رؤية مقدمة لنهضة المنجز الفني «سينما وتلفزيون»
18-حزيران-2023
صالح الصحن
(الجزء الاول)
في قطاعنا السمعي والبصري كثير من التساؤلات، والاستفهامات التي تتعلق بما يلحق ببعض الأعمال السينمائية أو التلفزيونية من اخفاق أو تعثر أو ملاحظات تخص مستوى الانتاج، او الاخراج أو النص أو التمثيل وكل ما يتعلق بالشكل والمضمون، وخاصة بالمعنى المختلف لقيمة الصورة ودورها التعبيري المرئي في فهم الأشياء من مضمون و شكل وحركة وضوء ولون وشخصيات وموجودات وما تحمل من علامات سيميائية في التشكيل المرئي وما يتفتح من تفسير وتأويل في حدود المرئي واللامرئي تصل إلى حد استهداف مستوى الذائقة الجمالية في الوقت الذي تكثر في البلاد اعداد من معاهد وكليات الفنون الجميلة، بعضها يختص بفنون المسرح، وبعض يهتم بالفنون السمعية والمرئية واخرى أكثر تخصصا في السينما والتلفزيون مع الإكثار من دراسة الماجستير والدكتوراه في هذا المجال، مع وجود سعي ورغبة عالية لدى إدارات الكليات الاهلية بفتح أقسام أو كليات تعنى بتخصص السينما والتلفزيون رغم المصاعب التي تلاقيها في ذلك. ونحن أمام عالم لا حصر له من الشاشات المضيئة والمعتمة على مدار الساعة وهي تبث العديد من الفعاليات والاعمال المدهشة سلبا وايجابا، والاكثر جذبا، ولكن، ما يهمنا هو ان نرتقي بمنجزنا السمعي والبصري على قدر عال من الرقي والقبول الكبير.. وقد وضعنا بعض المفاصل تحت طاولة السؤال الذي يحمل رؤيتنا الخاصة بنهضة العمل الفني، لعلنا نجد الإجابة، ومنها:
* قانون السينما والدراما
لماذا لا يتم العمل بتشريع قانون جديد خاص بالسينما والدراما؟ يختلف عما متوفر حاليا من سياقات وضوابط مترهلة، نحن بحاجة إلى قانون يتخذ خيارا واضحا، بتحديد المسؤولية المركزية عن السينما وعن الدراما وبتخصيص مالي يتناسب مع خطة كل مفصل منهما، مع فتح منافذ العمل تحت سقف القطاع المختلط، لتعزيز دور الشركات الخاصة. نريد قانونا يعنى بالنشاط الفكري والجمالي للسينما والتلفزيون الذي يحمل هوية وثقافات المجتمع وبغياب هذا القانون بإمكان الشاشة ان تحمل كل تفاهة الجهل و المحرمات من الإلحاد إلى المثلية إلى التدني و التطبيع مع كل ما هو مسخ ومنحرف ومتخلف، بما يتطلب انشاء مؤسسات انتاجية فاعله بنظام داخلي ،يتبنى الفكر والجمال، ورسم تخطيط ودراسات وبنى تحتية شاخصة، مع اسلوب عمل انتاجي متطور. مع الاعتقاد المؤمن بالاهمية الكبرى لدور الفنون السمعية والبصرية في بناء حضارة وثقافة الشعوب..؟
* الاهتمام والدعم
ان الرؤية الى السينما والدراما في العراق، تكاد تكون ( out fuces) كما يدل عليه في التعبير البصري اي فاقدة الوضوح ، ذلك ان مثل هذا النشاط" الفكري الجمالي" لابد أن يحظى بأعلى مستوى من الاهتمام والعناية، وهنا نتساءل: لماذا لا تخصص له اعلى قيمة دعم اكبر وحجم اوسع في الامكانيات والتخصيص الستراتيجي للميزانية الانتاجية؟ وأن المطالبة بدعم النتاجات الفنية، من قبل المؤسسات الحكومية، تأتي من باب واجب المسؤولية الرسمية في رعاية الأنشطة الثقافية والفنية كما يجري في دول العالم، وليس لاجل الاشتراط بالتدخل وفرض الاملاءات في التوجه والصياغة لمضامين وأشكال المنجز المنتج.
ولو اطلعنا على تخصيصات بعض الدول لدعم السينما والدراما سنواجه دهشة كبيرة لو عرفنا انها كيف تصنع لها تاريخا ثقافيا ومقاما يحظى بالهيبة، انها دعوة كبيرة جدا لأنفسنا، ولمن له الصدارة والمواقع المتقدمة الفضلى في هذا المجال…
ومن الذي (يتجاهل) حق شعبنا ومجتمعنا ان تكون له اوسع المساحات الثقافية في الادب والشعر والقصة والرواية والنقد؟ وكذلك الفنية بكل اجناسها مسرح، سينما، دراما تلفزيونية، برامج إذاعية وتلفزيونية وموسيقية؟ فضلا عن الفنون التشكيلية جميعها، التي تسهم في بناء الإنسان المتحضر المبدع المبتكر المتعلم الغيور المجتهد المنتج المتسامح الأمين النزيه المخلص المؤمن بوطنه ورموزه الأوفياء.
