مسرحية تربوية صامتة
1-تشرين الثاني-2022
صباح الأنباري
المصمت الأول: الذئب والقوس: (*)
(أرض خضراء شاسعة، في الخلفية حدود غابة كثيفة يتقدمها صف أشجار سامقة. في المنتصف يظهر رجل يبدو انه صياد فهو يحمل قوسه وسهامه وهو ينظر الى جميع الجهات بحثاً عن طريدة ما).
يسير متنقلا من مكان الى آخر.. يجلس على الأرض، يشرب جرعة ماء من زمزمية تزود بها قبل المغادرة.. يخرج من حقيبته منظاراً، يضعه على عينيه ويحرك رأسه بانوراميا حول المكان، يتوقف رأسه باتجاه معين، يدقق النظر ثانية، يبرك ويدقق النظر مرة أخرى، ينهض وهو لا يزال يحدق من خلال المنظار وبحذر يضعه داخل الخرج.. يمسك القوس وينتزعها من كتفه وباليد الأخرى ينتزع سهما من كنانته (جعبة سهامه) يضعه داخل القوس ويصوب نحو غزال صغير، يطلق السهم، يصيب غزالا صغيرا، ينطلق باتجاهه، يحمله على كتفيه ويسير به متوجهاً الى مكان آخر.. يتوقف، يراقب المكان، يستخدم الناظور للتدقيق، يعيده الى مكانه إذ يرى خنزيراً قادما نحوه، يضع الغزال على الأرض بهدوء تام.. يتناول سهما آخر يلقمه داخل القوس ويصوب نحو الخنزير، يطلق السهم بخفة ودراية فيصيب الخنزير بجرح في ظهره.. يهيج الخنزير مهاجماً الصياد يبقر بطنه فيسقط الاثنان على الأرض جثتين هامدتين في وسط المكان (وسط خشبة المسرح).. يظهر من البعيد (من أعلى وسط المسرح) ذئب وهو يشم هنا وهناك وكأن رائحة الدم بدأت تصل إليه، يقترب من الجثث شيئاً فشيئاً، يتوقف قرب الجثث الثلاث، يهز ذيله فرحاً بهذه الغنيمة التي حصل عليها من دون مشقة أو مطاردة متعبة، يفكر بأكل القطع القاسية أولا والاحتفاظ بالقطع الطرية لوقت آخر فيبدأ بالمصارين التي على القوس غير هيّاب بما يفعل، وبينما هو يقضم المصارين بشهية ينقطع الوتر ويصيبه في بطنه فيخر صريعاً بين الجثث الثلاث.. تظهر مجموعة من الذئاب من المكان الذي ظهر منه الذئب الأول وبسرعة يقتربون من الجثث الممددة على الأرض وهم يهزون ذيولهم فرحاً بهذه الغنيمة ثم يبدأ الكلّ بالتهام الجثث بشراهة، وإذ ينتهون منها يُقْعِي كل منهم ـــ وقد انتشى ـــ على الأرض وهو يحدق نحو جمهور النظارة بشبع واسترخاء.. تأتي مجموعة ثانية وتلتهم ما فضل من الجثث الثلاث.. ينسحب قائد المجموعة وهو يعوي فيتبعه كل القطيع، يظل المسرح خاليا بعض الوقت قبل أن يسدل الستار.
للكاتب الروسي تولستوي تحت عنوان (الذئب والقوس) بتصرف.
المصمت الثاني: اللؤلؤة الكبيرة: (**)
(في أفق الهور الجنوبي، وعلى احدى جزره الصغيرة كوخ من البردي)
يومض داخل الكوخ ضوء مصباح نفطي.. يتلألأ بارتجاف واضح عند نهاية الليل وبداية الصباح.. ينفتح بابه الخارجي، ويطلّ منه رجل في الأربعين.. يرتدي زياً شعبياً يغسل وجهه من سطل ماء وضع الى جانب الكوخ.. يتناول شبكة الصيد وبعض الأدوات التي يحتاجها في صيد السمك.. يتوجه الى زورق (مشحوف) رُكِنَ قريباً من الكوخ، يهمُّ بمغادرة المكان لكنه يعود ليأخذ زمزمية الماء التي نسيها معلقة على جدار الكوخ، يتناولها ويغرف ماء من زير قريب من باب الكوخ ويهم بالمغادرة ثانية.. يضع عدة الصيد في الزورق، يقف في مؤخرته ويحركه بواسطة عصا طويلة من البردي، تنطلق في الخلفية أغنية شعبية يرددها الصيادون في الهور عادة، يتوقف عند المنتصف، يتناول شبكة الصيد، يفردها ثم يقذفها برشاقة فتنتشر على سطح الماء، ينتظر قليلاً ثم يبدأ بسحبها شيئاً فشيئاً (يمكن الاعتماد على تقنية السينما في هذه اللقطة) يشعر بثقلها، يستمر بسحبها الى خارج الماء يجد أنه اصطاد سمكة كبيرة، يفرح بها أشد الفرح، يضعها مع الشبكة في قعر الزورق (المشحوف) ويهم راجعاً الى البيت.. عند عتبة البيت تقف امرأته منتظرة أوبته الموفقة، يقترب من حافة المكان، ينحني ليحمل السمكة متباهياً، تطلق زوجته زغرودة قوية على إثرها يهرع أطفالهم الى خارج الكوخ ليروا سر زغرودة والدتهم، يرون صيد والدهم فيقفزون فرحاً بصيده الثمين، يحمل الصياد السمكة ويضعها على تخت من الخشب، ينظر الى امرأته فتدخل الكوخ بسرعة ثم تخرج وبيدها سكين قطع اللحوم، يلج الصياد وأولاده الى داخل الكوخ.. تقوم المرأة بشق ظهر السمكة، تفتحها الى الجانبين، تبدأ بتنظيف أحشائها الداخلية، تتوقف بشكل مفاجئ، تدقق النظر نحو بطن السمكة، تمد يدها إليها، تلتقط منها كرة لامعة بيضاء، ترفعها الى الأعلى، تشعر بالحيرة والدهشة.. تسرع الى زوجها داخل الكوخ ثم يخرجان معا، يعرب الصياد عن فرحه العظيم، يخرج من جيبه منديلاً يلف به اللؤلؤة وينطلق بها مسرعاً نحو الزورق.. يتناول عصا البردي.. يدفع الزورق مبتعداً عن الكوخ بينما تأخذ الأضواء بالخفوت شيئاً فشيئاً حتى يسود الظلامُ الأرجاءَ كلّها.
(يتبدل المنظر المسرحي. يظهر أمامنا مرتفع على هيئة هرم أو جبل. على سفحه بني بيت الجوهري وفي منتصفه بني بيت الوزير وأعلى منه بيت الملك).
يطرق الصياد باب الجوهري ويقف أمام البيت منتظراً.. يفتح الباب ويخرج منه الجوهري ينظر الى الصياد باشمئزاز يطرق على الباب فيخرج اثنان من الخدم وهما يحملان منضدة عليها كرسيان، يضعان المنضدة على الأرض ويجعلان الكرسي خلفها يجلس الجوهري، يشير للصياد بالجلوس أمامه.. يتردد الصياد ويحاول الجلوس على الأرض لكن الخادم يمنعه مقدماً له الكرسي، الصياد ينظر الى الجوهري وكأنه يطلب منه الأذن بالجلوس، يشير الجوهري عليه بالجلوس، يتردد أول الأمر لكنه في النهاية يجلس على الكرسي بارتباك، يسحب نفساً عميقاً ويطلقه بهدوء، يشير له الجوهري بعرض ما عنده.. يخرج الصياد المنديل من جيبه، يعرض اللؤلؤة على الجوهري، يتناولها الجوهري بسرعة، يفحصها بعدسة مكبرة يلصقها على إحدى عينيه، يبدي إعجابه الشديد بها وبحجمها، يعيدها الى المنديل، يلفها به ويسلمها للصياد.. يقول له بصمت وهو يشير الى الأعلى أنا لا أستطيع شراءها اذهب الى بيت الوزير واعرضها عليه.. ينهض الصياد، يودع الجوهري مشكوراً بانحناءة وقور.. يبدأ بصعود المرتفع.. يطرق على باب الوزير.. يفتح الباب ويخرج من خلاله اثنان من العساكر، يشير لهما بالمنديل وما فيه يشيران له بالبقاء في مكانه وينطلقان دخولا الى البيت.. ينتظر الصياد خروجهما أو خروج الوزير، يتمشى في المكان جيئة وذهاباً، أحيانا يتوقف رافعا يديه بالدعاء ثم يواصل الحركة.. تفتح الباب فيفز يعاود الوقوف في المحل الذي أمروه بالوقوف عليه، يخرج الحارسان أولا ثم يظهر الوزير، ينحني له الحارسان فيفعل الصياد مثلهما، يشير الوزير له بعرض حالته باستكبار فيعرض عليه اللؤلؤة، ينبهر الوزير بها وبجمالها الأخاذ.. يلفها بالمنديل ويسلمها للصياد مشيراً له الى الأعلى، يأخذها ويبدأ بصعود المرتفع حتى يقف أمام باب الملك، يمنعه الحراس من التقدم فيشير لهم بالمنديل واللؤلؤة، يشير له أحدهما بالوقوف في مكانه لحين إخبار الملك، يدخل الحارس وبعد انتظار قصير يخرج الحارس ليقود الصياد الى داخل القصر، تطفأ الأضواء تدريجيا مع دخولهما، وتفتح تدريجيا أيضأ فنرى الصياد في حضرة الملك.. يشير له الملك بعرض ما عنده فيفتح المنديل، يرى الملك اللؤلؤة فينبهر لمرآها ويمد يده نحوها، يهم الصياد بالتقدم نحو الملك لكن الحارس يمنعه، يأخذ منه المنديل واللؤلؤة، يسلمها للملك وينسحب الى الخلف بخطوات تراجعية دون أن يدير للملك ظهره، يبدي الملك انبهاره بها ودهشته منها، يصفق الملك مشيراً للحارس باقتياد الصياد الى مكان آخر، ومع خروجهما تطفأ الأضواء تدريجيا.. ثم تفتح تدريجيا أيضا فنرى الصياد والحارس داخل غرفة مليئة بالقطع الذهبية، يتناول الحارس رزمة أكياس يسلمها للصياد ويشير له بأخذ ما يريد من المال، ولكن خلال ساعة رملية فقط فان مرت الساعة وسقط الرمل في قعرها فلا حق له في أخذ أي شيء.. انهمك الصياد بوضع النقود في الأكياس كيسا بعد كيس حتى بدا التعب عليه، تطلع باشتهاء الى الأكياس التي لا تزال فارغة، توقف مفكراً.. رأى أن يستريح قليلاً ثم يباشر ملء بقية الأكياس وقد هدّه التعب فأخذته سنة من النوم، ورمل الساعة مستمر بالسقوط الى قعرها حتى آخر ذرة منه.. يدفع الحارس الباب بقوة فيفز الصياد ويهمّ فورا بملء الأكياس المتبقية لكن الحارس يمنعه مشيراً إلى الساعة.. يحاول الصياد إقناعه بالتوسل والبكاء ندما بين يديه لكن الحارس لا يلين.. يمسك به ويخرجه من الغرفة، يستمر الصياد في النظر إلى القطع الذهبية حتى تطفأ الأضواء...
المصمت الثالث: الأصدقاء الثلاثة (***)
(غابة كثيفة الشجر، الوقت عند الصباح الباكر)
يصل ثلاثة أصدقاء الى حافة الغابة، يتمشون بصف واحد بين ممراتها تاركين حمارهم الوحيد مربوطا الى جذع شجرة عند حافتها.. يتوقفون عن السير، يتحرك كل منهم الى ركن من أركانها، يبحثون بلا هدف عن شيء ما أي شيء، يلفت انتباه أحدهم شيء ما يلمع بقوة عاكساً أشعة شمس الصباح، يقترب الصديق الأول من ذلك الشيء، يصرخ بدهشة (هيه.. هيه) يهرول الصديقان الثاني والثالث إليه، يقفان الى جانبه وفي عيونهم حيرة وتعجب، يشير الى كيس مليء بالقطع الذهبية.. يقتربون منها، يلمسونها غير مصدقين أعينهم، يحاول أحدهما رفع الكيس الثقيل فيفشل.. يفكرون.. يقرر الأول إرسال الثاني ليجلب الحمار الذي كان معهم من أول خروجهم من القرية لتحميل الذهب عليه يغادر الثاني.. يفكر الاثنان معا ثم يقرران قتله ليتقاسما النقود بينهما، وبينما يغادر الثاني تخطر له فكرة التخلص منهما لتظل النقود الذهبية له دونهما، يعاود التفكير مرة أخرى وكمن وجد حلاً سحرياً يخرج من جيبه قنينة سم قاتل، يأخذ أوعية الطعام التي جلبوها معهم عندما تركوا القرية يصبّ السمّ عليه ويتوجه نحوهم.. الاثنان الأول والثالث كمنا له وراء الشجرة ولحظة اقترابه منها انهالا عليه ضرباً مبرحاً حتى سقط مضرجاً بدمائه.. خرّ صريعا على الأرض.. يتصافح الاثنان بفرح وانتصار، يقترب الثالث من الكيس محاولاً رفعه لكنه لا يستطيع أيضاً، يطلب من الأول مساعدته لكن الأول يوقفه عن المحاولة مشيراً الى الطعام، يتقدم الاثنان من الطعام ويبدآن الأكل بنهم وشهية مفرطة، وإذ ينتهيان يساعد بعضهما بعضاً فيحملان الكيس، ويضعانه على ظهر الحمار، يضعان جثة صديقهما على ظهر الحمار أيضا، يمسك أحدهما الرسن ويمسك الآخر الكيس كي يمنع سقوطه من على ظهر الحمار.. يسيران مع الحمار والجثة مسافة قصيرة ثم يسقطان على الأرض، يخرج الزبد من فميهما، ومع سقوطهما يسقط كيس النقود الذهبية على الأرض.. بينما يظلّ الحمار واقفاً بلا حراك بالقرب من الجميع.. يمر وقت قصير قبل أن يظهر رجل في الأربعين من العمر، يبدو عليه التعب والفقر والجوع، يرى إليهم حائراً.. يفكر قليلاً.. يشير الى أن الحمار حمّل بالذهب وساروا جميعاً مع الحمار حتى سقطوا في هذا المكان، يقلب احدى الجثث، يدقق النظر في الزبد الخارج من فم جثة الأول والثالث فيعرف انهم ماتوا بالسم، وأن وراء هذا الحادث قاتل موتور وعلى عجل يقرر وضع كيس النقود على ظهر الحمار، ويمسك الرسن ليجره الى خارج المكان منطلقا به نحو البعيد...
....................................................
(*) هذا المصمت مستوحى من قصة قصيرة جدا
(**) هذا المصمت مستوحى من حكايات ألف ليلة وليلة بتصرف.
(***) هذا المصمت مستوحى من قصة الطمع والأصدقاء الثلاثة المنشورة في موقع (ركن المعرفة) بتصرف.