رعاية مصالح الناس .. بالممكن
12-تشرين الأول-2022
محمد عبد الجبار الشبوط
اهتمامي بالشأن العام في العراق ينطلق من ثلاث مقولات هي:
اولا، السياسة هي رعاية شؤون الناس ومصالحهم.
ثانيا، من اصبح ولم يهتم بامور الناس فليس منهم.
ثالثا، السياسة فن الممكن.
بناء على هذا، فان اهتمامي يتحرك بين حدين ادنى واعلى. الحد الادنى المساهمة فيما يمكن تحقيقه من اصلاح في الدولة العراقية الراهنة والموصوفة بانها دولة فاشلة failed state ، والحد الاعلى المساهمة بقدر طاقتي بالدعوة الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة.
فيما يتعلق بالاصلاح ليس عندي كبير امل او ثقة مطلقة بقدرة الطبقة السياسية الحالية على تحقيق الاصلاح ولو بالحد الادنى، لاني اعتقد ان هذا الطبقة انتهت صلاحيتها السياسية. لكن هذا لا يعني انتهاء صلاحية النظام القائم بوصفه المذكور في المادة الاولى من الدستور، وبلائحة الحقوق المذكورة في الباب الثاني منه. واعتقد ان هذا التمييز بين الطبقة السياسية وبين النظام السياسي مهم في بناء اي نظرية للاصلاح لتجنب الافراط والتفريط. وهما امران وقع فيهما الكثير من الذين نادوا بالاصلاح في السنوات الاخيرة.
بناء على هذا، فاني اعرض الان على اي شخص يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء ان يخطط ويتحرك منذ اليوم الاول لتوليه المنصب على ثلاثة محاور منذ اليوم الاول هي:
المحور الاول: القرارات او الاهداف العاجلة التي تعالج المتطلبات الملحة للناس وتحدث تغييرا فوريا ملموسا في حياتهم. وهذا يتطلب ان تملك الحكومة حسا مرهفا باحتياجات الناس الملحة. وهذا يمكن تحصيله عن طريق عمليات سريعة لاستطلاع الرأي العام، ليكون التشخيص للحاجات العاجلة مطابقا للواقع، اي علميا. كما يتطلب ان يكون رئيس الحكومة ووزراؤها ذوي عقلية ابداعية مبتكرة وليست تقليدية تكرارية. ويفترض ان تنتهي الحكومة من تحقيق هذه الاهداف خلال السنة الاولى من عمرها.
المحور الثاني: القرارات او الاهداف المتوسطة. يعالج هذا المحور اهدافا يمكن انتظار تحقيقها لاربع سنوات كحد اقصى، ولا يمكن تحقيقها خلال السنة الاولى من عمر الحكومة. ويجب ان تكون الحكومة واضحة وصريحة في تسمية هذه الاهداف ليكون المواطنون واقعيين في رسم سلّم توقعاتهم من الحكومة.
المحور الثالث: القرارات او الاهداف البعيدة، ويشمل هذا المحور ارساء ركائز الدولة الحضارية الحديثة. وهذا امر لا يمكن تحقيقه خلال اربع سنوات، ولا حتى ثمان سنوات. لكن على الحكومة ان تشرع بخطوات تحقيق هذا الهدف منذ سنتها الاولى. كما يعني ان على الحكومة التالية ان تواصل السير في طريق تحقيق هذا الهدف، لا ان تنقلب على خطط الحكومة السابقة، على طريقة "كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا"، المتبعة في العراق.
ولتطبيق هذه الرؤية يجب الاخذ بالنقاط التالية ايضا:
النقطة الاولى: على رئيس الوزراء ان يشكل منذ البداية ثلاثة فرق رأسية لهذه المحاور الثلاثة على ان تضم في عضويتها خبراء في بناء الدولة وادارتها في مختلف المجالات.
النقطة الثانية: يمكن للنواب والمفكرين والاكاديميين وغيرهم مساعدة رئيس الوزراء الآن بتشخيص اهداف كل محور ومتطلباته.
النقطة الثالثة: يجب ان تكون الحكومة الجديدة كاملة الصلاحيات ولمدة اربع سنوات، لحين اجراء الانتخابات الجديدة في موعدها الطبيعي. ضمنا ترفض هذه النقطة مقترح الانتخابات المبكرة ومقترح حكومة السنة الواحدة.
من المهم ان اذكر هنا ان على اعضاء الفرق الثلاثة يجب ان يتوفروا على تصور اجمالي وبالخطوط العريضة لفكرة الدولة الحضارية الحديثة لان اهدافهم القريبة والمتوسطة والبعيدة يجب ان تسير في نسق واحد مع فكرة الدولة الحضارية الحديثة التي هي الهدف الابعد لكل الحكومات العراقية. وهذا الامر سوف يحمي الحكومات المتعاقبة من الانحراف عن خط السير واتخاذ خطوات وإجراءات تنحرف بالعراق عن الهدف الأعلى.