شبح الانهيارات الاقتصادية من الشاشة إلى «وادي السيليكون»
2-نيسان-2023
العالم - وكالات
انهيار مالي وإفلاس وركود، تعبيرات شديدة الصعوبة على الحكومات كما الأفراد تماماً، تحمل مزيجاً من الإحباط والتخبط وعدم الثقة، لكنها مع ذلك تبدو ملهمة للغاية لمن يسهمون في صنع مجد الفن السابع.
وفي حين تتصدع أسس كبرى المؤسسات المالية في العالم، ويعيش رجالها الراسخون في تيه وصدمة، تدخل الكاميرات لتؤدي واجبها، ما بين إنتاجات توثيقية وأخرى روائية مستندة إلى وقائع ثقيلة وسوداء، ترصد وتحلل كيف يتصرف البشر، سواء أكانوا فاسدين ومتورطين أم مجرد ضحايا لمؤسسات أعطوها ثمار تعبهم، ووضعوا فيها أحلامهم.
الانهيارات المتوالية في البنوك الأميركية أخيراً، التي عرفت بـ"عاصفة وادي السيليكون"، بعد أن سحب المودعون أرصدتهم بشكل مفاجئ، تذكر بالكساد المالي الكبير الذي جرى في عام 2008، وما عرف حينها بأزمة الرهن العقاري، بعدما تقاعس المقترضون عن تسديد أقساط منازلهم للبنوك، التي وجدت نفسها مفلسة.
لكن ماذا كان بين عامي 2008 و2023؟ قائمة طويلة من الأفلام التي تؤرخ وترصد وتحلل وتقترب بشكل ملحوظ من خبايا مناقشات الطاولات التي جمعت مجموعة من الخبراء المصرفيين والمسؤولين الحكوميين، من دون أن تتجاهل بالطبع معاناة المواطن، الذي وجد نفسه غارقاً وضائعاً في تفاصيل شديدة التعقيد وصعبة التجاوز، بعد أن خسر المأوى وبات مديناً، علاوة على التداعيات النفسية والمجتمعية التي قلبت حياته وحياة أفراد عائلته. فالأفلام تأخذ من الواقع وتمنحه أيضاً أبعاداً أخرى ربما تفيد المشاهد في التعامل مع المشكلات المشابهة إذا ما تعرض لها، ولربما تكون مؤشراً منذراً للهيئات الرسمية وأصحاب القرار كذلك.
الخوف من انهيار 2008
أخيراً أصبح القارئ العادي محاطاً يومياً بأخبار بنوك مثل وادي السيليكون وفيرست ريبابليك بالولايات المتحدة الأميركية وكرديدي سويس بأوروبا، حيث يقرأ تحليلات قلقة لخبراء الاقتصاد الذين يتخوفون من أن تتسع دائرة الأزمة، وتصل إلى مؤسسات مالية أخرى مرتبطة بهم بشكل أو بآخر، تماماً مثلما حدث عام 2008 حينما تأثرت بنوك كثيرة خارج الولايات المتحدة الأميركية بالسقوط المدوي لكبريات بنوكها، وذلك فقط لأن المواطن الأميركي أصبح عاجزاً عن سداد الرهن العقاري، بسبب تفاقم سعر الفائدة، فتهاوت السيولة المالية في البنوك، ومن ثم تعثرت مشاريع كثيرة، وحدث شلل بالقطاع المصرفي، ومن ثم الإفلاس ثم الكساد، الذي طاول الشرق والغرب.
تلك الذكريات التي ليست بعيدة كثيراً، كانت تصل إلينا في هيئة أرقام وصور إحصائية، بينما الهلع الحقيقي عاشه المتأثرون بشكل مباشر بالأزمة، وصانعوها الذين وجدوا أنفسهم في قلبها من دون ذنب، وحينها جاء دور السينما في تقديم مجموعة كبيرة من الأفلام التي أرخت لهذه الفترة، ونقلت التوتر والأجواء المظلمة والنظرات المتشككة بلغة الشاشة للجمهور، فالدرس الاقتصادي القاسي كان أكثر قتامة مع سحر الكاميرا.
أكبر من مجرد إفلاس
قد يكون من أبرز وأشهر تلك الأعمال "Too Big To Fail - أكبر من أن تفشل" 2011، المأخوذ عن مؤلف للصحافي الاقتصادي أندرو روس سوركين، وكتب له السيناريو بيتر جولد، وأخرجه كورتس هانسون.
يروي العمل كواليس ما جرى في الاجتماعات المغلقة عند انهيار بنك "ليمان براذرز" أكبر البنوك العقارية بالولايات المتحدة الأميركية، الذي انفرط بعده عقد بقية المؤسسات، وألقت الأزمة بظلالها على أداء بورصة "وول ستريت"، وغرقت السوق المالية في فوضى وكساد وارتباك.
وقدم ويليام هارت ببراعة دور هنرلي بولسن وزير الخزانة الأميركي آنذاك، الذي خسر منصبه بعد عام تقريباً من محاولات مستميتة في تفادي الخسائر المدوية التي لحقت باقتصاد بلاده، وتأثرت فيها أغلب دول العالم في ما بعد، وعرض الفيلم المفاوضات بين المؤسسات الرسمية وموظفي البنك، وتضمن كثيراً من المعلومات المتخصصة التي أظهرت تعمقه في مناقشة القضية.
الكاميرا تفضح التلاعب
وعن كتاب آخر من متخصص خاض شوطاً في الصحافة الاقتصادية وفي العمل بالبنك الذي قاد سلسلة الانهيارات "الإخوة ليمان"، وهو مايكل لويس طرح فيلم "The big short - العجز الكبير" عقب ثماني سنوات من الأزمة، وشهد العمل مشاركة عدد من كبار نجوم هوليوود، بينهم براد بيت وكريستيان بيل وستيف كارل ورايان غوسلينغ.
