بغداد _ العالم
تحدثت مصادر مطلعة عن احتمالية ايجاد تعاون "عراقي-تركي-سوري" في مجال مكافحة الإرهاب في المنطقة، مشيرة إلى أن تحقيق هذا التعاون يعتمد على توجهات بغداد وسلوكها تجاه الحكومة الجديدة في دمشق، إضافة إلى موقفها من حزب العمال الكردستاني والفصائل" المرتبطة به.
في الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بغداد دعا الى بذل جهود اقليمية مشتركة لمكافحة حزب العمال الكوردستاني وجناحه المتمثل بوحدات حماية الشعب في سوريا المجاورة، بالاضافة الى تنظيم "داعش"، مضيفا ان هذا التصور يثير العديد من التساؤلات حول مدى جدواه، خصوصا في ظل مواقف الدول المعنية واولوياتها والجماعات الارهابية والعوامل الخارجية.
وطبقا للوزير التركي فان اولوية انقرة الرئيسية تتمثل في مواجهة مشكلة حزب العمال الكردستاني والذي سبب توترات سابقة في علاقاتها مع بغداد، مشيرا الى انه في ظل المشهد الجديد في سوريا بعد سقوط بشار الاسد، فان تركيا تأمل في تجديد جهودها للتخلص من وحدات حماية الشعب السورية وقطع ارتباطاتها بحزب العمال الكردستاني في العراق، وضمان وحدة الاراضي السورية لتأمين حدودها الجنوبية بشكل نهائي.
الخبير التركي في الشأن العراقي محمد الأغا، يقول، ان "حقيقة ان ادارة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة قد تواجه سلطة سلفية سنية في سوريا تمثل معضلة بحد ذاتها"، مضيفا ان بغداد ما تزال ملتبسة حول هذه المسألة، ولهذا فانه قد يكون من قبيل المبالغة توقع دخولها في شراكة ضد حزب العمال الكوردستاني.
وبحسب الاغا فانه يتحتم على العراق ان يتبنى موقفا واضحا تجاه حزب العمال الكردستاني ويظهر من خلال ممارساته انه يعتبر هذه الجماعة بمثابة تهديد، موضحا انه "علينا ان نرى ما الذي سيفعله ازاء التعاون التكتيكي بين حزب العمال الكردستاني والحشد الشعبي في سنجار العراقية"، مضيفا انه برغم وجود توافق في الاراء بين انقرة وبغداد حول هذه القضية، الا ان العراق قد لا يحبذ تنفيذ عملية لمكافحة الارهاب ضد وحدات حماية الشعب.
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قال مؤخرا إن مهاجمة تركيا لقوات وحدات حماية الشعب في شمال سوريا، سيكون حدثا خطيرا وسيتسبب في نزوح المزيد من اللاجئين، وهو ما يؤشر بوضوح الى ان بغداد متحفظة.
ومع ذلك، صعدت بغداد لهجتها مؤخرا ضد حزب العمال الكردستاني، وادرجت الجماعة ضمن قائمة "المنظمات المحظورة" على الرغم من أن انقرة تطالب الحكومة العراقية القيام بالمزيد في محاربة الحزب، حيث أن فيدان أعلن أن تركيا تأمل أن تعلن بغداد هذا الحزب كمنظمة "ارهابية".
وطبقا للاغا، إنه "بالنظر الى ان العراق الذي امتنع طوال سنوات عن التعامل مع حزب العمال الكوردستاني باعتباره مشكلة خاصة، اعترف بهذه القضية فقط بعد ضغوط تركيا ومبادراتها الدبلوماسية، فقد يكون إفراط في التفاؤل بأن نتوقع من بغداد خوض معركة جدية ضد الجماعة وهياكلها المرتبطة بها".
وبحسب الأغا ايضا، فان الجغرافية السياسية الكوردية في سوريا لم تكن مركز اهتمام بغداد طوال سنوات، بالاضافة الى ان دعم الفصائل العراقية المرتبطة بايران للاسد وحزب العمال الكوردستاني، الى جانب استمرار التعاون في منطقة سنجار، حال دون تصنيف انشطة وحدات حماية الشعب على انها خطيرة.
