كيف يقرأ علماء النفس شخصية الفرد العراقي؟
22-تشرين الثاني-2022
بغداد ـ العالم
يقول متخصصون في علم النفس والاجتماع، إن الشخصية العراقية، وخصوصا الرجل أو الشاب، تتميز بصلابة المزاج (العصبية) والانفعال.
ويعلل المتخصصون تلك الحالة بالكثير من العوامل، في مقدمتها ما خاضه العراقيون من ظروف استثنائية، مرحلة بعد الأخرى، ابتداء بالحروب والحصار والعنف والاقتتال وإلخ، ما جعل الشاب العراقي عبارة عن كتلة من الانفعالات ليتخطى ذلك إلى السلوك العدواني في بعض الحالات.
نوبات غضب مستمرة
تقول معلمة الابتدائية سهاد سيروان عن تجربتها مع ابنها الذي يبلغ من العمر 20 عاماً: «في أحد الأيام سألته إلى أين تخرج في هذا الوقت المتأخر؟ وكان بجانب الباب فضرب الباب بقبضة يده تعبيراً عن احتجاجه على السؤال، وكان الباب من خشب فكسر بحجم قبضته»، مضيفة أن «نوبات غضبه يومية وباستمرار وعلى أتفه الأسباب».
أما أبو محمد، فإن لديه تجارب سيئة مع سائقي سيارات الأجرة التكسي، لأن «غالبيتهم يعبرون عن عصبيتهم أثناء قيادة السيارة».
يقول أبو محمد، إن «سائق التكسي لا يتحمل الوقوف في إشارات المرور أو إذا تأخرت سيارة بالتحرك أمامه يخرج رأسه من زجاج السيارة ويصرخ ويشتم ويضغط على المكبس (الهورن) معبراً عن غضبه لتأخر السيارة الأخرى بالتحرك ربما لثواني، ولم تصل إلى دقيقة بعد». خبراء في علم النفس يبررون هذه النوبات والمزاج العصبي المستمر بأنها كانت نتيجة التعرّض لمشاكل مختلفة ومتتابعة، والتعرّض لضغوط نفسية عدّة في جوانب مختلفة من الحياة، والخوف والقلق اللذَين ينجمان عن أمور كثيرة. كذلك، تؤدّي الصدمات النفسية إلى حالة من التشنّج العصبي الدائم فتولّد خلافات عدّة مع الآخرين. كلّ ذلك في حين يعيش العراقي في بلد يعاني من ويلات الحروب المستمرة.
ويشهد العراق من نقص في تجهيز ساعات الكهرباء في أيام الصيف اللاهب ومشاكل في النقل العام والخاص والازدحام الشديد في أغلب الشوارع العامة والتي تصل إلى ساعات مع أوقات الدوام الرسمي، ناهيك عن تردي الوضع الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة الكبيرة وقلة فرص العمل والتخبط السياسي والإداري وعدم وجود تخطيط صحيح من أغلب الحكومات العراقية منذ 2003 إلى اليوم والأزمات المتعددة، سببت ضغطاً كبيراً وجعلت المواطن العراقي في وضع اجتماعي صعب وفي حالة غضب وتوتر مستمر بسبب الوضع العام في البلاد.
تقول المتخصصة في علم النفس الدكتورة حوراء الموسوي، إن «أغلب العراقيين يعانون من أمراض نفسية نتيجة ما يواجهون من ضغوط الحياة».
وتشير الموسوي إلى أن «بعض الحالات تجاوزت العصبية المستمرة إلى سلوك عدواني ولذلك نشهد ارتفاعاً في حالات العنف المنزلي وحتى العنف في المدارس وارتكاب الجرائم بحق الأم والزوجة والأخوات وغير ذلك».
وترى أن «الغضب الانفعالي قد يكون سببه أيضاً الإحباط، فالشعور بالإحباط قد يكون أكثر إيلاماً وأشدّ وطأة على الشباب من حالات أخرى»، مبينة أن «الإحباط بسبب الفقر وعدم وجود تعيينات والبطالة المستمرة والمستقبل المجهول هو الذي أوصل الشاب العراقي إلى تلك المرحلة».
وكشف المركز العراقي الاقتصادي السياسي، عن وجود العراق بين الشعوب الأكثر غضبا في العالم.
وقال مدير المركز وسام حدمل الحلو، إن «العراق احتل المرتبة الثانية عربيا والرابعة عالميا من بين الشعوب الأكثر غضبا في العالم بحسب آخر إحصائية من ستاتيستا تقرير غالوب عن العواطف العالمية لعام 2021 المختص بقياس المشاعر، بما في ذلك مستويات الغضب في أكثر من 100 دولة حول العالم من النصف الثاني من العام 2021 وبداية العام 2022».
وأما الناشط المدني سلام عبدلله دلو، فيقول، إن «المزاج العصبي ظهر بين العراقيين أكثر بعد عام 2003 واصبحنا نسجل حالات التعصب والعدوانية لأن الأوضاع النفسية غير مستقرة، فالشاب العراقي ينتظر أي مشكلة أو تصادم وإن كان لا يستوجب الانفعال ليفرغ غضبه الذي جاء نتيجة الضغوطات المجتمعية وعلى جميع المستويات وخصوصا الأمنية والاقتصادية». وفي السياق، يقول الباحث أحمد نبيل الأغا، إنّ «للبيئة من دون شكّ أثراً كبيراً على مزاج الفرد وأقواله وأفعاله وكلّ تصرفاته. فالبيئة هي التي تشكّل شخصية الإنسان بالتعاون مع الأسرة. وإذا نظرنا إلى بيئة العراق، فإنّنا نجد فيها كلّ دواعي العدوانية والمزاج العصبي، من توتّر وخوف وظلم ودم وموت، بالإضافة إلى كل أنواع العصبيات من مذهبية وقومية وقبلية وغيرها».
ويضيف الأغا «لا يمكن للمرء أن يولد في بيئة مماثلة وهو خالٍ من الانفعال والعدوانية. المرء انعكاس لبيئته بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات».
ويتابع أن «المواطن في العراق يشهد معاناة كثيره وكبيره تمتد إلى سنوات عديدة من أيام الحصار المفروض على العراق».
وتصدّر العراق في سنة 2021 بلدان العالم كأكثر بلد لا يشعر مواطنوه بالرضا عن واقعهم المعاش، ويتضمن 5 مؤشرات هي التوتر والغضب والحزن والقلق والضغط النفسي، وشمل الاستطلاع 145 دولة شارك فيه أكثر من 175 ألف شخص من البالغين أثبت أن أكثر من 10 شعوب في العالم يشعرون بالتوتر والحزن.