لهذه الأسباب يستحق «أفاتار: مجرى الماء» أوسكار أفضل فيلم
12-آذار-2023
لويس تشيلتون
ما المقصود بـ"فيلم أوسكار"؟ في السنوات الأخيرة، أثبت المصوتون التقليديون المتعجرفون في جوائز الأوسكار - في بعض الأحيان - رحابة أفاقهم على نحو غير متوقع عندما يتعلق الأمر باختيار الأعمال الفائزة بجائزة أفضل فيلم. كان "طفيلي" Parasite مثلاً أبعد ما يكون عن "ذائقة الأوسكار" التقليدية، وكذلك كان "مجرى الماء" The Shape of Water، والمرشح الأقوى في سباق هذه السنة "كل شيء، في كل مكان، دفعة واحدة" Everything Everywhere All at Once، ولكن في حين وسعت الأكاديمية مفهوم أفلام الأوسكار، لا يزال لديها تحيز متحجر تجاه الأفلام التي لا تستحق هذا الوسام[وفق معاييرها المتحجرة]. وأحد الأعمال التي ليست من طينة"أفلام أوسكار" [بحسب المعايير البائتة] هو "أفاتار: مجرى الماء [طريق الماء]" Avatar: The Way of Water.
"مجرى الماء" جزء التتمة الذي استغرق اكتماله وقتاً طويلاً لفيلم المخرج جيمس كاميرون الأول أفاتار، يحكي قصة جيك سولي (يؤديه سام ويرثنغتون) الذي كان ضابط بحرية لما كان على هيئة بشر، وهو ينقل عائلته من كائنات الـ"نافي" إلى منطقة أخرى من كوكب باندورا للعيش مع قبيلة كائنات بحرية ساحلية. إنه واحد من بين 10 أعمال مرشحة لجائزة أفضل فيلم هذا العام، ومن المؤكد أنه سيخسر بشكل أو بآخر (وهذا مؤشر على تغير الزمن: كان أفاتار الأصلي في الواقع المرشح الأقوى في سباق عام 2010، قبل أن يتغلب عليه فيلم "خزانة الألم" The Hurt Locker). فيلم "توب غان: مافيريك" Top Gun: Maverick هو العمل الرائج الآخر الوحيد الذي تمكن من الوصول إلى قائمة ترشيحات أوسكار عام 2023، لديه فرصة أكبر بكثير - نسبة احتمال فوزه هي 1 إلى 20 مقابل نسبة غير منطقية أبداً هي 1 إلى 150 لصالح "مجرى الماء"، لكن على رغم هذا النفور المتوقع، فإن "مجرى الماء" هو فيلم رائع، واستعراض هائل للمهارة الكلاسيكية في صناعة الأفلام ومشاهد عصر الفضاء.
التفاوت [في الاستقبال] مزعج. جرى الترحيب بـ"توب غان: مافيريك" باعتباره منقذ القطاع [السينما]، بعد أن جنى نحو 1.5 مليار دولار (ما يعادل 1.2 مليار جنيه استرليني) في شباك التذاكر في المرحلة الهشة والقاحلة ما بعد الجائحة. في مأدبة غداء جمعت طواقم الأفلام المرشحة للأوسكار، أحيط توم كروز بالحشود والمتزلفين مثلما كان يفعل العبيد المحررون مع الملكة دينيرس في مسلسل "صراع العروش" Game of Thrones، وأعرب ستيفن سبيلبرغ عن امتنانه المتزلف لكروز لأنه "أنقذ عنق هوليوود"، مما يدفعني إلى التساؤل، أين كان هذا الحب [الإيثار] بالنسبة إلى أفاتار؟
ربما يكون العالم الذي تدور فيه أحداث "مجرى الماء" - عالم من الكائنات الغريبة الزرقاء العملاقة، والقيم العائلية والمعرفة الوطيدة بالعلاقة الروحانية مع الطبيعة - بالغ السخافة ولا يستحق التأييد، ولكن طموح "أفاتار" لا قاع له، إنه يرفع لواء العملة السينمائية الأكثر إثارة: الدهشة. لتعيش تجربة "مجرى الماء" بالكامل، يجب أن تستسلم لعظمته وإخلاصه ومثاليته. خلف هذه الواجهة، على رغم ذلك، هناك دقة متناهية. يعد المشهد الذي يقوم فيه قارب من المرتزقة بمطاردة حوت غريب عملاق (يسميه أفراد القبيلة البحرية "تولكون") بشكل منهجي وقتله، أحد الأعمال الأكثر إثارة وإتقاناً في مسيرة كاميرون الفنية برمتها.
ربما تكون المشكلة هي نفور الأكاديمية من الصبغة التجارية للعمل. كان "أفاتار" الأصلي عبارة عن فيلم حطم الأرقام القياسية في شباك الذاكر مثلما تفعل الوحوش العملاقة في الأفلام اليابانية، إنه يتربع الآن على رأس قائمة الأفلام الأكثر ربحاً على الإطلاق. مع ذلك، في السنوات التي تلت صدوره، تعرض للهجوم من قبل المراجعين [النقاد] التقليديين. انتشرت بغزارة مقالات الرأي التي تعلن أن "أفاتار" "من دون تأثير ثقافي يذكر". لا أستطيع التحدث عن التأثير الثقافي لجزئه الثاني، لكن بالتأكيد لا يمكن القول إن هذا العدد الهائل برمته من الأشخاص الذين ارتادوا صالات السينما لمشاهدته لا يعتد بهم [لا يجوز الاستخفاف بهم].
بدلاً من الاستمرار في موضة أفلام الأكشن المعتمدة على صور مبتذلة منشأة حاسوبياً، أعاد "مجرى الماء" الحياة مجدداً لهذه التكنولوجيا، ما يقوله العاملون في الكواليس لتفسير كيفية دمج الصور المنشأة بواسطة الحاسوب في العمل يثير الدهشة. فكرة أنه يجب تصنيفه على سبيل المثال في خانة أفلام عالم مارفيل السينمائي، التي سخر صناع السينما أنفسهم من المؤثرات الخاصة المستخدمة فيها المبتذلة والمطورة المتسرعة من غير تأنٍّ - هي فكرة فظيعة. بفضل مؤثراته البصرية المشرقة والنابضة بالحياة والتحريك الدقيق والخبير بوضوح للصور، فإن "مجرى الماء" هو نقيض الأفلام الرائجة المعاصرة الرديئة.
من بعض النواحي أيضاً، يعتبر "مجرى الماء" ضحية لصدقه [تفانيه]. في هوليوود المعاصرة، الاستخفاف الساخر بالنفس هو غاية بحد ذاتها. لا يسمح أبداً للأفلام الرائجة بأن تتحلى بمستوى تفاني "أفاتار" من دون أن تخسر من بريقها بسبب المزاح المبتذل. على نحو متزايد، نرى أفلاماً يتم ابتكارها مع مراعاة الانتشار الواسع على الإنترنت: ألقوا نظرة على أحدث الإصدارات وستجدون دائماً مجموعة مختارة من اللحظات واللقطات والحركات والحوارات التي تبدو مصممة بقصد أن تتحول إلى "ميمات" بأسرع وقت وأقل جهد ممكن. "أفاتار" لا يقدم على مثل ذلك، وهذا أفضل بكثير.
لا يحتاج كاميرون وفريقه إلى الفوز بأوسكار أفضل فيلم لحماية نجاح "مجرى الماء". سأقتبس مقولة دون دريبر من مسلسل "رجال ماد" Mad Men الذي يقول، هذه الغاية من المال. لكنه [أفاتار] عمل يستحق الفوز في كل الأحوال، ويكون فوزه عودة إلى الوقت الذي كانت السينما أمراً يثير الدهشة ولم تكن مادة للاستهلاك فحسب. أمر قديم يبدو مبهجاً [أخاذاً] وجديداً بلا تردد.