وذكر، إن "العلاقة الوثيقة بين الاتحاد الوطني الكوردستاني، الذي يرتبط ايضا بإيران، وبين وحدات حماية الشعب، بالإضافة إلى المزاعم بأن زعيم الوحدات فرهاد عبدي شاهين يحمل جواز سفر عراقي، تعكس شيئا من موقف إدارة بغداد تجاه هذه القضية".
فيما يقول الخبير التركي اويتون اورهان، انه فيما يتعلق بسوريا، فانه "توجد "إمكانية كبيرة" للتعاون في مكافحة الإرهاب بين الدول الثلاث، مضيفا ان "تنفيذ امن الحدود، وملاحقة انشطة حزب العمال الكردستاني وداعش، واقامة تعاون استخباراتي بشكل منسق، سيكون لها نتائج كبيرة للدول الثلاث وكذلك على الأمن الإقليمي".
وبحسب اورهان، فان تنظيم "داعش" هو الاقوى في العراق وأيضا في سوريا التي تضم معسكرات لعناصر داعش وعائلاتهم، مشيرا إلى ان ضمان امن السجون والمعسكرات التي تضم افرادا مرتبطين بداعش واعادة المقاتلين إلى أوطانهم، سيساهم بشكل كبير في حل المشكلة، موضحا ان بامكان تركيا دعم العراق وسوريا في تعزيز قدراتهما العسكرية، وتوفير المساعدة في تخطيط برامج إعادة تأهيل عائلات مقاتلي "داعش".
وبعدما أشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة تدافع منذ سنوات عن دور وحدات حماية الشعب في محاربة داعش، وتعتبره ضروريا، وهو ما يمثل نقطة الخلاف الأساسية بين انقرة وواشنطن، لفت الى ان ذلك قد يجد طريقه الى الحل قريبا.
وواصل اروهان قوله ان "كافة هذه التطورات تتماشى ايضا مع اولويات الحكومة السورية، حيث ستضمن الوحدة الداخلية وتظهر الادارة الجديدة كشريك عالمي ضد الارهاب، مما يقوي من الاعتراف الدولي بها"، مضيفا ان الحكومة السورية تفضل الحلول السياسية لمشكلة وحدات حماية الشعب، الا ان هناك فجوات ما بين مطالب هذه الجماعة وبين خطط الحل التي تطرحها الحكومة.
وبحسب اورهان، فإن وحدات حماية الشعب تسعى للبقاء كقوة منفصلة داخل وزارة الدفاع السورية والعمل ضمن منطقتها الخاصة، الا ان نموذجا كهذا يهدد بتفكك الأراضي على الأمد البعيد، وبالتالي قد لا تقبل به الحكومة السورية، مضيفا أن الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة حول هذه النقطة سيكون حاسما، مشيرا إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا قد يسهل التسوية السياسية، أما في حال استمر دعمها لوحدات حماية الشعب، فإن من شأن ذلك تشجيع هذه الجماعة ضد دمشق ويجبر الحكومة السورية على اللجوء الى حل عسكري.
وتابع التقرير، ان الادارة الامريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب ما تزال صامتة بشأن سياستها تجاه سوريا، مشيرا الى ان ترامب سبق له أن خفض عدد القوات الأمريكية في سوريا خلال ولايته الرئاسية الاولى، وهو ما أثار تساؤلات بين دول المنطقة حول ما اذا كان هذا النهج سيستمر، خصوصا مع تحول تركيز واشنطن بشكل متزايد نحو الشرق الآسيوي لمواجهة الصين.
ونقل التقرير عن الاغا، قوله، إن الوجهة التي ستختارها بغداد في علاقاتها مع الحكومة السورية الجديدة، ستحدد طبيعة سوريا التي يريدها العراق، وما يمكن أن يقوم به في هذا السياق، مضيفا أن "موقف بغداد من حزب العمال الكوردستاني ووحدات حماية الشعب في سوريا، سوف يتبلور ايضا في هذا الإطار".
وبحسب الاغا، فإن الدعم الذي ستقدمه ايران، التي جرى استبعادها من سوريا ولا تزال مهيمنة في العراق، لحزب العمال الكوردستاني، سيجبر بغداد على اتباع سياسة موازية، خصوصا في حال حاولت الولايات المتحدة طرد الميليشيات الايرانية من العراق، محذرا من ان الفوضى التي قد تنتج عن ذلك، ستؤثر سلبا على اي جهد مشترك لمحاربة حزب العمال الكردستاني.