هوس هيتشكوك المظلم: القصة الخفية وراء «مارني»
27-كانون الثاني-2025

جيفري ماكناب
أثناء مواجهتها مع ألفريد هيتشكوك خلال تصوير فيلم "مارني" Marnie الصادر عام 1964، وجهت الممثلة تيبي هيدرن ضربة موجعة للمخرج في نقطة حساسة بالنسبة إليه وانتقدت وزنه، وفي حديثه إلى كاتب السيرة الذاتية جون راسل تايلر قال هيتشكوك بعد أعوام عدة وهو لا يزال يشعر بالألم من إهانتها: "لقد فعلت [هيدرن] ما لا يُسمح لأحد بفعله وأشارت إلى وزني"، ومنذ تلك اللحظة لم يتحدثا معاً مباشرة وبدأ هيتشكوك يشير إليها بـ "تلك الفتاة".
في المقابل قدم كاتب سيرة آخر تفسيراً مختلفاً تماماً لانهيار العلاقة بين المخرج ونجمة فيلمه التي كانت في الـ 34 من عمرها، فزعم الكاتب أن هيتشكوك كان غارقاً في هوس عاطفي ميؤوس منه تجاهها، وبما أنها كانت مرتبطة بعقد معه فقد حاول السيطرة على كل جانب من جوانب حياتها، سواء على الشاشة أو بعيداً منها.
وبينما كان هناك فارق 30 عاماً في العمر بينهما، وعلى رغم أن هيتشكوك كان بطبعه شخصاً مكبوتاً لكن ذلك لم يمنعه من إظهار سلوك مخز.
أشار الكاتب دونالد سبوتو في كتابه "الجانب المظلم من العبقرية: حياة ألفريد هيتشكوك" The Dark Side of Genius: The Life of Alfred Hitchcock، إلى أن "هيتشكوك فقد في النهاية ما بقي له من كرامة وتقدير، ففي إحدى المرات وأثناء وجوده بمفرده مع هيدرن داخل مقطورتها بعد انتهاء العمل في ذلك اليوم، قام بإيحاء جنسي مباشر لم يكن بإمكانها تجاهله أو الرد عليه بسهولة كما فعلت مع محاولاته السابقة".
انهيار العلاقة بين هيدرن وهيتشكوك، بغض النظر عن أسبابه، ألقى بظلاله الثقيلة على فيلم "مارني" حتى قبل صدوره، العمل المستوحى بشكل فضفاض من رواية للكاتب وينستون غراهام صاحب رواية "بولدارك" Poldark، يحكي قصة شابة تعاني اضطرابات نفسية تدفعها لسرقة أصحاب العمل وتغيير هويتها بصورة مستمرة، ويلعب شون كونري الذي كان في بداية شهرته عقب تجسيده شخصية جيمس بوند دور أحد مديريها: مارك روتلاند، رجل الأعمال الأميركي الثري الذي يقع في حب مارني.
ويحمل الفيلم طابعاً كئيباً ومقلقاً يعكس بوضوح هواجس مخرجه المريضة، ويبدو أكثر صراحة بكثير في تناوله الهواجس الجنسية مقارنة بأفلام هيتشكوك السابقة ذات الطابع الترفيهي الواضح، فأبطاله شخصيات معطوبة نفسياً، فمارني تعاني هوس السرقة وتبدي اشمئزازاً حاداً من الرجال (تقول في أحد المشاهد: "ببساطة لم أرغب أبداً في أن يلمسني أحد").
أما شخصية كونري فتظهر تعلقاً مرضياً بمارني مدفوعاً بجاذبيتها كلصة، إذ يجبرها على الزواج منه ويغتصبها خلال شهر العسل على متن سفينة، ومع ذلك يستمر في تصوير نفسه كمنقذ لها.
من المنطقي أن يتلقى الفيلم انتقادات واسعة بسبب موضوعه الجريء وغير المريح، كما أبدى النقاد اعتراضاتهم على "ضعف جوانبه التقنية"، بخاصة تلك الخلفيات الاصطناعية غير المتقنة في مشاهد ركوب الخيل والقيادة، وأيضاً على ضعف نصه الذي وصفوه بـ "نص هاو".
على مدى الـ 60 عاماً التي تلت عرض فيلم "مارني" للمرة الأولى، تداخلت مواضيعه وما دار في كواليسه من دراما نفسية في أذهان الجمهور، إذ أصبح كلاهما دليلاً دامغاً يُستخدم ضد ألفريد هيتشكوك، ففي الفيلم التلفزيوني "الفتاة" The Girl الصادر عام 2012 للمخرج جوليان جارولد، جسدت سينا ميلر دور هيدرن وتوبي جونز دور هيتشكوك، الذي ظهر كصانع الأفلام الإنجليزي المرموق كوحش جنسي خطر، وفي عام 2021 اتهمت حفيدة هيدرن، داكوتا جونسون، هيتشكوك بـ "ترهيب" جدتها لرفضها الاستسلام لنزواته و"تدمير" مسيرتها المهنية.
وعلى رغم كل ذلك قدمت هيدرن أداء استثنائياً في دور بدا شبه مستحيل، فلعبت شخصية تتعرض لافتراس رجل يدعي أن كل ما يهمه هو مصلحتها، مما يعكس تماماً الوضع الذي أكدت هيدرن أنها عاشته شخصياً مع هيتشكوك.
كثيراً ما اقتحم هيتشكوك عوالم الظلام ببراعة ولم يكن ذلك مستغرباً في أعماله، فمن مشاهد الطعن في فيلم "ابتزاز" Blackmail إلى الهوس المرضي للأم في "سايكو" Psycho، دأب المخرج على استكشاف العوالم المظلمة والمروعة طوال مسيرته مع تصعيد التوتر والإثارة بمهارة، لكن الاختلاف في "مارني" كان في كونه دراما نفسية بحتة وليس مجرد فيلم إثارة وجريمة.
في لحظاته الأكثر كآبة وظلاماً يشبه الفيلم القصص الخرافية للكبار التي كتبتها أنجيلا كارتر، فعندما ترى البطلة اللون الأحمر أو تسمع صوت الرعد تدخل في حال من الهلع الشديد والذعر الوحشي، وقد قال هيتشكوك لزميله المخرج فرانسوا تروفو: "إذا أردت اختزال مارني إلى أبسط معانيه، فهو قصة ’الأمير والفتاة المتسولة‘".
تبدو المحاولات العرضية لإضافة لمسات فكاهية في الفيلم (مثل المشهد الذي يظهر فيه شون كونري وهو يتصفح كتباً تحمل عناوين مثل "انحرافات جنسية لدى النساء المجرمات"، أو تعليق هيدرن على محاولة انتحار فاشلة) غير موفقة وتفتقر إلى الانسجام مع الأجواء العامة للعمل، وعلى أية حال لا يزال الفيلم يتضمن مشاهد لا تُنسى تثير الحيرة والاضطراب، فالمشهد الافتتاحي الذي تظهر فيه هيدرن الشقراء بشعر مصبوغ بالأسود القاتم وهي تمشي على رصيف محطة قطار فارغ تماماً حاملة حقيبة صفراء تحت ذراعها، يعكس أجواء غريبة وسوريالية تشبه الأحلام كتلك الموجودة في الفيلم التجريبي الكلاسيكي الصامت "شبكات ما بعد الظهيرة" Meshes of the Afternoon للمخرجة مايا ديرين الصادر عام 1943.
اعترف كاتب السيناريو جاي بريسون ألين لاحقاً "أنه فيلم مليء بالعيوب، وهو ما عليّ أن أتحمل كثيراً من المسؤولية عنه"، ولكن في الحقيقة هذه العيوب هي التي تجعله أكثر اضطراباً وتأثيراً.
لا يقدم الفيلم حلولاً سهلة أو نهايات مريحة: لا يحدث قتل أي مجرم ولا القبض على أي شرير ولا تشهد الحبكة منعطفاً عبقرياً في نهاية العمل، ولا ختاماً درامياً تسقط فيه البطلة من برج مرتفع، وبدلاً من ذلك ينتهي الفيلم ببساطة باعتراف عاطفي بصدمة طفولية ظلت مدفونة طويلاً.
المشهد الذي تلقي فيه والدة مارني (تجسدها ببراعة لويز لاثام) مونولوغاً مفجعاً تعترف فيه أخيراً بما حدث عندما كانت مارني طفلة في الخامسة من عمرها، يمثل أحد أكثر اللحظات صدقاً وإثارة للمشاعر في أي من أفلام هيتشكوك. ويبقى فيلم "مارني"، كما وصفه جون راسل تايلر، "العمل الأكثر جدلاً بين أعمال هيتشكوك على الأرجح"، فبالنسبة إلى بعضهم سيظل دائماً ملوثاً بسمعة إخفاق العلاقة بين هيتشكوك وهيدرن، بينما يمثل لدى آخرين بداية انحدار المخرج، وبالمقارنة مع أعماله الأخرى مثل "سايكو" و"دوار" Vertigo و"الطيور" أو "شمالاً إلى الشمال الغربي" North By Northwest، لم يحظَ "مارني" بالاحتفاء نفسه ولم تُقم احتفالات تذكر لمناسبة مرور 60 عاماً على صدوره، حتى إن هيتشكوك نفسه بدا وكأنه فقد اهتمامه به بعد خلافه مع هيدرن.
لكن عند مشاهدته اليوم يبرز "مارني" كواحد من أغنى أفلام هيتشكوك وأكثرها غرابة وكشفاً لطبيعة أفكاره وهواجسه، ولأي شخص يرغب في فهم ما الذي كان يحرك هذا المخرج العبقري فهذا الفيلم هو البداية المناسبة.
فيلم "مارني" الذي يحتفل بمرور 60 عاماً على صدوره هذه السنة متوفر للمشاهدة عبر منصة "أمازون برايم".

بين تحذيرات خبراء الاقتصاد والنفي الحكومي.. الدينار العراقي على «المحك»
29-كانون الثاني-2025
السوداني: قللناحرق الغاز ونقترب من الاكتفاء الذاتي
29-كانون الثاني-2025
تسريبات صوتية وملاحقات تشعل التنافس الانتخابي
29-كانون الثاني-2025
مساع لحسم 3 قوانين مهمة خلال الفصل التشريعي الحالي
29-كانون الثاني-2025
وزير النفط: البرلمان يدرس مشروع قانون لاستلام نفط إقليم كردستان
29-كانون الثاني-2025
بين تحذيرات خبراء الاقتصاد والنفي الحكومي قيمة الدينار العراقي على «المحك»
29-كانون الثاني-2025
المجلس الوزاري يوافق على إعفاء الصناعيين من دفع بدلات الإيجار خلال مرحلة تأسيس المشروع
29-كانون الثاني-2025
الشركة العامة لصناعات النسيج والجلود تبرم عقدا مع وزارة الداخلية لتجهيز المنتجات العسكرية والمدنية
29-كانون الثاني-2025
اتحاد الكرة: مباراة منتخبنا الوطنيّ والفلسطينيّ ستكون في ملعب مُحايد
29-كانون الثاني-2025
تيباس: نحن ضد تسجيل أولمو وموقفنا منطقي
29-كانون الثاني-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech