مجلس الخدمة الاتحادي وغياب مناهج التدريب
16-أيار-2023
احمد طلال عبد الحميد البدري
شهدت الآونة الاخيرة جملة من التعيينات الجديدة الصادرة عن مجلس الخدمة الاتحادي ويلاحظ ان التعيين قد جرى دون اخضاع الموظفين الجدد للتدريب او ما يعرف بالتأهيل المسبق للتعيين ولم يتم اعداد العدة للتدريب اللاحق للتعيين وانما جرى تفويج الموظفين الجدد الى دوائرهم الجديدة مباشرة، والتدريب في المجال الوظيفي: يعني عملية تزويد الموظفين بالمعلومات والخبرات والمهارات والاتجاهات والسلوكيات اللازمة لأداء أعمالهم بسرعة ودقة وفعالية وجودة واقتصاد في الوقت، ويُعرفه بعض الباحثين في مجال أدبيات التدريب، بأنه وسيلة الادارة الحديثة لرفع جودة الأداء وإعداد الموظفين والعاملين في القطاع العام والقطاعات الاخرى وعلى مختلف المستويات الوظيفية لاداء وظائفهم بكفاءة أفضل.
وخصوصاً بالنسبة للموظفين الذين يلتحقون حديثاً للوظيفة العامة والذين يفتقرون للخبرات والمعارف اللازمة لاداء وظائفهم بجودة وكفاءة، وأيضاً ضروري للموظفين الذين يكلفون بإدارة مهام وواجبات جديدة بسبب ترقيتهم وظيفياً، ناهيك عن أهمية التدريب في خلق القيادات الإدارية الجديدة واعداد المشرفين والرؤساء والمديرين على مختلف المستويات الإدارية، وضرورة مسايرة التطوير التكنولوجي في أساليب العمل الوظيفي والانتاج، حيث حتمت التطورات والتغيرات التكنولوجية السريعة على الدول تدريب أفرداها وتأهيلهم للتعامل الفعال مع معطيات العصر التقني والقضاء على تحديات ومعوقات عملية التدريب وخصوصاً في البلدان النامية والأقل نمواً ويمكن أن نوجز معوقات عملية التدريب بما يأتي:
1- عدم وجود التمويل الكافي للتدريب وإعادة التأهيل.
2- عدم توفير الوقت الكافي، وعدم خصوصية التدريب كأن يتم التدريب خارج أوقات الدوام الرسمي أو نهاية الدوام الرسمي مما يؤدي إلى تشتيت ذهن المتدرب من الموظفين.
3- غياب الخطط الاستراتيجية للتدريب ومناهج التدريب حيث يتم التدريب بشكل عشوائي وغير منظم من قبل اشخاص غير مؤهلين لممارسة مهمة التدريب.
4- غياب الارادة السياسية للاصلاح والتطوير الإداري والتي تقع فقرة التدريب ضمن إطارها.
5 – ضعف الدافع لدى الموظفين للتدريب الجدي بسبب عدم توفر الرضا الوظيفي وعدم جدية وسائل التدريب وفاعليته.
6- الفساد الإداري وشغل المناصب الإدارية خلافاً لمبدأ الجدارة والاستحقاق مما يؤدي الى قتل الطموح الوظيفي بالترقية ودخول الدورات التدريبية التي تؤهل لذلك.
7- عدم تطبيق مفهوم الادارة الاليكترونية، والتدريب الاليكتروني وضعف كفاءة الموظفين في استعمال جهاز الكومبيوتر وإدارة الشبكات وقواعد المعلومات والبيانات وغياب الادارة والتوجيه الاليكتروني، وعدم توفر الامن والسرية الاليكترونية .
8- غياب الاطار التشريعي اللازم لتنظيم عملية التدريب ووضع الخطط والسياسات التدريبية ومناهج التدريب من قبل جهات متخصصة بذلك كمعاهد ومراكز التدريب الحكومية، حيث لم يصدر لحد الان قانون ينظم عمل (معهد الوظيفة العامة) المنصوص عليه في قانون مجلس الخدمة الاتحادي رقم (4) لسنة 2009.
ولغرض ضبط القواعد الخاصة بتدريب وتطوير الموظفين فإن ذلك يقتضي وضع إطار تشريعي محكم يعالج الثغرات في النصوص التشريعية المعنية بشؤون التدريب في الوظيفة العامة لغرض جعل التدريب اكثر فعالية وجودة و تفعيل دور مجلس الخدمة الاتحادي في رسم سياسات ومناهج التدريب الواردة ضمن مهامه في القانون، إضافة لتحفيز الموظفين للإقبال على هذه الدورات التطويرية والتدريبية وخصوصاً في ظل ظهور ما يعرف (بالادارة العامة الجديدة) في ثمانينات القرن العشرين على مخلفات (الادارة البيروقراطية) واساليبها في الادارة والتدريب والتأهيل، والتي لم تعد منسجمة مع المفاهيم الجديدة للإدارة التي ترتكز على (الفاعلية.
