كيف تتكون الذكريات؟
23-كانون الثاني-2023
دينا درويش
تكتسب الكائنات الحية مجموعةً كاملةً من المعلومات أو المعرفة التي يعالجها الجهاز العصبي ويخزنها، حتى ذهب البعض إلى أنه "لا يوجد إدراك أو ذكاء من دون ذاكرة"، فبفضل الذاكرة، "يوجه الماضي تصورنا للحاضر ويسمح لنا بالتوقع والتكيف"، ومن أجل البقاء على قيد الحياة، تتطور لدى الكائنات الحية ردود فعل الخوف تجاه المواقف الخطرة، لكن كيف نخاف؟
يستخدم الدماغ في الواقع آلياتٍ مميزةً لتخزين ذكريات الخوف التي حدثت منذ زمن قريب أو تلك التي حدثت منذ زمن بعيد، ورغم ما كشفه العلماء من أن الحُصين -منطقة الدماغ الواقعة في الفص الصدغي- يؤدي دورًا رئيسيًّا في تكوين ذاكرتنا، إلا أن قيام الدماغ بتعزيز ذكريات الخوف بعيدة المدى غير مفهومٍ إلى حدٍّ كبير؛ إذ تشير دراسة سابقة إلى أنه "في حين أن التكوين الأولي لذاكرة الخوف يشمل الحُصين، إلا أنه بمرور الوقت تصبح الذاكرة البعيدة أقل اعتمادًا على الحُصين".
من هنا تأتي أهمية الدراسة الجديدة التي نشرتها دورية "نيتشر نيوروساينس" (Nature Neuroscience)، وأجراها باحثون من جامعة "كاليفورنيا-ريفرسايد" على مجموعة من فئران التجارب؛ إذ توصلت الدراسة إلى الآليات الأساسية التي يعمل بها الدماغ على تعزيز الذاكرة السياقية المرتبطة بذكريات الخوف بعيدة المدى، مشيرةً إلى أن "ذكريات الخوف التي تشكلت في الماضي البعيد يتم تخزينها بشكل دائم في المشابك العصبية المعنية بالذاكرة بقشرة الفص الجبهي، ويشار إلى المشابك العصبية بأنها "الوصلات الواقعة بين الخلايا العصبية التي تحدث بها عملية إصدار الإشارات".
والذاكرة السياقية هي عملية أساسية في الذاكرة طويلة المدى، تشير إلى القدرة على تذكُّر الظروف الاجتماعية والمكانية والزمانية والعاطفية المصاحبة لحدثٍ ما، أي أنها القدرة التي تتيح لنا تذكُّر الجوانب المختلفة التي جاءت مصاحبةً لحدثٍ ما.
ووفق دراسة سابقة أجراها باحثون من قسم علم الأحياء والدماغ والعلوم المعرفية في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" ونشرتها دورية "ساينس"، فإن "الذكريات تتشكل في الحُصين ثم تنتقل إلى القشرة المخية الحديثة -التي تدعم الأداء الحسي- لتخزينها على المدى الطويل".
وأوضح الباحثون أنه "في وقتٍ مبكر من التعلم، يتم إنتاج الخلايا العصبية للذاكرة المرتبطة بالخوف بسرعة في قشرة الفص الجبهي، وتعتمد هذه العملية على نشاط وارد من الحصين واللوزة، وبمرور الوقت، تعزز الخلايا العصبية بالفص الجبهي دورها في التعبير عن الذاكرة، وفي المقابل، تفقد الخلايا العصبية في الحُصين هذه الوظيفة ببطء".
نسعى بالفعل إلى إيجاد علاج لتهدئة هذه الذكريات مستقبلًا، وهناك عمل كبير يتعين القيام به لفحص الآليات الخاصة بتخزين الذكريات على المدى البعيد عن كثب، ونخطط لمعرفة ما إذا كان الإضعاف الانتقائي لدائرة الذاكرة في الفص الجبهي سيثبط استدعاء ذاكرة الخوف بعيدة المدى التي يمكن أن تفيد العلاج عند الأشخاص أم لا.