ماذا نفعل بأحزابنا الاسلامية؟!
12-تشرين الأول-2023
عامر بدر حسون
انهيت منشوري السابق بالقول: "ان افضل ما خرجت به الثقافة السياسية السائدة عندنا هي خلطة خرافية جوهرها وامنيتها هي: ان يتم تنفيذ الديمقراطية من خلال حكم يديره "مستبد عادل"! لكن هذا المستبد العادل لا وجود له الا في حكايات الف ليلة وليلة وفي العقول الكسلى والخاوية".
وتقوم هذه الفكرة على طلب مضمر وخفي يريد من "المستبد العادل" القضاء على الاحزاب الدينية او العلمانية او القومية ومنعها من التمتع بفضائل وفرص الديمقراطية.
والشخصية السياسية العراقية طالما فكرت وما زالت تفكر بهذه الطريقة بالنسبة للديمقراطية، وهي فكرة لحمتها وسداها الاستبداد ولا علاقة لها بالديمقراطية.
فالديمقراطية تقوم على حق الجميع في التعبير عن انفسهم ودون استبعاد او حرمان لأي احد منهم الا بموجب الدستور.
ولولا الدستور لراينا عقب كل انتخابات قيام الفائز او الفائزين بمنع الاحزاب الاخرى من العمل حتى ينتهي الامر بحكم حزب واحد. لكن حكم الحزب الواحد هو كل ما تفهمه ثقافتنا السائدة من السياسة ومن الديمقراطية!
والدستور عندنا يمنح الجميع (الجميع الجميع) حق العمل السياسي وتأسيس الاحزاب والمشاركة في الانتخابات وحق الحكم ان فاز فيها (باستثناء الاحزاب ذات الافكار والتوجهات التي حرمها الدستور). ومتى ما تم منع حزب او اكثر من العمل، خلافا لهذا الدستور، انتهت الديمقراطية وتم انتهاك الدستور علنا. فما العمل ومنع حزب او اكثر من العمل، هو امنية غالبية العاملين في السياسة والثقافة؟
ولان عقلنا السياسي عاجز عن تقديم حلول منطقية لهذه المعضلة.. فانه يمكننا ان نلتفت قليلا باتجاه العالم ونرى كيف حلوا هذه المشكلة؟ وسنرى: ان اوروبا واميركا لم تقم، يوما، بمنع الاحزاب الدينية من العمل كي تستطيع ان تتحول الى بلدان ديمقراطية. وفي الواقع فان اوروبا واميركا تقودها او تعمل فيها احزاب مسيحية مؤثرة، احزاب مسيحية تمثل حتى الطوائف المسيحية، ولم يصرخ احد مشترطا منعها من العمل حتى يمكن تطبيق الديمقراطية. والاحزاب الدينية في اميركا واوروبا لم تكن هكذا في بداية تأسيسها، واغلبها كانت منظمات كنسية تقوم بالوعظ الديني والاخلاقي والدفاع عن قضايا محددة تهم الكنيسة مثل العائلة والقيم المسيحية وتقديم الخدمات.. وهي تطورت عبر الممارسة الديمقراطية فاصبح بعضها اشتراكي الهوى والبعض الاخر رأسمالي التوجه.
وقدمت هذه الاحزاب تنازلات عديدة من اجل الحصول على اصوات انتخابية وهكذا وصلت للحكم ولمواقع التأثير.
لكن الصرخات ما فتئت تنطلق عندنا بغوغائية سافرة، وهي تزعم ان لا ديمقراطية في العراق الا بنهاية ومنع الاحزاب الاسلامية! وقد يكون مبكرا الحديث عن حجم التغيير الذي طرأ على الاحزاب الاسلامية خلال العشرين عاما الماضية، لكن الاكيد انها تغيرت وستتغير كما تغيرت الاحزاب المسيحية والدينية في العالم. وهذا التغيير هو سنّة الحياة وسنّة السياسة. وبالنسبة لي فانا لا اميل الى الاحزاب الدينية ولم امنحها صوتي في اية انتخابات سابقة.. ولن افعل هذا مستقبلا. وان كنت مهتما بالديمقراطية، فعليك ان تشرع بالعمل وتقنع الجمهور بانتخابك باعتبارك الافضل..
وهذا افضل واقل مللا من انتظارك "المستبد العادل" الذي لن يأتي لان.. لا وجود له!