ونختتم قولنا بالسؤال: هل ان انتاج المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية، هي حالة كمالية لم نعد بحاجة إليها؟
* النزاهة
هل بالامكان تاطير سؤالنا الدرامي، بسياق النزاهة؟ وتبعا لمؤشرات الواقع التي دلت على ذلك نقول: هل من المعقول ان تصل اساليب الفساد والتلاعب الصلف بأموال انتاج العمل الفني؟ مع اعتقادنا باليقين الراسخ، ان الاوساط الجمالية، هي أقرب ما تكون الى النزاهة، وابعد من اي تجاوزات فساد مالي ومخالفات قانونية وأخلاقية. نشير الى ذلك، كي لا تتكرر بعض من تجارب سابقة بائسة، مرت ولم تشعل نقطة ضوء مشرقة في التاريخ الفني المرئي.
* توسيع منافذ الانتاج
ماذا لو تمت مفاتحة المؤسسات والشركات الاستثمارية ونخب من المستثمرين في الداخل والخارج، لاقناعهم بدعم الانتاج السينمائي والتلفزيوني وعلى ضوء ما يجري في العالم من "شطارة إنتاجية" بهدف الترويج وكسب الفائدة "جماليا وربحيا" ولتوسيع منافذ الإنتاج. والتدريب على هذه المهمة من خلال الزج بتجارب فنية وورش تطبيقية مع التعريف بأهمية وثقافة الانتاج الفني بوصفه نشاطا جماليا واستثماريا.
* الاستوديوهات الكبيرة
من المؤشرات الدالة على ضعف مستوى الاهتمام، هو عدم وجود استوديوهات كبيرة للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، وعدم وجود مدينة فنية اعلامية مثلما في اغلب الدول، الذي لن تتخلى عنها الدول والشركات المتقدمة في هذا المجال رغم انتشار التقنيات الرقمية الحديثة المتطورة التي استغنت كثيرا عن بعض الأماكن والديكورات والحركات والتكوينات، وتكرار اعداد المجاميع، وخلق اجواء الفضاء وغيره، وابتكار الحيل والخدع بمهارة تقنية عالية الإقناع والتشويق باحترام وتوجيه ذائقة الجمهور.
* النص
يعد "النص" هو الحجر الأساس الذي تدور حوله مجمل المهارات الابداعية وتسهم في تشييده ولهذا يتطلب ان نسأل: (ماذا نكتب؟ وكيف نكتب؟ ولمن نكتب؟) فبلادنا معروفة بوفرة القصص والروايات والحكايات والأحداث والمآثر والبطولات والرموز من الشخصيات، وما يتسم به من فلكلور وتراث شعبي وفنون وآداب واطياف متعددة من القوميات والمجتمعات، الا تكفي كل هذه، بأن تكون رصيدا كبيرا للنصوص الدرامية والأفلام التي تجسد القيم الفاضلة والسمات المثلى في المجتمع، مع تضمين الخطوط النقدية للظواهر غير المرغوب فيها، سيما لو تم اشتغالها برؤية اخراجية عالية؟
ونسال أيضا: لماذا يتبنى البعض من شركات الانتاج نصوصا هجينة مشوهة مشبعة بالتلفيق؟ من أين ياتون بها؟ ووفق اي دافع وغرض؟ اين قصص الحب والحياة والجمال والبطولة ومظاهر التحضر؟ اين الفولكلور؟ اين التراث؟ اين السياحة الذهنية والثقافية والبصرية والروحية والمعلوماتية والجغرافية، اضافة الى قصص الدراما عن الجرائم والمغامرات والكوميديا والاستعراض، والمواضيع التي تتناول السلوكيات الخاطئة وغيرها...؟ ومن الأرجح والمهم ان تكون هذه النصوص خالية تماما من الافكار الهدامة والمنحرفة والمتعصبة والطائفية وكل ما يدعو إلى الانحلال والتسيب.
وعند مراجعتنا للاعمال الدرامية والسينمائية التي نفذت وعرضت في الشاشة، غالبا ما نجدها بعيدة عن الأدب ورواياته، ويمكن القول: لماذا ابتعدت الدراما عن الروايات والقصص العراقية أو العربية المعروفة بمستواه الادبي الرفيع؟ وذهبت إلى نصوص باهتة حقا لا تحمل نكهة درامية وفاقدة للاثارة والتشويق، واحيانا فاقدة لعناصر البناء الدرامي للنص؟ ولماذا لا تشكل لجنة لقراءة عدد من القصص والروايات التي تجدها صالحة للاشتغال الدرامي اضافة الى ما يقدم من نصوص جاهزة بيد كتابها في إطار تكوين ما يسمى "بنك النصوص"؟ وما هو العائق الذي يقف أمامنا "كمؤسسات حكومية وخاصة" من اشتغال مسلسلات درامية أو افلام سينمائية عن رموزنا التاريخية والروحية والثقافية، لترسيخ ثقافة البطولة وما انتجته الحوادث والوقائع التاريخية والمعاصرة، من حكايات مشرفة تستحق الذاكرة والمجيد؟ ولماذا لا تعقد صفقات تعاون مشترك مع دول أو شركات متقدمة في هذا القطاع، لإنتاج الافلام السينمائية والمسلسلات، التي تتناول مواضيع وقصص مهمة في الحياة الثقافية للمجتمع، بما يفصح عن ملامح الهوية الثقافية، والتفرد الحضاري...؟
نعتقد ان ابرام العقود واستضافة كبار المخرجين أو المصورين أو التقنيين المختصين، ستسهم كثيرا في بناء ونهضة العمل الفني لدينا.
يتبع..