وتدور أحداث العمل حول أربعة من المضاربين، الذين يحاولون التربح من توقعهم لاندلاع أزمة الرهن العقاري. ويضع الفيلم الذي كتب له السيناريو وأخرجه آدم مكاي الشخصيات أمام تلك المعضلة الأخلاقية التي كشفت عن خبايا أنفسهم، في إطار كوميدي لا يخلو من التراجيدية كذلك، فالفقاعة العقارية التي توقعوا انفجارها وسببت زلزالاً اقتصادياً لم تكن وليدة الصدفة، لكن الفساد المالي في "وول ستريت" رمز الرأسمالية الأكبر كان من أكبر المحركات لها.
لعبة السينما والكساد
التخوفات الكبيرة من تكرار سيناريو 2008، تفسر التعامل الحذر مع عاصفة وادي السيليكون التي تمتد رياحها تدريجاً خارج المحيط الأميركي، وهو أمر ظهر في التعامل الحكومي الرسمي والتدخل السريع لمحاولة احتواء التداعيات، فشبح الأزمات الاقتصادية الكبرى يعتبر هو الكابوس الأسوأ للمؤسسات الرسمية والخاصة، وبالطبع المواطن العادي، حيث دوماً ما كانت تقارن حال الإفلاس والركود المرتبطة بالعقارات التي وقعت قبل 15 عاماً بما حدث في عام 1929، إذ حدث ما سمي بالكساد الكبير، حينما انهار سوق الأسهم الأميركية في يوم ثلاثاء سمي بالأسود.
الولايات المتحدة الأميركية مثلما تكون هي منبع الانفجار تأتي أيضاً إنتاجات وإبداعات لا تنسى تشرح الأحداث الصعبة وتنتقد الحكومة ورؤساء القطاعات المعنية، والأفراد، وتقترب كذلك من دوافعهم الإنسانية وضعفهم وسوء تصرفهم غير المقصود والمقصود، الذي كلفهم وكلف البلاد وما حولها أموالاً طائلة بخلاف التأثيرات النفسية الحادة التي مني بها الخاسرون.
ويستند فيلم "Margin Call - مكالمة هامشية" 2011 من تأليف وإخراج جي. سي. شاندور وبطولة ديمي مور وستانلي توتشي وكيفن سبيسي، إلى وقائع حقيقية جرت بعد 24 ساعة فقط من الانهيار المالي عام 2008، الذي فتك بالقطاع الاقتصادي، لكنه يختار ألا يسمي المؤسسات بأسمائها الحقيقية، ويترك لمخيلة المشاهد تركيب شخصيات الأبطال على نظيرتها في الواقع، حيث يجتمع كبار الموظفين والمسؤولين للبحث عن طوق نجاة ومناقشة الخيارات المتاحة، مع استعراض للجهود الحثيثة لإقناع الأطراف الأخرى بصفقات تجدها غير مرضية، حيث يجد المشاركون أنفسهم أمام اختبار أخلاقي يجعلهم يتنازلون عن مبادئهم الأساسية التي لطالما دافعوا عنها.
تحد إنساني آخر متعلق بالأزمة المالية الشهيرة تناوله فيلم "99Homes" عام 2014 للمخرج الأميركي من أصل إيراني رامين باهراني، فالمفارقة الأساسية للحكاية هي أن رب الأسرة الذي يعيش أسوأ أيام حياته بعد طرده وعائلته من المنزل لتقاعسه عن تسديد الدين، وبسبب ألاعيب المالك، يتحول اضطرارياً إلى موظف لدى هذا المالك، وتكون مهمته هي طرد أسر أخرى من بيوتهم ليذيقهم من الكأس نفسها، أملاً في أن يستعيد منزله مرة أخرى.
"السينما الاقتصادية"
الرعب من أي تدهور اقتصادي أمر لا يمكن تجاهله، بل إن أي هبوط أو عدم استقرار يجعل المتخصصين يستنفرون ويشحذون عدتهم، وهو ما حدث مثلاً إبان التقلبات التي وقعت عام 2016، وأثرت بشكل أو بآخر في أسواق المال، وكان من بينها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وفوز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، ثم رفع سعر الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الأميركي.
لكن تلك الحوادث مرت في النهاية مع تفاوت الخسائر، فالوضع وقتها لم يرق لمستوى الأزمة الكبرى، بل صنفت الوقائع كهزة اقتصادية جرى تجاوزها مع بعض العثرات، ولذا من الطبيعي أن يكون الاقتصاد "السينمائي" محوراً مهماً في عالم الفن. لكن تلك الحوادث مرت في النهاية مع تفاوت الخسائر، فالوضع وقتها لم يرق لمستوى الأزمة الكبرى، بل صنفت الوقائع كهزة اقتصادية جرى تجاوزها مع بعض العثرات، ولذا من الطبيعي أن يكون الاقتصاد "السينمائي" محوراً مهماً في عالم الفن.
وبخلاف الأعمال الروائية الطويلة، هناك أيضاً عدد كبير للغاية من الأفلام الوثائقية التي تناولت أوقات الانهيار المالي، وعبرت عنها بواقعية مع سرد درامي جذاب، ومنها أيضاً ما حقق حضوراً في عالم الجوائز وبينها "Inside Job" الذي عرض بصوت النجم مات ديمون، و"Capitalism" للمخرج مايكل مور، إضافة إلى "Collapse"، و"The smarts guys in the room"، و"I.O.U.S.A".