والكفاءة التنظيمية، والاستقلال الإداري، وتصنيف الوظائف الحكومية)، حيث حولت الفلسفة الكامنة وراء المفهوم الجديد لإدارة الهيئات الحكومية من جهات تقدم الخدمات إلى جهات مشرفة على من يقدمها تأكيداً لتراجع دور الدولة إلى أقصى حد ممكن وإفساح المجال أمام الاطراف الفاعلة غير الحكومية لتقديم هذه الخدمات ومنها خدمات التدريب والتأهيل والتطوير الحديثة استناداً لسياسة الحكومة المفتوحة، وفصل صنع السياسات عن تقديم الخدمات، ونتيجة لذلك يعمل حالياً صانعوا سياسات التدريب مع منظمات المجتمع المدني جنباً إلى جنب من خلال الاطر القانونية والمؤسسية والسياسية التي تساهم في تحقيق طفرة متقدمة وجيدة تصب في تعزيز النمو الشامل، لذا ندعو مجلس الخدمة الاتحادي لممارسة دوره الفعال في مجال تدريب الموظفين من خلال وضع سياسات ومناهج للتدريب وكما يأتي:
أولاً : وضع مناهج وطرق التدريب أثناء العمل: اذ يجب وضع نظام متكامل ودقيق وشامل لاسلوب التدريب أثناء العمل للموظف المستجد عند انتمائه للوظيفة من خلال مدونة أو تعليمات يثبت فيها الاجراءات والمراحل الواجب اتباعها مع الموظف الملتحق حديثاً بوظيفة وهو ما يعرف بأسلوب (التلمذة المهنية) التي تقوم على أساس تلقي الموظف الجديد التعليمات والتوجيهات التي تبين له أسلوب العمل وآداب السلوك الوظيفي والواجبات والمحظورات والعلاقة مع الرئيس والزملاء الاقدم منه وهذه الاساليب تكون لفترة زمنية مؤقتة (خلال فترة التوائم مع متطلبات الوظيفة) مع ضمان إمكانية التنمية المستمرة ليتمكن الموظف من الترقية وتولي مسؤولية أكبر وهذا يتطلب وضع إطار تشريعي أو لائحي دقيق لتنظيم وسائل التدريب أثناء العمل (فترة التجربة، الدورات، اسلوب المكتب المجاور من خلال وضع مكتب الموظف الجديد إلى جوار الرئيس أو الموظف الأقدم، شغل وظائف المدير أو الزملاء الغائبين بالانابة، المشاركة في اللجان، توجيه الاسئلة، توزيع الوثائق والنشرات بشكل دوري تشتمل على التعليمات والتوجيهات حول أفضل وسائل الأداء والواجبات والمسؤوليات والسلوكيات الوظيفية إضافة لمعلومات متخصصة في وظيفته الجديدة).
ففي العراق نجد أن النظام القانوني للوظيفة العامة يفتقر لوجود مدونات تحاكي المدونات والمنشورات المذكورة ما عدا مدونة السلوك الوظيفي الصادرة عن هيئة النزاهة رقم (1) لسنة 2016 وهي لا تعدو أن تكون مدونة أخلاقية فاقدة لقوة القاعدة الملزمة وخالية من الجزاءات الإدارية وهي تكرار وترديد لما ورد في المادة (4) و(5) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل التي أشارت إلى الواجبات والمحظورات الوظيفية دون التطرق لأساليب تطوير العمل والتدريب.
ثانياً: وضع مناهج التدريب خارج أوقات العمل الرسمي : وهذا الاسلوب يتم خارج مكان العمل الذي يُنسب الموظف للعمل فيه أما في قسم مستقل تابع للمنظمة نفسها أو خارجها مثل معاهد الادارة أو مراكز التدريب في الجامعات أو بعض المراكز أو المكاتب المتخصصة ويتم عادة استخدام الاساليب الآتية (المحاضرات، الندوات، سلة القرارات (البريد الوارد، المباريات الإدارية، المحاكاة أو تقمص الأدوار، اللجان، الزيارات الميدانية) وهذا النوع من التدريب يتطلب وضع قواعد منظمة ومستقرة تبعاً لاحتياجات ومستويات الموظفين الخاضعين للتدريب ومن أهم هذه القواعد (تحديد الاحتياجات التدريبية والمهارات المطلوب صقلها والتي يجب أن توضع بموجب أهداف تفصيلية يجب الوصول إليها في نهاية التدريب، تصميم مناهج التدريب، توفير ميزانية للتدريب، توفير وسائل التدريب، والقضايا اللوجستية الاخرى الخاصة بالتدريب كوسائل الايضاح ومكان التدريب وتوقيتان التدريب والاستراحة ونماذج التقييم).
وهذا النوع من التدريب يطلق عليه أيضاً أسلوب (الاعداد الفني) لتولي الوظائف العامة حيث تضطلع الادارة بإعداد المرشحين لشغل الوظائف العامة، والاستفادة من أعداد الموظفين الذين تتضخم بهم بعض الوظائف إعداداً فنياً يتفق والتأهيل الذي تتطلبه الوظائف التي تفتقر إليها إدارة التنمية.
لما تقدم ندعو مجلس الخدمة الاتحادي الى الاستفادة من التجربة الفرنسية في التدريب، حيث تجمع فرنسا بين أسلوبي الاعداد الفني السابق على تولية الوظائف العامة والاعداد اللاحق، حيث أصدرت الحكومة الفرنسية في 9/اكتوبر/1945 أمراً بإنشاء (المدرسة الوطنية للإدارة) والتي جاء تشكيلها بناءاً على تكليف الرئيس الفرنسي وزير داخليته لوضع حلول لإصلاح الجهاز الإداري والمؤسسات الحكومية لتلافي أوضاع سوء الادارة وعدم المساواة بين المواطنين في الالتحاق بالوظائف العامة العليا والمتوسطة، بهدف القضاء على الفساد والمحسوبية والمنسوبية من خلال تحييد الادارة في الاختيار لتولي الوظائف العامة وتحقيق المساواة في تولي الوظائف العامة من خلال اتاحة الالتحاق بالمدرسة من مختلف الفئات الاجتماعية.