سيرتا الأب السوري وابنه الإيطالي تتقاطعان بين الوطن والمهجر
28-آب-2022
أنطوان أبو زيد
في سلسلة الأعمال الحائزة جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة (فرع اليوميات المترجمة) صدر حديثاً عن دار منشورات المتوسّط (إيطاليا) كتاب بالترجمة العربية، فيه من سيرة الآخر وبعض من سيرة الذات، عبر وقفات، بل إطلالات متناوبة بين شخصيّتيها المحوريّتين: الأب محمد حمادي، والابن شادي حمادي، والراوي بينهما بل الكاتب المعنيّ هو شادي المولود في إيطاليا عام 1988 من أبٍ سوري وأمّ إيطالية. يحكيّ كلٌّ منهما مسار حياته بإيجاز وانتقائية كبيرتين من حيث علاقة كلّ منهما ببلده سوريا وإيطاليا، ورسم الفوارق بين عيش كلّ منهما في كلا البلديْن، واستخلاص السمات التي يتقاسمها الكاتب الإيطاليّ الشاب (شادي حمادي) السوريّ الأصل مع سائر إخوانه السوريين، واستنباط صورة التآخي الواقعية التي كانت لا تزال صامدة قبيل الأحداث الأخيرة، من أجل أن تنفي الصورة المنمّطة والإرهابية النافية للآخر المختلف ديناً ومذهباً وتوجّهاً سياسياً، والتي سعت دوائر بعينها إلى ترويجها إذكاءً للفتنة بين أشقّاء الأمس.
إذاً، لا تغيب غاية الكاتب شادي حمادي، ولا هو يغيّبها، منذ الصفحات الأولى، ولا يغفل عنها مترجم العمل الكاتب السوري يوسف وقّاص، إذ يشيران، كلّ بطريقته، إلى حقيقة عامة ينبغي تبيانها، وهي أن سورية هي بلد الحوار بين أبنائه، مذ كانت، وأنها موطن "التعايش بين الإسلام والمسيحية".
الأب والإبن الرواي
ومن هذه المسلّمة ينطلق الكاتب، ليروي أولاً، وبالنيابة عن أبيه السوري الأصل محمد حمادي والمتجنّس إيطالياً، والعضو في بلدية مدينة سيستو سان جيوفاني، وبلسانه، سيرته الموجزة، منذ أن وُلد في مدينة تلكلخ السورية عام 1943، أي قبيل إعلان استقلال سورية وجلاء قوات الانتداب الفرنسي عام 1946 عن البلاد، الى أن توفّيت امرأته الإيطالية غراتسيا، إثر إصابتها بمرض السرطان، تاركة ولديها، ابنتها من زواج سابق وابنها شادي منه، واستقال من العمل السياسي والاجتماعي. وفي خلال النوبات الخمس التي يعتلن فيها صوته، راوياً بعض مفاصل سيرته السورية-الإيطالية؛ وأهم هذه المفاصل، حدث اعتقاله منذ ما يزيد على الخمسين عاماً في سوريا، بحجة انتمائه الى جماعات شللية يسارية، مؤيّدة للمقاومة الفلسطينية وهروبه عام 1968 من البلاد إبان حكم الأتاسي وصلاح جديد إلى الكويت بهوية أخيه، واضطراره إلى العمل كسباً للعيش في ظروف شديدة القسوة. ثم نجاحه في السفر إلى إيطاليا موفداً تجارياً لشركة أقمشة، واستقراره في مدينة سيستو سان جيوفاني، وتعرّفه إلى امرأة سوف تصير زوجته، وأماً لوحيدهما شادي، ورفيقة نضاله الاجتماعي من أجل ترسيخ علاقات المحبة والتضامن بين المواطنين الإيطاليين وسائر المهاجرين إلى إيطاليا من أديان وأعراق مختلفة.
ومما رواه الأب محمد حمادي، في النوبات الخمس المتاحة له، والمترجمة لحقبات زمنية متتالية تاريخياً، مواكبته لمصاب أهله من السوريين، وتشجيعه كلّ نضال في سبيل حرّية السوريين وتحقيق وئامهم الداخلي وإنجاز الإصلاحات التي تطالب بها معظم النخب، ومنع التدخلات الأجنبية في الصراع الدائر منذ العام 2011، بحسب قوله، ولا سيما تدخّل روسيا لصالح النظام. ولما كانت مداخلاته، لكونه عضواً فاعلاً في بلدية مدينته الإيطالية، ونشاطاته الإعلامية والخيرية الداعمة للشعب السوري لم تفضِ إلى نتيجة، ولما ساءت الأحوال في الداخل، وازداد سعير الحرب الأهلية اشتعالاً في الداخل، أوائل العام 2014، انقطع محمد حمادي عن العمل الدبلوماسي، وجعل يحصر أعماله في التخفيف من وطأة التهجير على جموع اللاجئين السوريين غير الشرعيين، والهاربين من ساحات الحرب، والناجين بأرواحهم عبر قوارب الموت، موفراً لهم حسن الوفادة والاستقبال من قبل المجتمع الإيطالي المتسامح، في مدينته، وساعياً إلى إدماجهم في بيئتهم الجديدة، ما استطاع إليه سبيلاً.
وبالمقابل، كرّس الابن- وهو الراوي والكاتب شادي حمادي- خمس نوبات متقاطعة مع إطلالات أبيه، من أجل أن يبيّن انتسابه الى عائلة ذات فضل، وميلٍ الى التسامح والتعايش مع الآخرين المختلفين ديناً وثقافة، من عهد الجد محمد حمادي (الأول) المولود عام 1861، الذي كان شيخاً للصلح بين المسلمين والمسيحيين إثر أحداث العام 1920 غداة انسحاب العثمانيين من سوريا ولبنان، ونشوب أعمال انتقامية ضد الموالين للأتراك ممن أذاقوا السكان مرارات الموت جوعاً وسخرة ونفياً. وكادَ يُقتل، لو لم تسارع جماعات من المسيحيين لإنقاذه، إقراراً بأفضاله وحدبه عليهم ودفاعه عنهم ذلك الزمن. ولم يكن والده محمد حمادي، المولود عام 1946، والعروبي النزعة ودارس الحقوق، ليشذّ عن قاعدة التسامح والتآخي، وقد توّج مسيرته بالزواج من إيطالية مسيحية كاثوليكية، على ما ورد سابقاً.
أما شادي حمادي، المولود عام 1988، فكان جلّ شغفه لمّ شتات هويته المكانية، الموزعة بين سوريا موطن آبائه وأجداده، وبين إيطاليا مسقط رأسه، وسعيه الحثيث الى تسجيل خريطة تنقّل الجد (إبراهيم حمادي) والوالد (محمد حمادي)، ومقابلتها بخريطة تنقلاته بين شطري المتوسط (سوريا، وإيطاليا، وإنجلترا)، وإعادة تشكيل هذه الأمكنة والتعرف عن كثب إلى أقاربه (الجدة، والأعمام)، وترسّم خطى والده إبان شبابه ونضاله السياسي من خلال التيار العروبي العلماني، بغية مقارنتها بما لديه (شادي) من أفكار وسلّم قيَم مختلفة، أولاها المواطنة المرتبطة بحرية الاختيار الفردية وتحصيل الحقوق الأساسية التي تكفلها شرعة حقوق الإنسان العالمية.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech