في ذكرى الانتفاضة الشعبانية عام 1991
10-شباط-2025

طه المراياتي

قصة /علي الطايف

انتفض غاضبا ، لا يعي احد مدى سوء ظروفه ، و لم و لن يعي احد مدى قساوة الحياة خارج حدود جنة الله ( ايشان هديب) ، عشرة دونمات لا يمكن له ان يتركها جدبة ، لقد تعود ان يحيلها لمروج خضراء تنبسط بتؤدة و سكينة لتمنحه قدرا من الراحة و الامان...كرسي الله الذي اصطفاه لعباده ، ينظر الى الاعلى ثم يصفق يدا بيد قائلا
ـ يبدو ان الانباء سيئةٌ
ـ سيئة للغاية يا أبتي
ـ لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم ، لن يدعونا نعيش بسلام ، يبدو ان الذي حدث هناك.. سيحدث هنا دون شك
ـ كيف؟
ـ الا ترى معي ان وجوه كثيرة و غريبة دخلت (الشامية) ، اني ارى في اعين البعض سوء نية ، نظرات حادَّة تتفحص الاشياء بضغينة
ـ نعم... لقد جاؤوا امس يا ابتي ، طالبوني بالانضمام اليهم ،
ـ ما الذي ستفعله لهم انت يا شاكر
ـ لا ادري
صمت برهة ثم اجال النظر في السماء مرددا
ـ يبدو ان السحب قد غادرتنا الى ابد الابدين ، الزرع سيجدب و ماطورات الماء بحاجة لكاز ، لست ثري لاشتري لتر الكاز بكذا مبلغ و اذا ما فعلت فاني سأدفع ثمن ما احصده و ابيعه الى بائعي الكاز
ـ و العمل؟
ـ ننتظر السماء... فرج الله
يتعالى دوي اصوات القنابر بجنون... صمت و ازيز لا يمكن لهما ان يلتقيان الا في المحن. ينظر احدهما للأخر، ثم ينطلق صوت من الخلف فيه طعم حنظل و ورائحة بارود:
ـ زاير كاظم.... زاير كاظم.... ها ... هنا .. هنا... زاير كاظم، مشيرا بكلتا يديه ،يصل مقربة منهم و هو يلهث بكلل مردداً
ـ زاير كاظم ، الحمد الله على سلامتك
لم يجب ظل صامتا و هو يتفحص وجه ابنه شاكر باستغراب... ثم عاد ليسأل الرجل بتوتر
ـ خير انشاء الله
اجاب الرجل وهو لم يزل يحتفظ بصعوبة النطق
ـ قالوا انك قد قُتِلتْ... قتلك علي الطايف ثأرا لابن عمه
صفق الزاير بكلتا يديه....مرددا بزهد
ـ إنّا لله و إنّا اليه راجعون..... من قال هذا يا زامل؟
ـ الكل يقول ذلك... لقد شاهده يحمل برنوه، صارخا....( اولاد الكلب لن اترككم تعيثوا في الارض فسادا بعد الان)
نظر زاير كاظم الى محدثه باستغراب.... ثم تساءل
ـ و منذ متى حدث هذا؟
ـ منذ اربعة ايام على ما اظن
صاح شاكر بغضب
ـ يعني قبل الاحداث رد الرجل بتلعثم
ـ لا .... ربما اقترن مع بدايتها
علق زاير كاظم
ـ يا جماعة... لم و لن اسمع يوما ما، ان علي الطايف قد حمل برنوه ليعادي فلان او يسلب فلتان او يغتصب فلانه.... الله يشهد ان علي الطايف ينهي يومه كما يعرف الجميع بمراقبة مد النهر و جزره و هجرة الطيور بكل انواعها، كان صيد الخضيري و الدراج يستهويه حد الجنون ، و ظل عاشقا ابدا للشبوط و البني و الزوري و الفالة و المشحوف ، هو لن يثأر مني قط و بالخصوص في هذه الظروف بالذات و ان فعلها فهو على حق
رد شاكر بانفعال
ـ يقتلك و هو على حق! اي حق هذا يا ابتي؟
صمت زاير كاظم برهة... ثم ردد بطيبة ، موجها كلامه لزامل
ـ ليطمئنوا الجماعة يا زامل ، لم ولن يقتلني علي الطايف... قل لهم الزاير بخير و ليدعوا علي الطايف هو و شأنه ، ثم امر محدثه بالرحيل او بمغادرة المكان ثم ترك محدثه يغادر المكان بخيبة امل.
عاد الزاير يراقب من جديد سماء الشامية الملبدة بالدخان و هو يردد
ـ لا اتحمل النظر في سماء لا غيث فيها.... الارض تبور و البذور تتعفن ،كل شيء بدأ يجدب و يموت يا شاكر ، السماء ملبدة بغيوم كاذبة... لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
رد شاكر بحزن
ـ و الحل يا ابتي
ـ ننتظر!!!.... ننتظر المطر
لحظات موحشة ،مؤلمة ،يراقبها صمت مجهول لأصوات موجعة تتوزع على الجهات الاربع دون رحمة ، اصوات قد زادت ضغط الدم و رفعت منسوب السكر فيه ودمرت خلايا الاعصاب كلها... آه... يا شاكر ، اصوات مرة طعمها الصبار
ـ ولكن، من يرمي من؟
ـ لا ادري يا ابتي... القنابر تأتي من كل حدب و صوب، ثم صمت شاكر لحظة و سرعان ما رفع راسه باتجاه نقطة سوداء بدأت تقترب ، الا ترى معي ... ان شيئا ما يقترب
ـ نعم يا شاكر
شاحنة مكتظة برؤوس سوداء مغبرة و وجوه كالحة ، مدججين بأسلحة متنوعة... هبط احدهم ، ثم التحق خلفه ثلاث او اربع.. صاح بصوت متعب
ـ زاير كاظم،... بشّر...بعدك عايش؟
ـ نعم ، نعم
ابتسم الرجل و هو يطبطب على كتف زاير كاظم باستسلام ، ثم اردف متسائلا و قد شخّصّ نظرة نحو شاكر
ـ اين علي الطايف يا زاير
ـ اشار الزاير بقلق و هو يشير نحو ولده بكف مرتعش
ـ انه شاكر ابني
رد الرجل بعصبية
ـ اني اسأل عن علي الطايف، اين خبأته يا زايركاظم ، قالوا انك تحتفظ به في مكان ما... لقد رأوه امس يقترب من ارضك يا كاظم
نظر الزاير الى وجه محدثه بغضب و هو يردد
ـ كيف لي ان اخبي رجل ينوي قتلي ، ثم اني أتساءل من هو علي الطايف ، اي علي تقصدونه....أهذا الذي انهى جل عمره يصطاد بعشق مجنون سمك و دراج الهور يا سادة !!! ام ان عليا اخر قد تقصدونه؟
صاح الرجل بغضب
ـ علي الذي تعرفه
رد الزاير بضجر
ـ لم ارَه... ثق اني لم ارَ وجهه منذ اشهر... لقد طاردوه من قبل و ها انتم تطاردوه اليوم
صمت الرجل برهة و هو يتأمل وجه شاكر الطفولي المتعب من هم الترحال و راء طوابير نعاجه
ـ لا باس ، ارسل لنا شاكر يا زاير... اننا بحاجة اليه
ثم غادروا المكان حتى اضحوا كشاحنتهم ، نقاط سوداء صغيرة جدا ، سرعان ما تلاشت ببطء.
كانت الارض تهتز غضبا و تتفجر غيضا... مع دوي القنابر القاسي و فوضى الاصوات و الاشياء التي ملئت سماء الشامية.... اتربة تتطاير بقوة ، اصوات مدوية تحيل نسمات الهواء العبقة الساحرة الى ذرات مغبرة تحجب الرؤية و تحيل سماء الله لونا طينيا خانقا
صاح زاير كاظم بقلب عاشق زاهد
ـ يا نار.... يا نار كوني بردا و سلام يانار
رد شاكر بفزع
ـ القنابر تقترب يا ابتي.... لنعود ، نعود الى البيت ، يا ابتي
اجاب باسترخاء و رضا مؤمن
ـ هنا او هناك... القنابر هي هي ياشاكر
ـ و لكن ان بقينا ستفنينا الشظايا و تمزقنا الرصاصات التائهة يا ابتي
ـ لا باس... و لكن الا تسمع معي ما قاله المسلحون من ان علي الطايف قد شوهد يقترب من ارضنا
ـ اظن ذلك و لكن ما لنا و علي الطايف يا ابتي؟
ـ هلم يا شاكر.... تعال لنبحث عنه ،و لا باس فالقنابر لا تقتل المؤمنين.
