأم والأب اللذين، في حالتي، يكتبان هما أيضاً".
أما عن الخيار المقصود والمراد في تغييب الوالدة الروائية والشقيق الذي يهاجر هو الآخر إلى جانب الروائية البطلة فتقول ديمة عبدالله: "غياب الأم كان قراراً واعياً ومقصوداً. والشقيق أيضاً مغيب، فهما ليسا محور كلامي. هذا العمل ليس قصة حياتي ولا قصة عائلتي، هو قصة حب بين أب وابنته والعلاقة القائمة بينهما على امتداد أربعين عاماً وهو قرار مقصود ومراد ولا علاقة له بمشاعري تجاه أفراد عائلتي. أردت لهذا النص أن يكون كعدسة كاميرا تكبر العلاقة بالأب وتركز عليها وحدها. أنا في نصي لا أتحدث عن أمي ولا عن شقيقي، حتى الحرب لا أسردها في أي موضع من الرواية لأنها ليست الهدف بل الخلفية والسياق". وغياب الأم غياب واضح في النص، فهي لا تظهر للمرة الأولى سوى بسطر واحد في الصفحة 32 ثم في الصفحتين 62 و63 ثم في مرات قليلة تالية بين الصفحات 64 و67 و70 وهو ما يجسد تعمد الكاتبة التركيز على العلاقة بالأب وحدها.

النباتات والعزلة
إلى جانب العلاقة الجوهرية بالأب، تظهر في النص علاقة واضحة ومحورية بالنباتات، وهو ما يظهر جلياً منذ العنوان ثم منذ صفحات السرد الأولى لدرجة أن الروائية تقول في موضع من السرد: "ملامسة النبات تساعدني أحياناً على التنفس." (ص155).
وتقول الكاتبة عن ترجمة النص من الفرنسية واختيار العنوان المتعلق بالنباتات: "كانت الترجمة مسألة مراجعة سريعة للنص بالعربية فأنا أملك ثقة عمياء بالمترجم هيثم الأمين، وحده العنوان أصريت على أن يكون "أعشاب ضارة" على رغم اعتراض المترجم الذي وجد في كلمة "ضارة" دلالات سلبية، لكنني وجدت أنه كان لا بد من أن يكون المعنى مطابقاً للمعنى التي يؤديه العنوان بالفرنسية".
وتقول الكاتبة عن ترجمة النص من الفرنسية واختيار العنوان المتعلق بالنباتات: "كانت الترجمة مسألة مراجعة سريعة للنص بالعربية فأنا أملك ثقة عمياء بالمترجم هيثم الأمين، وحده العنوان أصريت على أن يكون "أعشاب ضارة" على رغم اعتراض المترجم الذي وجد في كلمة "ضارة" دلالات سلبية، لكنني وجدت أنه كان لا بد من أن يكون المعنى مطابقاً للمعنى التي يؤديه العنوان بالفرنسية".
أما في معاني العنوان" الأعشاب الضارة"، فيرد في الرواية شرح لاختيار هذا العنوان، فتقول الراوية عن الأعشاب الضارة بأنها الأعشاب: "التي نقتلعها من جذورها بلا هوادة، لأنها تنبت في غير مكانها وفي غير زمانها، ولكنها تتكاثر هناك، لأنها تتفتح على أرض ليست لها، وتتشبث بالحياة في الأماكن الأكثر عدائية لها". (ص95).

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech