لجنة خيبات الأمل
26-حزيران-2023
مسلم عباس
اعتادت المنظومة السياسية العراقية على صناعة الأزمات وحلها بالطريقة التي تناسبها لا بالطريقة التي تأتي ضمن سياقات قانونية محددة وفق الدستور والتشريعات العراقية، وواحدة من آخر الأزمات التي صنعتها القوى المهيمنة على العراق هي قضية احالة عدد من الضباط العاملين في حكومة الكاظمي على التقاعد بتهم ابتزاز وتعذيب المواطنين.
مجموعة الضباط كانوا ضمن ما يعرف شعبياً بلجنة أبو رغيف عطفاً على رئيس لجنة مكافحة الفساد التي شكلها الكاظمي برئاسة الفريق أول أحمد أبو رغيف، وانتشرت أخبار متناقضة عنه وعن لجنته منذ تسنمه المنصب وحتى هذه اللحظة.
في نظر حلفاء الكاظمي، فإن لجنة أبو رغيف كانت رأس الحربة في مواجهة الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة، وهذا الفساد في نظر حلفاء الكاظمي هو نتيجة طبيعية لأخطاء الحكومات السابقة التي لا يتحمل وزرها الكاظمي.
حتى أن الكاظمي نفسه قال في إحدى مقابلاته مع صحيفة الشرق الاوسط السعودية بأن الاموال المسروقة من العراق منذ عام 2003 وحتى عام 2022 وصلت إلى 600 مليار دولار، واتهم بشكل غير مباشر الاحزاب المنضوية تحت عباءة الاطار التنسيقي بالتسبب أو المساعدة في تفشي ظاهرة الفساد ونهب المال العام.
الكاظمي ورفاقه روجوا على أنهم هم من كشفوا سرقة أموال الهيئة العام للضرائب المعروفة باسم "سرقة القرن"، بينما يقول خصومه بأنه جزء من هذه السرقة والمتسبب فيها بسبب قراراته، وأسلوب فريقه الحكومي في إدارة الدولة العراقية.
في هذه اللحظة يشعر رفاق الكاظمي بخيبة الأمل، وجمهورهم بدأ يسمي لجنة أبو رغيف بلجة خيبات الأمل، لأنها كانت املهم في القضاء على الأحزاب التقليدية واستبدالهم بشخصيات خارج دائرة القوى المهيمنة.
على الجانب الآخر، أي الأحزاب التقليدية المهيمنة فإن لجنة أبو رغيف هي خيبة الأمل الحقيقية، ليس لأنها ستحارب الفساد كما هو معلن، بل لأنها جاءت للتخلص منهم واحداً بعد الآخر وتقضي عليهم جميعاً أو تقلص نفوذهم إلى أقصى حد ممكن.
لتعويض خيبة الامل تلك وحالة الرعب السائدة منذ مجيء الكاظمي وحتى الآن، كان الواجب صناعة خيبة أمل معاكسة، وهو ما حدث فعلاً، فبينما كانت الامور تسير باتجاه القضاء المبرم على الأحزاب التقليدية، تجد الإطار التنسيقي يسيطر على جميع مفاصل الدولة العراقية ويقرر ما يراه مناسباً لسياساته ومصالحه.
وتأتي القرارات الصادرة بحق أبو رغيف ورفاقه كجزء من حالة صناعة الانتصار التي تقوم بها القوى السياسية العراقية ضد بعضها البعض. نعم يقولون في الخطابات الرسمية أن هذه الإجراءات تستند إلى القانون والدستور، لكنني عندما أسمع أي سياسي يتحدث عن الدستور تقفز أمامي قصة أبطال سرقة الأمانات الضريبة أو ما يعرف بسرقة القرن.
يقف المتهم الاول بالسرقة نور زهير ليكون مثالاً وتمثالاً عن حالة تغييب القانون، وسيادة منطق القوة والهيمنة، واعتماد القوى السياسية على تصفية الحسابات وتغيير المواقع من اجل تحقيق أقصى قدر من المصالح الفئوية والحزبية والشخصية.
أما الحديث محاربة الفساد والدفاع عن حقوق الإنسان فهي الورق الجميل الذي تغلف فيه أي علبة سواء كانت علبة سكائر أو علبة أحذية أو علبة ألماس، الخطاب السياسي هو ذلك الغلاف غير الصادق.
كل اللجان التحقيقية كانت عبارة عن خيبات أمل.
خيبات لمن كانوا ضحية لقراراتها الفاقدة للمعايير القانونية والسياسية.
وخيبات الامل الأكبر للشعب الذي يرى بأم عينية كيفية التلاعب بمقدراته، مرة تحت شعارات محاربة الإرهاب، وأخرى بمحاربة الفساد، بل وحتى محاربة المحتوى الهابط.
صارت حياتنا مسرحية محفوظة على ألسنة الناس، وما نقوم به نحن كتاب المقالات إلا إعادة اجترار ما يعاد كل عام، بين أزمة تصنع، وحل وهمي لها، ثم تعود العجلة لتدور بنفس الطريقة والأسلوب.