نهضا معا و بتؤدة اخذا يسيران و هما يتفحصان التربة بشجاًعميق، بينما تحولت دشداشتيهما الى قطعتي غبار احمر
قال الزاير و هو يردد بحزن
ـ من كان يظن ان ارض الزاير و في موسم الشتاء ، تصبح مجرد ذرات تراب تتطاير اثر نفحة هواء لا غير.. انا لله و انا الي راجعون
رد شاكر بأسى
ـ و غربان... غربان سوداء تعبث بها ما تشاء ، انظر يا ابتي... هناك الغربان تتوجس شيئا ما...
اسرعا بخطواتهم المتعبة ، المثقلة بهمِّ دوي القنابر و ازيز الشظايا.....طارت الغربان و هي تنعق كعادتها ، بينما احس الاثنان بان شيئا ما بدأ يداعب خديهما ، تلمس الاب بأمل قاس وجهه ثم نظر الى ابنه بعينين مذهولتين و هو يردد بفرح مخنوق
ـ اخيرا ... لقد قررت الغيوم الكاذبة أن لا تكذب... انه المطر يا شاكر.... اليس كذلك؟
صرخ شاكر بفرح
ـ اظن انها بدأت .... اظن ذلك يا ابتي
ـ لا باس، و لكن دعنا نتقدم اكثر... الى هناك...( اشار بيديه الى نقطة غربانية سوداء)
رد شاكر بعدم رضا
ـ عبثا نحن سائرون ، ربما يتحول هذا الطل الى وابل... وابل يحاصرنا يا ابتي
لم يعر لرد شاكر اية اهمية ، تقدم بخطى سريعة الى الامام ، بينما كان الدويّ يتصاعد ، يتصاعد اكثر حتى اضحت قطرات المطر تثقل كاهليهما ، ثم قليلا و قليلا ، ازدادت سرعت نزول المطر مع سرعت و كثافة الدوي ، بينما كانت اقدامهما تغور في وحل الصبر وهم يتجهان الى الامام بعينين شاخصتين بصعوبة الى الامام ، الى النقطة السوداء التي كان تحوم حولها الغربان بنعيق مستنكر للخطوات الاتية.
و لحظات ، حتى تتضح الصورة ، نظر كليهما الى الاخر بقلق و فزع ... بينما تصاعدت زغات المطر بشكل مجنون ، حاول شاكر ان يتفحص بوضوح
و لكن سرعان ما صرخ شاكر بخوف
ـ ما هذا؟!!!!
توسعت حدقتا عين زاير كاظم و هو يردد بحزن
ـ جثة !!!!؟
جثة رجل عانقت يداه بكل عنفوان برنوه، جثة مضرجة بدم آدمي و مثخنة بجراح ، جراح قاسية محاطة ببركة دم اخذت تتوسع كلما ازدادت سرعة المطر الآذاري ، و دون سابق نذير تصاعد نشيج زاير كاظم بجنون ،حاول ان يسيطر على دموعه يوقف حدّة نشيجه المتعب ، ولكن دون جدوى ، نظر الى شاكر بتيه ،تيه من يفقد عزيز ، اراد ان يتوجس فيه القدرة على النطق بعد ان فقدها ، فلم يجد سوى يدا شاكر تسحبه و تحضنه وهما لازال يحتفظان بذات النشيج
ـ من قتل من؟ يا شاكر

واشنطن قد توجه عقوبات لمصرف الرافدين وطيف سامي تدعو لتعزيز الشفافية في النظام المالي
13-آذار-2025
ريكاني: الحكومة الحالية صاحبة اختراع مشاريع فك الاختناقات
13-آذار-2025
السوداني يسحب قانون تقاعد الحشد من البرلمان
13-آذار-2025
المفوضية تبدأ تحديث سجل الناخبين الأسبوع المقبل
13-آذار-2025
هيئة الاستثمار: إعداد لوائح لتحفيز الاستثمارات الداعمة للاقتصاد الأخضر
13-آذار-2025
واشنطن قد توجه عقوبات لمصرف الرافدين وطيف سامي تدعو لتعزيز الشفافية في النظام المالي
13-آذار-2025
مستشار حكومي: ربط الاقتصاد الدولي بالعراقي يعظم النمو وفق خطة التنمية
13-آذار-2025
المجلس الوزاري يناقش استكمال جداول الموازنة وواقع السوق النفطية المحلية والعالمية
13-آذار-2025
رئيس الوزراء يوجه وزارة الكهرباء بتهيئة عقود فنية لمشروع الطاقة الشمسية
13-آذار-2025
كاساس يصل الى بغداد تحضيرا لمواجهتي الكويت وفلسطين
13-آذار-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech