في ذكرى الإطاحة بـ الرئيس الذي اختطف العراق
3-نيسان-2023
عباس سرحان
في مثل هذه الايام من عام 2003 اقتربت القوات الامريكية كثيرا من العاصمة العراقية بغداد بعد أن تهاوى نظام صدام بسرعة كبيرة، ولم يبق منه سوى وزير اعلامه، محمد الصحاف، يطلق تصريحات مثيرة للشكوك والتساؤلات عن انتصارات وهمية قبل ان تباغته الدبابات الامريكية فيفرّ من فندق الشيراتون الذي اتخذه مقرا لبث مؤتمراته الصحفية وقد أصبحت محل تندّر لاحقا.
لم تكن قد مرت على بدء الحملة العسكرية الامريكية التي انطلقت في العشرين من آذار 2003 سوى ثلاثة اسابيع. لكن نظام صدام لم يكن مؤهلا للصمود أكثر من ذلك!.
فقد انهار بشكل كامل ودخلت دبابات ابرامز الامريكية العاصمة العراقية بغداد وراحت تجوب شوارعها دون مقاومة وجاب الجنود الامريكان قصور صدام ومحمياته التي طالما مُنع العراقيون من النظر اليها فضلا عن دخولها.
ما حدث لم يكن مفاجئا! فالعراق منهك من حروب طويلة مدمرة وحصار دولي، وحملات اعدام جماعية شنها صدام ضد ابناء شعبه، جعلت من العراق بلدا منخورا من الداخل ولم يكن بمقدوره مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها من الدول العظمى، وكان صدام يدرك ذلك جيدا ويعيه تماما ويعلم ان العراقيين لن يدافعوا عنه بعد كل ما لحق بهم من موت ودمار بسبب سياسات طائشة وربما مقصودة.
ترك صدام، العراق يواجه مصيره واختبأ من الامريكان في حفرة نتنة صنعها لنفسه، بينما أدخل العراق في حفرة سحيقة لم يتمكن إلى الآن من الخروج منها، وتغير تصنيف العراق الى دولة محتلة وظل يعاني من آثار الكارثة، فهو اليوم بلد محتل وقراره السيادي مرتهن وأجواؤه عرضة للانتهاك واقتصاده مأسور للبنك الفيدرالي الامريكي.
أخرج الامريكان صدام من حفرته ولم يطلق نحوهم رصاصة واحدة من سلاح لطالما أرعب به خصومه ومنافسيه وأفرغ رصاصاته في رؤوس رفاق دربه ممن شك بولائهم.
واكتفى بالصياح بوجه الامريكان "أنا صدام حسين يا أمريكا لا تطلقوا النار". كأنه يذكّرهم بما قدمه لهم من إنجازات طوال فترة حكمه، وهذه الجملة وحدها تثير أسئلة كثيرة حول تاريخ حكم حزب البعث في العراق.
فلماذا أصر صدام على دخول الحرب ضد امريكا وهو يعلم أن العراق لن يكون قادرا على مواجهتها، ولمَ رفض مبادرة روسية حملها له يفغيني بريماكوف رئيس الوزراء الروسي الاسبق طلبت منه التنحي عن السلطة حفاظا على العراق وتجنبا للمواجهة غير المتكافئة؟
لماذا جعل صدام مصير العراق بكل ما فيه ومن فيه مرتبطا بمصيره، ولم يختر موقفا مشرفا شجاعا فيجنب العراق الدمار الحتمي والكارثة التاريخية ويتنحى عن السلطة حتى لا يمنح امريكا مبررا لاحتلال بلد طالما حلمت باحتلاله والسيطرة عليه، فقدمه لها على طبق من ذهب؟
هل يحق لصدام وهو شخص واحد أن يختطف بلدا بشعبه وتاريخه ومستقبله وثرواته ويتمترس به معرضا وجوده لخطر جسيم، وبأي منطق يمكن تبرير ذلك سوى أنه منتهى الأنانية وعدم الشعور بالمسؤولية في أحسن الأحوال! وأين صدام من جمال عبد الناصر الذي استقال فور هزيمة جيشه في حرب 1967؟.
هذه التساؤلات ظلت بلا اجابات لكنها تقود الى تساؤلات خطيرة اخرى، فمن هو صدام، ولماذا أعدم العراقيين دون رحمة، وانقلب على البعثيين؟.
ولماذا غزا ايران بينما كانت تعيش اضطرابات داخلية بسبب ثورتها الفتية بذريعة تهديدها لأمن العراق وهي لم تشكل حكومة بعد، ولماذا حظي بدعم امريكي وغربي مطلق خلال حربه ضد شعبه وضد ايران، ولمصلحة من ولماذا غزا الكويت وهي بلد مسالم صغير وادع؟.
كيف تمكن شاب قروي مغمور بلا تجربة سياسية من الاستحواذ على الحكم وتصفية كل معارضيه ومن يشك بولائهم له بمن فيهم البعثيون وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية في حينه احمد حسن البكر الذي اجبره على التنحي قبل ان يقتله بحقنة من مادة الثاليوم دون ان يكون لمجلس الأمن أي موقف من جرائمه تلك؟.
من الواضح أن صعود صدام خُطط له بعناية فائقة، وبدت لمسات جهات مجهولة ذات خبرة فائقة، جلية في رسم تلك الخطة والاشراف على تنفيذها.
لكن الكم الكبير من عمليات الاغتيال المدبّرة التي طالت خصوم صدام ومنافسيه ومن يُعتقد أنهم يقفون في طريق صعوده السريع تشير إلى أن الجهة التي أحاطته بالرعاية، جهة أو جهات دولية قوية ذات خبرة مخابراتية أرادت له الإمساك بحكم العراق تنفيذا لاستحقاقات طلبت منه فيما بعد.
لقد تمكن صدام من ازاحة كبار ضباط الجيش ممن ساعدوا في انقلاب البعث عام 1968 أمثال ابراهيم الداود وحردان التكريتي وطاهر يحيى وعبد العزيز العقيلي ورشيد مصلح وغيرهم، ثم استدار وانقض على رفاقه في حزب البعث فأعدم كبارهم في مجزرة قاعة الخلد 1979.
وبذلك أنهى كل القيادات العسكرية والسياسية التي يمكن ان تنافسه في قيادة الحزب والدولة ومرّت تلك الجرائم دون أدنى إدانة دولية، ومرّ قرار طرد الشركات النفطية البريطانية والامريكية والهولندية من العراق، ولم تحرك الدول الكبرى ساكنا مع أنها هاجمت مصر عام 1956 حين أمم عبد الناصر قناة السويس!.
من الواضح أن صدام قدم خدمات جليلة للدول الكبرى الطامعة بالمنطقة حين وقف بوجه المد الشيوعي ونكل بالشيوعيين العراقيين، وقضى على المد الاسلامي في العراق فأعدم كل من شك بانتمائه لحزب اسلامي فضلا عن كبار مراجع الدين في النجف الأشرف.
وأوقف تقدم العراق الاقتصادي وجعله بلدا استهلاكيا يعتمد على ما يستورده من الدول الأخرى، ثم شن حرب نيابة ضد إيران فدمر الجيش العراقي الذي كانت اسرائيل تحسب له ألف حساب، وعرقل لعدة سنوات تطور ايران بعد ثورتها وتسببت حربه معها باستنزاف الاموال العراقية والايرانية لصالح شركات انتاج الاسلحة.
وابتلع الكويت فجاء بأمريكا وحلفائها الى المنطقة ودفعت الكويت اموالا طائلة لأمريكا بغية تحرير نفسها، ثم استمر بالحكم بعد كل تلك الكوارث فمنح الامريكان ذريعة مثالية لاحتلال العراق الى وقت غير معلوم.
أليست هذه السياسات تبدو مقصودة خدمة لأمريكا والغرب، ولم يستفد منها العراق والمنطقة بل كانت وبالا على الجميع، أبعد ذلك يمكن لعاقل أن يحسن الظن بصدام؟
أما حكاية الإطاحة به فلا تعدو عن كونها نهاية عميل انتفت الحاجة إليه وأصبحت إزالته بحد ذاتها مكسبا لأمريكا وحلفائها حققت بها ما كانت تحلم به فأصبحت لها قواعد في العراق وسيطرة شبه كاملة عليه.
وقد سبقه بالمصير غيره من العملاء مثل جنرال بنما الأسبق نورييغا الذي عمل مع وكالات المخابرات الأمريكية عشرات السنين وكان من أهم مصادرها، ثم اتهمته امريكا بتهريب المخدرات فاعتقلته عام 1988 ومكث في السجن الى ان توفي في 2017.