بغداد - العالم
في زمنٍ يعلو فيه صوت الصخب الفني على حساب المعنى، تظل آسيا كمال استثناءً نادراً...امرأة تمثّل بهدوء، وتتقن فنّ الحضور النقي، دون أن ترفع صوتها أو تُفرط في التعبير، هي "سيدة الضوء"، لأنها تعرف كيف تقف أمام الكاميرا وكأنها تضيء من الداخل.
منذ بداياتها، لم تذهب آسيا كمال نحو البطولة التجارية أو الصراخ الدرامي، لم تغوِها العروض التي تشترط الزينة المبالغ بها أو التكرار السطحي، بل مشت في خطٍ دقيق بين جمال الصورة وصدق الشعور، ولهذا، حين تظهر على الشاشة، يشعر المشاهد أن شيئاً حقيقياً يحدث، حتى وإن لم تنطق كلمة واحدة.
آسيا كمال ليست ممثلة تقليدية، هي مدرسة صامتة في الأداء، حيث الوجه يقول كل شيء، والسكوت يصبح لغة، تتقن التمثيل من الداخل إلى الخارج، فلا تصنع الشخصية، بل تسكنها... وتدعو الكاميرا إلى الاقتراب لاكتشاف ما لا يُقال.
في كثير من أدوارها، كانت "الأم الصامتة"، "الزوجة التي تفهم أكثر مما تقول"، "المرأة التي تنكسر بكرامة"، وهي شخصيات تحتاج إلى ممثل يُراهن على العين، والإيماءة، ومساحات السكون، هذا النوع من الأداء، الذي يتطلب شجاعة فنية، لا يقدر عليه إلا من فهم الحياة أكثر من النص.
لكن رغم حضورها الطويل في الدراما العراقية، لم تنل آسيا كمال ما تستحق من الاحتفاء، ربما لأنها لا تصرخ، لا تفتعل، لا تُسَوِّق، بل تكتفي بأن تترك أثرًا ناعمًا في قلب المشاهد، واللافت في تجربتها، أنها أيضًا مثقفة حقيقية، تقرأ، تفهم، تختار، وتتأنّى، ولهذا فإن كل دور تؤديه يحمل جزءًا من وعيها، وليس فقط من موهبتها.
اليوم، حين نتأمل رحلة آسيا كمال، لا نملك إلا أن نرفع لها القبعة، لأنها واحدة من القلائل الذين اختاروا طريق النور الهادئ، لا الضوء الساطع، من آمنوا بأن التمثيل ليس مجرد أداء، بل لغة صامتة تُقال بالصدق وحده، فهل آن الأوان أن تُمنح آسيا كمال ما تستحقه من التكريم؟
ربما، لكن الأهم من ذلك: أن نُعيد مشاهدة أعمالها بعيون أقل ضجيجاً... وقلوب أكثر انتباهاً.