من الاختراعات ما قتل وأزعج واقتحم الخصوصية
27-تشرين الأول-2025

أمينة خيري
ترتبط كلمة "اختراع" غالباً بمعانٍ إيجابية ودلالات جيدة، مثلها مثل كلمة "ابتكار" التي تحمل في طياتها إثناء وإطراء للمبتكر الذي تكبد عناء الوقت والجهد والمال ليخرج بشيء جديد للبشرية، لكن ماذا يحدث حين يكون الاختراع سخيفاً والابتكار مريعاً؟
هناك كثير من القوائم التي سنّها أفراد ومؤسسات تحوي "أسوأ اختراعات وأسخفها"، لكن حتى السوء والسخافة ليسا معايير عالمية موحدة. فالعلكة التي يكرهها كثر لأن منظر مضغها مستفز أو لأنها تلتصق بأحذيتهم حال إلقائها على الأرض، لا غنى عنها لمحبيها. والسيارات المتناهية الصغر يعتبرها بعض الناس مضحكة وهزلية، لكن لا تستوي الحياة من دونها لدى مقتنيها، سواء لأنها عملية أو اقتصادية أو لأنهم يحبونها.
اختراعات أخرى جرى ابتكارها بمحض الصدفة أو عن طريق الخطأ، وكانت النتيجة "اختراعاً" يعتبره فريق قمة السخف، ويتعامل معه آخر باعتباره قمة اللطافة. الصلصال المطاطي المصنوع من السيليكون، الذي يثير ملمسه الاشمئزاز لدى بعضهم، أحد هذه الاختراعات. يعشقها الصغار ويمقتها كثير من الكبار.
يتميز هذا الصلصال بخواص فريدة تجعله يتمدد ويلتصق ويزال من دون ترك أثر. الطريف أنه جرى ابتكاره عن طريق الخطأ في أثناء الحرب العالمية الثانية حين حاول الكيميائي الاسكتلندي جيمس رايت ابتكار مادة بديلة للمطاط، فسقط قدر من بوليمترات السليكون وحمض البوريك وغيرهما من طريق الخطأ وتشكلت هذه المادة التي تستخدم حالياً استخدامات عدة مثل لعب الأطفال، ومادة علاجية وإزالة القاذورات، لكن ما زال كثر يعتبرونه سخيفاً ومقرفاً.
العلماء يعتبرون اختراعاً ما سخيفاً حين يفتقد عناصر العملية، أو يكون بالغ التعقيد، أو لا يقدم إفادة تذكر للبشرية. مرة أخرى، ميول البشر واختياراتهم ليست متطابقة، ولا يرتكن جميعها إلى ثالوث المنطق والعملية والفائدة. بعض الاختراعات الجيدة، بل والرائعة، يخرج إلى النور في الوقت الخطأ، حين لا تكون البشرية والأوضاع المعيشية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية جاهزة أو متقبلة له.
على سبيل المثال لا الحصر، الكمبيوتر المحمول (لاب توب)، وطلاء الأظافر، والدراجات الهوائية، والسيارات، وغيرها كثير مما تعتمد عليه البشرية، وتعتبره جزءاً لا يتجزأ من أساسات الحياة اليومية اعتبرت وقت الإعلان عنها غير منطقية، أو غير مطلوبة، أو غير مستدامة.
اختراعات أخرى عجزت على رغم مرور عقود عن الانتقال من خانة "عديمة الفائدة" أو "السخيفة" إلى المقبولة والمستخدمة. هناك الآلاف منها: قطاعة الموز، وزجاجة المياه المخفية داخل رابطة العنق (التي استخدمها بعضهم لتهريب المشروبات الكحولية إلى مكان ممنوع)، ومظلات الأحذية لحمايتها من الأمطار، ومريلة المطبخ المزودة بأماكن لوضع جرات التوابل وعبوات الصلصات وغيرها التي تسببت في مشكلات في العمود الفقري والأكتاف والرقبة لمن ارتداها، وأصابع الاتصال الهاتفي المصممة ليرتديها الشخص على الإصبع أو الإصبعين اللذين يستخدمهما للدق على الهاتف المحمول. وخرجت هذه الأصابع بمقاسات أصابع مختلفة، لكن أثبتت أنها غاية في التعقيد، إذ ارتداؤها وخلعها يستغرقان وقتاً طويلاً. كذلك فإن الطقس الحار يعرق أصابع اليد، ويجعل المسألة برمتها كابوساً.
سخافات العصر الرقمي
ولم يسلم العصر الرقمي من الابتكارات السخيفة. البريد الإلكتروني العشوائي أو Spam email تلك الرسائل المقدر عددها بنحو 376 مليار رسالة التي تهبط يومياً في نحو 7.8 مليار بريد إلكتروني حول العالم، وغالبيتها المطلقة إما رسائل تسويق، أو نصب واحتيال أو تحمل فيروسات أو غير مرغوب فيها، هو أحد أبشع وأسخف ابتكارات العصر.
ولا تنافسها في البشاعة والسخافة سوى الإعلانات المنبثقة أو Pop-up ads، تلك الإعلانات الصغيرة الكثيرة التي تغزو الشاشات أعلى وأسفل وفي منتصف صفحات المواقع التي يتصفحها ملايين المستخدمين غير المحميين منها. ومنها ما يرفض الانقشاع معتماً الشاشة بأكملها إلا بعد مرور 10 ثوان تجبر المستخدم على قراءة أو سماع أو مشاهدة المحتوى، تمر كأنها 10 أسابيع.
مجلة "تايم" الأميركية أوردت تقنية "فحص الابتسامة" باعتبارها أحد أسوأ الابتكارات. في عام 2009، بدأ موظفو إحدى شركات سكك الحديد اليابانية يخضعون لـ"فحص الابتسامة" صباح كل يوم عبر برنامج رقمي، يحلل وجه كل منهم، ويعطيهم درجات من صفر إلى 100 تقييماً لحجم الابتسامة التي يجب أن يتحلوا بها لدى التعامل مع العملاء، وهو ما وضع الموظفين تحت ضغط نفسي وعصبي هائل، حيث قواعد العمل رفعت راية "ابتسم بالتي هي أحسن".
الخوارزميات المحرجة أيضاً يمكن اعتبارها من أسخف الابتكارات الذكية. خوارزميات الـ"سوشيال ميديا" هي أقرب ما تكون إلى المساعد الشخصي الذي يعمل على إسعاد المستخدم وإرضائه وتقديم ما يحبه ويرغب فيه من دون عناء. هذا المساعد يراقب كل تحركات المستخدم، واختياراته وما يقبل على مطالعته أو مشاهدته، ويمضي معه وقتاً طويلاً، فما إن يفتح صفحته على "فيسبوك" أو "إنستغرام" أو غيرهما، حتى يجد المحتوى "المحبب" له متدفقاً أمامه. وحين يكون هذا المحتوى مسبباً للحرج، لا سيما إن فتح هذه الصفحات في وجود آخرين، مثل المحتوى الإباحي، يتحول الخواريزم إلى مساعد شخصي ذكي مدمر.
الابتكارات المدمرة تعرف طريقها بين الحين والآخر إلى قوائم أسوأ الاختراعات، بما فيها اختراعات يصنفها بعض المستخدمين باعتبارها الأروع. على سبيل المثال لا الحصر، صنفت "بي بي سي" الإنجليزية (2024) كبسولات القهوة ذات الاستخدام الواحد ضمن الأسوأ. وأشارت إلى أن البصمة البيئية العالمية السنوية التي تُنتجها كبسولات القهوة تتجاوز نصف مليون طن، وأن بعض الشركات المتخصصة تُعيد تدوير الكبسولات. لكن لا يعاد تدويرها كلها، مع العلم أنه حال وضع استهلاك العالم من هذه الكبسولات في مكبات النفايات، فستستغرق 500 عام لتتحلل. وأشارت إلى أن مبتكر هذه الكبسولات نفسه، واسمه جون سوليفان، التي ابتكرها في أثناء عمله في شركة "كيوريغ غرين ماونتن" لصناعة القهوة، نادم على اختراعه لها.
ويبقى هناك ما هو أشد فتكاً بالبشرية من كبسولات القهوة. بين أسلحة شديدة الدمار، وقنابل نووية، وألغام أرضية، وسموم قاتلة، والوقود الذي يحتوي على رصاص، والسجائر، والبوليسترين (تصنع منه أطباق وأكواب) وغيرها مما تستخدمه البشرية، وتدّعي أنها تستعمله برشد (ضائع) وحكمة (كاذبة)، والواقع يتحدث عن العكس، تتنافس عشرات الابتكارات على الانضمام إلى قوائم الأسوأ من جهة الآثار المدمرة.
ما دامت البشرية باقية، ستظل هناك ابتكارات عظيمة، وأخرى سخيفة، وثالثة سخيفة ومقدراً لها أن تكتشف عظمتها في وقت لاحق. لذلك، تصعب الإشارة إلى "القائمة"، بل قوائم عدة تصنف أسوأ الاختراعات.

لجنة مشتركة لتنظيم ضوابط الدعاية الانتخابية في بغداد
27-تشرين الأول-2025
مرصد يحدد أسباب تلوث الأجواء في بغداد
27-تشرين الأول-2025
العمال الكردستاني يعلن سحب جميع مقاتليه من تركيا إلى شمال العراق
27-تشرين الأول-2025
التعليم تعلن قبول قرابة 185 ألف طالب في الجامعات العراقية
27-تشرين الأول-2025
مؤشر القوة الناعمة لعام 2025: العراق في المرتبة الـ 97 عالميًا
27-تشرين الأول-2025
زيارة سورية لبغداد لإحياء خط أنابيب النفط كركوك - بانياس ما هي أهميته؟
27-تشرين الأول-2025
سباق مبكر بين «تقدم» و«عزم» وتحالفات جديدة تعيد رسم الخريطة الانتخابية
27-تشرين الأول-2025
بيانات ميتا: إنفاق 1.4 مليون دولار على الحملات الانتخابية خلال شهر
27-تشرين الأول-2025
مطار الموصل من «دولي» الى «رحلات داخلية فقط»
27-تشرين الأول-2025
اليونسكو: دورة تدريبية لتعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للصحفيات في بغداد
27-تشرين الأول-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech