ما بعد العاصفة
27-كانون الأول-2023

ماجد آل حسين
مع استمرار طاحونة الحرب العبثية التي شنها الحكم الصدامي، تستمرّ طواحين رقاب المؤمنين المعتقلين بالدوران. وكان رجال السلطة يبلغون أهالي المعتقلين بإعدامهم، وعدم السماح لهم بإقامة مراسيم الفاتحة.
وبعد أن كانت جثامين الشهداء تسلم إلى ذويهم في الوجبات الأولى، امتنعت السلطة فيما بعد عن تسليم أي جثمان، وكانت تكتفي بإعلام ذوي الشهيد بذلك.
وبينما كانت السلطة توغل في تعذيبها للمؤمنين بشتى الوسائل الوحشية، كانت تتفنن في تلميع وجهها القبيح بإغداق الأموال والمنح والسيارات والأراضي على غيرهم.
وكانت محرقة الحرب تحصد الآلاف تلو الآلاف من شباب العراق ممن لم يكونوا على قناعة بالحرب، وليس لهم فيها ناقة ولا جمل، إنما كانوا مكرهين عليها، ساقتهم إليها (مفارز الإعدام) وحملات الملاحقة للهاربين، وعيون السلطة المبثوثة في كل حيّ وزقاق. ولو تيسر للكثير منهم طريق للخروج من العراق، أو النجاة بأي وسيلة، لما دفعوا أرواحهم ثمناً لنزوات الطاغية وحاشيته وأزلامه.
وتمادت السلطة كثيراً حتى انعدمت عندها الأخلاق والإنسانية تماماً، فراحت تصبّ العذاب على ذوي الشهداء، حتى الدرجة البعيدة في صلة القرابة، فحرمت قسماً كبيراً منهم من التعيينات في دوائرها، رغم تفوقهم وتميزهم. ونقلت قسماً منهم من وظائفهم إلى مناطق بعيدة لتعرضهم إلى أبشع أنواع التنكيل. وأحصت عليهم أنفاسهم إحصاء العدو اللدود المتربص بعدوه.
وكما تفننت تلك السلطة المتفرعنة في التقتيل والتعذيب والتشريد والتهميش، تفننت كذلك في صناعة الجواسيس والعيون، أو ما كانوا يُعرفون في حينها بوكلاء (الأمن) والأمن منهم براء، لأنهم كانوا يسوقون الناس إلى الموت أو السجن أو المجهول، ويسلبون منهم الأمن.
لقد سادت (الوشاية) وتزلزت الثقة، وأصبح المرء يخاف أن يقبض عليه في حلم أثناء نومه على سطح داره، فربما كان جاره يتجسس على نومه كما يتجسس عليه في يقظته.
كنا نحذر الحديث في كل مكان: في السوق والمدرسة والدائرة والطريق وحتى المنزل.
لقد تسممت أجواء السعادة وأصبح نكد العيش خانقاً للأرواح والعقول، وتدنست حياة الكثيرين، فحبائل النظام ينسجها الشيطان بإحكام، مخلوطة بسموم صدام.
كان رأس السلطة يؤدلج لعبادة شخصه، فقد بدأت السلطة بتبليغ الناس بضرورة تعليق صور (السيد الرئيس) في مدخل كل دار، وقد رأيت بأم عيني أن بعض الساكنين في قريتنا ذهب إلى أحد المصورين بسرعة وجلب صورة مؤطرة ملفتة للناظر ليعلقها على واجهة داره البسيطة، لينجو من تقرير يرسله إلى السجن أو يطيح بجمجمته...
ومما أتذكره عن تلك الحقبة التي تعجز كلماتي عن وصفها
بأن لا يستطيع أحد أن يقيم العزاء في عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام في قريتنا أو القرى المجاورة لنا إلا بموافقة رسمية من السلطة البعثية.
أتذكر أنني دعيت من شيبة محبة لحضور عزاء سيد الشهداء عليه السلام وكنت متردداً في أن أذهب لخوفي من عواقب الحضور، وكان صاحب المجلس ذا منزلة عشائرية في القرية المجاورة لقريتنا وكان مطمئناً في دعوة الناس لأخذه موافقة رسمية من السلطة، ولكون أحد أبنائه ضابط أمن في أجهزة النظام القمعية، فأقام مجلساً ليلياً في عاشوراء. وكانت التعليمات قد صدرت بوجوب أن يدعو الخطيب لرأس السلطة في ختام المجلس، وقد دعا الخطيب بعبارة "اللهم احفظ السيد الرئيس"
وكان الخطيب ذا ذكاء وفطنة فصدر كلام من بعض معارف الخطيب عن شرعية الدعاء لرأس السلطة من على منبر الإمام الحسين عليه السلام، فتسرب منه جوابٌ مفاده بأن ظاهر الدعاء لرأس السلطة، ونيته لأحد العلماء.
يتبع...

العراق يفتح بعثات دبلوماسية في عدد من العواصم الأفريقية
5-أيار-2024
قطاع الكاظمية .. اعمال تاهيل واقع الشبكة الكهربائية
5-أيار-2024
النفط تنفي وجود تسرب نفطي في حقل حمرين
5-أيار-2024
بسبب خطا للطيار.. طائرة العراقية تهبط على مدرج مغلق في طهران
5-أيار-2024
الحكومة لا تدعم مهرجان شذى حسون الدولي.. وفنانون: كرمت أصدقاءها.. وتجهل قيمنا الاخلاقية
5-أيار-2024
تقرير بريطاني: ثلاثة أجسام غامضة تشبه الأجسام الطائرة المجهولة تم رصدها في العراق
5-أيار-2024
رسام الكاريكاتير.. الذي جسد الواقع بأبداع
5-أيار-2024
هل يلجأ العالم مجددا إلى السلاح النووي
5-أيار-2024
ميسي وسواريز يعيدان إلى الأذهان حقبة تألقهما في برشلونة
5-أيار-2024
آنه الما منتمي لأحد
5-أيار-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech