منافذ خيالية للنجاة
5-شباط-2023
ألاسدير غراي*
بسبب خطأ (لا أعلم من هو المسؤول عنه) علق شخص في غرفة دون نوافذ، ولا يوجد فيها شيء سوى باب يمكن فتحه من الخارج، وحوض للتغسيل، ولوحة جدارية تعرض وجه رئيس الأمة. بعد تخيل أمور كثيرة عن هذا المسؤول، حاول السجين أن يجد البهجة بتصور مشهد طبيعي وراء الوجه، وارتاح للفكرة التي تعني احتمال وجود فضاء واسع، ولكنه سرعان ما اكتأب بسبب طبيعة تصوراته المستأنسة. من جهة تحولت مزارع مهيأة جيدا إلى سلسلة تلال زرقاء بعيدة، من جهة مقابلة انتصبت دارة حكومية، وكاتدرائية، وجامعة، ومصنع نظيف، ومساكن للعمال. ولكن لم تكن هناك غابات ولا أنهار متعرجة تحض على اكتشافها. أما سلسلة التلال البعيدة كانت دون روافد ولا شلالات، ولا سفوح، ولا مغارات أو طرقات جبلية، كانت مجرد جبهة تغلق الأفق. ومع أنها مصممة للتبشير بعالم مشمس وساطع أكثر من الزنزانة المضاءة بالكهرباء، كانت اللوحة تصور من الداخل سجنا أوسع. حين أوشك السجبن أن يجن وجد على الأرض وراء حوض التغسيل قلم رصاص. قضمه حتى أصبح مدببا ليكون جاهزا ليرسم به أي شيء على الجدران المطلية بطلاء أبيض: وجوه أصدقاء، قامات عشاق، مشاهد لمغامرات معروفة. ولكن السجين لم ينجح برسم ذلك بطريقة مقنعة، فرسم بحذق صورة كبيرة لباب الغرفة الموصد، مع إضافة اختلاف واحد. في قفل الباب المرسوم مفتاح، ويمكن استعماله. لف السجين المفتاح بدورة كاملة، وفتح الباب وغادر الغرفة. ومع أن التفاصيل المذكورة فانتازيا ونتيجة لنشاط الخيال، الحكاية واقعية. الإرادة الحرة هي محور العقل، وكل من يشعر أنه محجوز يجب أن يتخيل منافذ للهروب، ولا بد أن يتبلور بعض منها. والفن والعلوم الجديدة، والأديان والأمم الناشئة ظهرت بهذه الطريقة.
لكن يمكن لحكاية الباب أن تنتهي نهاية أسوأ.
سمع رجل أعمى يعيش وحيدا في مشروع للسكن البلدي صوت جماعة تقتحم بابه الأمامي، فأخطر مركز الشرطة المحلية. وحينما كان يطلب النجدة وصل إليه المقتحمون وصرعوه بضربة واحدة على الأرض. وكانوا من الشرطة واقتحموا بابه بالخطأ عوضا عن باب رجل يشتبهون أنه يتاجر بعقاقير غير مرخصة. واكتشفوا خطأهم حينما رفع أحدهم سماعة الهاتف ورأى أنه كان يتصل بواحد من زملائه الشرطة. فقال لزميله الشرطي أن لا يقلق، لأنهم "سيخيطون" صاحب البيت الأعمى. استدعي الأعمى الى المحكمة واتهم بالاعتداء على الشرطة أثناء تأديتهم الواجب. في بريطانيا تسجل كل المكالمات الطارئة مع محطات الشرطة مرتين: مرة تسجلها المخافر لمصلحة الشرطة، ومرة تسجلها شركة الاتصالات لمنفعة المتصل. كان محامي الدفاع عن الرجل الأعمى يحمل تسجيل شركة الاتصالات، وقد استمعت له المحكمة ليثبت لها أن موكله بريء، وأشار إلى معنى عبارة يخيطون وشرح أنها تعبير عامي يعني الاعتقال بدليل ملفق. وافق شاهد الشرطة أن الخياطة تعني ذلك في اللغة المحكية المتداولة بين المجرمين، ولكن معناها في محكية يتداولها الشرطة هو الاعتقال بالوقت المناسب دون تلفيق أو انتهاك في الإجراءات. واقتنع الشريف الجالس في المحكمة (يسمى القاضي في اسكتلندا بالشريف) بكلام شاهد الشرطة، وكان يعتقد أن الفوضى ستدب في أمتنا لو لم يثق القاضي بالشرطة. وهكذا صدر حكم لتغريم الأعمى، ولكن دون أي عقوبة بالسجن، كما يحصل بالتأكيد في الدول الشيوعية والفاشية القديمة. ومثل الشريف القاضي كان ولائي الأساسي للشرطة. فتح باب بمفتاح كبير (وهذا بمحكية الشرطة يعني المطرقة) عمل يائس، حتى لو أنك تعتقد أن شخصا شريرا وراء الباب، ولو تعاملت معها بتعجل قد تجد الدليل على أقوالي. تقريبا كل خبراتنا ومعارفنا، بالإضافة إلى القانون الطبيعي القائل تعامل مع غيرك كما تحب أن يعاملوك، تؤكد لنا أن نفتح الأبواب بهدوء. وهي بالعادة أشياء وادعة ومسالمة وتحميك. وأحد أعز الأشياء على قلوبنا وأكثر أفعال حياتنا انضباطا أصبحت أسهل بوجودها، لذلك تحطيم أحدها يشبه لكمة بالوجه، أو قصف المشاة بطائرة في وضح النهار. قد نكسب النقود من ذلك، وقد نعتقد أننا ندافع عن الاستقامة والعدل، ولكن لا يمكننا إغفال أننا نشعر بالقلق الشديد، ولا مجال للخطأ هنا.
وتعاطفت قليلا مع الأعمى، لأنني لست واحدا من أولئك الذين يظنون أن كل من يعيش في مشروع الإسكان البلدي يستحق المعاملة السيئة التي يتلقونها عموما. وعمى الرجل ليس غلطته، وربما هو السبب في منعه من أن يرى أن عليه أن يعيش في مكان أفضل في المدينة. ولكن بالتأكيد كان عليه أن يستعمل خياله، ليكون قادرا على المشاهدة والرؤية في الظلام المطبق. المفتاح الكبير فتح باب الأعمى عام 1990 حينما كانت غلاسكو عاصمة الثقافة الأوروبية. والحكاية لم تنشر في الصحف. وأنا أرويها هنا لأن الشرطة، مثل السجين في الحكاية الأولى، وجدوا أنفسهم بوضع مربك، ولكن تخيلوا منفذا للنجاة. واخترعوا بابا خياليا وأحسنوا الاستفادة منه.
من مجموعة "حكايات منحازة".
*Alasdair Gray كاتب ورسام إسكوتلندي توفي عام 2019. ترجمة صالح الرزوق.
الاقتصاد النيابية تبحث المواصفة العراقية لاستيراد المركبات مع جهاز التقييس
3-نيسان-2024
وزير العدل خالد شواني لـ"العالم": نعمل على "أتمتة" عمل التسجيل العقاري وكتّاب العدول
25-آذار-2024
الحسناوي لـ"العالم": حصة المواطن من الموازنة العامة سنويا 4 آلاف دينار
23-آذار-2024
وزير الداخلية لـ"العالم":نخطط لاستبدال المنتسبين الرجال في المطار بكادر نسوي
12-آذار-2024
حادث سير يودي بحياة "مشرفين تربويين" على طريق تكريت - موصل
12-شباط-2024
العراق يتأثر بحالة ممطرة جديدة تستمر لأيام تتبعها ثالثة "وربما رابعة"
12-شباط-2024
هزة أرضية تضرب الحدود العراقية التركية وسكان يستشعرون قوتها في دهوك والموصل
12-شباط-2024
العراق يدعو إلى تدخل دولي لمنع خطط التهجير الجماعي لسكان جنوب غزة
12-شباط-2024
بمشاركة السوداني وبارزاني إنطلاق قمة عالمية بدبي للحكومات
12-شباط-2024
الأمن والدفاع: العراق لا يستطيع حماية أجوائه من المسيرات
12-شباط-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech