زيارات الوزراء الميدانية.. حملات إصلاح أم دعاية؟
3-كانون الأول-2022
بغداد ـ العالم
بحماس، ينطلق الوزراء في حكومة محمد شياع السوداني، نحو المؤسسات والدوائر، كما يظهرون عبر شاشات التلفاز، وهم يوبخون المسؤولين الأدنى منهم، في مشهد اعتاد عليه العراقيون.
ومنذ أيام يُجري وزراء حكومة السوداني زيارات مكوكية إلى بعض الدوائر، مثل المؤسسات المكتظة في وزارة الداخلية، وكذلك الدفاع والتجارة وغيرها، ليظهر بعدها الوزراء في مشاهد مصورة، منهمكين في العمل أو يوجهون المسؤولين الأدنى رتبة منهم.
ما دور الوزير؟
يحيل هذا المشهد بالضرورة إلى تساؤلات حيال دور الوزير، وأهمية وضع السياقات والتقاليد داخل الوزارات بما يؤسس لعمل تنموي مستدام، لا يحتاج إلى كاميرات المصورين، ويجعل من عملية الإصلاح سلسلة، وتجري وفق القوانين، كما أنها تتمأسس في مفاصل تلك الوزارات.
وبعد زيارته دائرة التسجيل العقاري، أعلن المكتب الإعلامي لوزير العدل خالد شواني، ضبط موظفين تسلّموا رشاوى.
وقالت الوزارة في بيان صحفي، إن «وزير العدل خالد شواني أجرى زيارة ميدانية مفاجئة إلى دائرة التسجيل العقاري في الكرخ، حيث تمكن الوزير خلال الزيارة من ضبط لجنة من موظفين تسلموا مبلغا ماليا لقاء تمشية معاملة، ووجه باتخاذ أقسى العقوبات بحقهم».
لكن إذا كانت زيارة الوزير تم خلالها ضبط موظفين تلقوا رشاوى، فما بال الدوائر الأخرى، والموظفين الآخرين، وهل يجب أن يكون الوزراء في زيارات ميدانية وبشكل دائم؟، أم أن واجبهم يقتضي وضع سياسات عمل الوزراة، وتوضيب الإجراءات كي يلتزم بها الجميع، وإن كانت الزيارات في بيئة عمل مثل العراق مطلوبة أحياناً، لكن لا يمكن الاعتماد عليها في تسيير أعمال الدوائر، وضبط الفوضى التي تشهد بعض المؤسسات.
بث روح المنافسة
من جهته، ذكر مصدر مسؤول عراقي، أن «تلك الزيارات جاءت بتوجيه من رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وتهدف في المقام الأول إلى بث روح المنافسة، والتحدي في نفوس المسؤولين، وتشعرهم بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، كما أنها تشعرهم بوجود رقابة عليهم من الدوائر العليا، وهذا كان مفتقداً بعض الشيء، خلال الحكومات السابقة، لذلك فإن الهدف الرئيس من هذه الزيارات، هو الإطلاع عن قرب على واقع المواطنين، ومعرفة مكامن الخلل في العملية الإدارية».
وأضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، أن «هذه الحكومة عمرها عام واحد، وهي ليست بحاجة إلى الدعاية أو الإعلان، لكن ما يحصل في الوقت الراهن، هو تلبية لمطالب المواطنين، الذي يريدون دائماً أن يكون المسؤول مطلعاً على أحوال الدوائر، وعدم الاكتفاء في الجلوس في المكاتب وإصدار التوجيهات».
وطالب إداريون وحرفيون في الوزارات العراقية، بضرورة إحداث «ثورة» تقنية حديثة، ينتج عنها تغييراً هائلاً في روتين العمل، بما يعزز الانتاجية، ويديم العلاقة بين المواطن والمسؤول، ويجعل من تلك الدوائر منتجة وتدر دخلاً إلى الناتج العام، بدل وضعها الحالي، إذ أن أغلبها لا يحقق أي ربح، فيما يفتك الفساد في مفاصلها.
وأصبحت مهمة مراجعة الدوائر الحكومية العراقية، من أجل إنجاز معاملة ما، من المهمات المرهقة الشاقة. فالمراجع، مهما كانت معاملته بسيطة لا يستغرق إنجازها «جرة قلم» من موظف صغير، سيواجه روتينا قاتلا، وصعوبات إدارية تستغرق منه أياما، وأحيانا شهورا من المراجعات.
وخلال زياراتهم الميدانية، تمكن بعض الوزراء من ضبط مخالفات إدارية وفساد مالي وإداري، فعلى سبيل المثال، تساءل وزير الداخلية عبدالأمير الشمري خلال زيارته إلى مديرية جنسية الكرخ بالعاصمة العراقية بغداد، عن طبيعة وآلية عمل الشفت المسائي، مشيراً إلى أن «هذا الشفت غير فعّال».
وتبرز حلقة أخرى في المعاملات هي «المُعتمد»، وهو الذي ينقل البريد بين الدوائر، ويعتبر حالياً من الوظائف المطلوبة نظراً للحصيلة المالية التي يجنيها من العراقيين الذين يدفعون مضطرين، بينما الآخرون الذين لا يملكون المال يتعين عليهم الانتظار طويلاً قبل استكمال معاملاتهم.
الباحث في الشأن الاقتصادي سرمد الشمري، يرى أن «الدوائر في العراق بحاجة إلى تأهيل وإعادة ترميم، بدءاً من المناصب العليا ونزولاً، وهذا قد يمثل عملية جراحية، فهي صعبة، لكنها ضرورية، لإزالة الترهل الحاصل، ووضع السياقات الصحيحة، ومن ثم إطلاق عملية تنمية شاملة وفق خطط موضوعة سواءً لخمس سنوات أو عشر، كما تفعل الدول المتطورة».
وأضاف الشمري، أن «إصلاح عمل الوزارات عبر زيارات المسؤولين أو حتى رئيس الوزراء لا يمكن أن يتم، فهناك خلل كبير في جسد الدولة العراقية بسبب عدم حدوث أي عملية إصلاحية خلال السنوات الماضية، وهو ما تسبب بتراكم الأخطاء بل وزيادتها، لذلك يضطر المسؤولون إلى النزول لتلك الدوائر، بهدف إصلاح الخلل».